اصطفاف المواجهة و محظورات يجب تجنبها

image_processing20220714-1888-cr57f1.jpeg
حجم الخط

بقلم مصطفى البرغوثي

 

في وقت تتعرض فيه الحقوق الفلسطينية لأخطر (وأشرس) هجمات الحركة الصهيونية والحكومة الفاشية الإسرائيلية الرامية إلى ضم كامل الضفة الغربية وتهويدها، ومحاولة تنفيذ تطهير عرقي جديد، تستمر حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، وينذر إستمرارها بمحاذير خطيرة.


أول المحظورات التي يجب تجنبها، تحول الانقسام المزمن وخلاف الرؤى بشأن نهج المقاومة إلى صدام فلسطيني فلسطيني، واحتراب داخلي. وكانت حادثة طولكرم الخطيرة والمؤسفة، والتي أدت إلى إستشهاد الشاب عبد القادر زقدح ناقوس خطر يجب أن ينبه الجميع إلى مخاطر انفجار صراعات داخلية لن تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي وأهدافه، وتؤدي إلى ضياع كل ما تحقق من عزلة متصاعدة لحكومته الفاشية.


لذلك يجب إجراء تحقيق مستقل تماماً في الحادثة ومحاسبة المسؤولين عن مقتل الشاب أمام قضاء عادل، واحتواء الحادثة لحماية السلم الأهلي، وضمان عدم تكرارها في أي منطقة أخرى، صوناً لوحدة الشعب الفلسطيني ونضاله العادل.


المحظور الثاني، المس من قريب أو بعيد بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الشاملة بكل الأشكال التي يقرها صراحة القانون الدولي، وتجنب أي صدام مع المنخرطين فيها، خصوصاً أنه لا يمر يوم دون أن يغتال الاحتلال مزيداً من الفلسطينيين، ومن دون أن يتعرض الفلسطينيون لاعتداءات الإرهابيين المستوطنين. وإذا كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية غير قادرة على توفير الحماية للشعب الفلسطيني، فمن واجبها تجنب أي صدام مع أبنائه ومناضليه، بما في ذلك وقف كل أشكال الاعتقالات السياسية.


المحظور الثالث، التعاطي بأي شكل من الأشكال مع بعض الضغوط الدولية للتعايش مع مشاريع التطبيع مع الحكومة الفاشية الإسرائيلية، وهو تطبيع يصطدم بمشاعر الشعوب العربية ومواقفها، بما فيها الشعوب التي تورط حكامها بالتطبيع ، ويمثل طعنة في ظهر نضال الشعب الفلسطيني، وهدفه المركزي منذ بدأ الرئيس الأسبق دونالد ترامب ترويجه مع رئيس الحكومة الفاشية بنيامين نتنياهو، عزل القضية الفلسطينية وتصفيتها.


ومن دون شك فإن موقفاً فلسطينياً شعبياً ورسمياً حازماً ضد التطبيع سيسهم في إفشال ما يخطط له نتنياهو، خصوصاً أن التطبيع ليس أمراً مسلماً به من جانب دول عربية مركزية، لديها دوافع مصلحية وجيوسياسية جوهرية لتبني سياسة متوازنة بين القوى الكبرى المتصارعة، وبعضها يدرك الخطر الداهم على بلدانها من الانضواء في الحلف الاستخباراتي والعسكري الذي تروجه إسرائيل ضد إيران.


هناك أطراف دولية تمارس سياسات منافقة لمصلحة إسرائيل، وتحاول إغراء الجانب الفلسطيني بمكاسب تافهة، للحصول على غطاء فلسطيني للتطبيع الذي يتردد المقصودون به عن الإقدام عليه لمعرفتهم بحساسية القضية الفلسطينية، والمكانة الدينية الإسلامية للقدس والمسجد الأقصى لدى شعوبهم. ولا قيمة هنا لأي مكاسب مادية، أو تكتيكية، إن كان التطبيع سيؤدي إستراتيجاً لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، وسيعرض المتصالحين معه لغضب شعبي غير مسبوق.

المحظور الرابع، مواصلة المراوحة في أوهام الماضي بإمكانية الوصول إلى حل وسط، ومفاوضات، مع الحركة الصهيونية والفاشية الإسرائيلية، والتردد عن التوجه لوحدة وطنية راسخة على إستراتيجية وطنية كفاحية مقاومة للاحتلال، والاستيطان ونظام الأبرتهايد العنصري. وما من شك في أن تلك المراوحة تمثل عقبة رئيسية أمام جهود المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني.


ولا بد من التذكير بأن كل ما وصفناه، يجري في إطار تحولين جديين للغاية في المنطقة.


الأول، تعمق الانقسام الداخلي الإسرائيلي، وهشاشة وضع الحكومة الفاشية التي تلهث باحثة عن أي فرصة للتطبيع على أمل تحسين وضعها الداخلي، وكانت المسرحية الهزلية للقاء وزير الخارجية الإسرائيلي كوهين مع وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش مثالاً على ذلك، وهي مسرحية انتهت بهروب الوزيرة الليبية من ليبيا خوفاً من ردة فعل الشعب الليبي وتنصل حكومتها من ذلك اللقاء. وما جرى في ليبيا، سيتكرر بالتأكيد في بلدان أخرى إن أصر حكامها على تجاهل مشاعر شعوبهم المناصرة للشعب الفلسطيني.


وبكلمات أخرى فإن الاقتراب من التعايش مع التطبيع أمر محرم، لأنه لن يخدم إلا مصلحة الحكومة الفاشية الإسرائيلية تنفذ أخطر الهجمات و أشرسها على الشعب الفلسطيني، و تكافح للبقاء في وجه تيارات معارضة جارفة داخلياً وخارجياً، ولا مصلحة لأي فلسطيني في إلقاء طوق النجاة لها لتستكمل جريمة نكبة جديدة ضد الفلسطينيين.


التحول الثاني، تصاعد مخاطر انفجار حرب شاملة على عدة جبهات، إن أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بإغتيال قادة فلسطينيين، أو إن استفزت مواجهة عسكرية مع حزب الله في لبنان، وهذه مخاطر واقعية يؤكدها تخطيط الحكومة الإسرائيلية لجلسة أمنية خاصة باحتمال إنفجار حرب على ثلاث جبهات، إحداها الضفة الغربية نفسها.


ويجري هذا التحول في ظل تدهور ملموس في قدرات الاحتياط الإسرائيلي والذي يمثل ثلثي المقاتلين في جيش الاحتلال.


ولا يمكن لأي مناورات سياسية، أو نفاق دبلوماسي، أو ألاعيب مصلحية أن تغير الخريطة الموضوعية لاصطفاف القوى في الصراع الجاري، فالشعب الفلسطيني كان، ولا يزال، وسيبقى في صف مقاومة المخططات الإسرائيلية، مقابل التطبيع معها، بل إن القضية الفلسطينية نفسها هي جوهر وأساس الاصطفاف المقاوم.