هل سيكون عظيماً فعلاً «الممرّ العظيم»؟

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم



 

ما هو مضمون "الممرّ العظيم" الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في اجتماع "دول العشرين" في العاصمة الهندية نيودلهي؟
حسب الإعلانات الصاخبة عن هذا المشروع فإنّه سيشتمل على ممرٍّ يربط الهند بأوروبا عَبر الشرق الأوسط، وعلى نقلٍ برّي بواسطة السكك الحديدية، وعلى ممرّ بحري، أيضاً، يمرّ ببلدان الخليج العربي، وستكون الموانئ الإسرائيلية، وخصوصاً ميناء حيفا المحطّة ما قبل نقل السلع والخدمات على أنواعها إلى اليونان فأوروبا.
سيوفّر المشروع إمكانيات الربط الكهربائي المتولّد عن مصادر الطاقة المتجدّدة، وكابلات لنقل المعلومات، وعلى نقل الطاقة النظيفة التي يمثل الهيدروجين النظيف عِمادها الأوّل.
ومن خلال هذه الإعلانات يتبيّن أنّه يشمل ممرّات بحرية عملاقة وأخرى برّية أكثر وأكثر تعملقاً من الممرّات البحرية، بسبب أنّ إقامة البُنى التحتية للممرّ البرّي ستكون باهظة التكاليف.
دعونا نرى فيما إذا كان مثل هذا الممرّ الكبير هو إعلان "سياسي" أم مشروع حقيقي قابل للتنفيذ في أيّ مدىً زمني مرئي.
لا يحتاج المرء إلى فطنةٍ خاصة ليعرف بأنّ مشروعاً بهذه الضخامة يحتاج طالما أنّه قد أُعلن عن (انطلاقه)، أو حتى النيّة عن هكذا انطلاقة.. يحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية، بحيث أنّ الإعلان يفقد قيمته من دون تحديدها:
الأوّل: الجدوى الاقتصادية للمشروع.
الثاني: تحديد الكُلفة قبل تحديد الجدوى بصورةٍ نهائية.
الثالث: الإطار الزمني ووسائل التمويل.
لم يتمّ التصريح ولا بكلمةٍ واحدة حول هذه العناصر الثلاثة. وكلّ ما سمعناه حتى الآن هو أنّ الاتحاد الأوروبي يعتبر هذا المشروع أكبر بكثير من كابلات وسككٍ حديدية، وما صرّحت بعض الأوساط الرسمية الأميركية من أنّ المشروع هو جزء من الرؤية الأميركية الأشمل، وخصوصاً التطبيع والتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط. والاستنتاج هنا هو أنّ المشروع إذا كان له أن يرى النُّور في أيّ يومٍ من الأيّام ليس سوى محاولة أميركية لقطع الطريق مستقبلاً على مشروع "الحزام والطريق" الصيني.
الشيء المؤكّد، والشيء الصحيح الوحيد الذي صرّحت به أوروبا وبعض الرسميين الأميركيين، والذي "تبجّح" به بنيامين نتنياهو هو أنّ هذا المشروع الذي يُعوّل عليه بايدن في "تغيير معالم العالم"، وربط الاقتصاديات العالمية بصورةٍ لم يسبق لها مثيل ليس أمامه سوى أن يكون على حساب المشروع الصيني، بل وربما على أنقاضه، إذا أُريد أن يحقق الرؤية الأميركية و"الغربية".
وهنا بإمكاننا أن نفتح قوساً بالقول إن مثل هذا المشروع، المنطلق من الرؤية الأميركية و"الغربية" سيفقد أيّ أهمية "غربية" له إذا ما كان مشروعاً مُكمّلاً، أو تكاملياً مع مشروع "الحزام والطريق" الذي أعدّت الصين له كلّ أسباب الاستدامة والنجاح.
وإذا أردنا الدقّة أكثر فإنّ الطموحات الأميركية من وراء هذا المشروع هي أكبر من مجرّد الربط والترابط، وإنّما هي أن يتمّ "فك" و"فكفكة" الروابط الصينية التي باتت تتموضع في إقليم الشرق الأوسط حتى ولو أدّى ذلك إلى افتعال حرب مع الصين بهدف جرّها إلى منطقة الاستنزاف، تماماً كما فعلت مع روسيا، وهي تواصل ذات النهج، وتكاد تُكرّر نفس الوسائل والأساليب.
وإذا صحّ هذا الافتراض، وهو برأيي صحيح تماماً، فإنّ على العالم أن يحضّر نفسه وسريعاً لأوكرانيا جديدة تتمثّل بـ "تايوان"، وببولندا جديدة تتمثّل بالفلبين، وأن يفهم هذا العالم أن كوريا الشمالية تتهيّأ للتحضيرات الأميركية مع كلّ من كوريا الجنوبية واليابان بالزيارة التي يقوم بها زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لروسيا.
لن يتمّ الإعلان عن أيّ شيء حول "ممرّ بايدن العظيم" قبل أن يتمّ استفزاز الصين، ولن يكون هناك سوى إعلانات صاخبة عن كلّ شيءٍ باستثناء المُعلن عنه، لأنّ المسألة ما زالت في طور التحضير للاستفزازات.
بماذا أستدلّ على ما ذهبتُ إليه آنفاً؟
هناك أوساطٌ أميركية بدأت تتحدّث عن أنّ الحرب مع الصين أصبحت، أو باتت مؤكّدة، وليس مجرّد محتملة أو مرجّحة. وهنا علينا أن نعود إلى معادلة الصراع الداخلي في الولايات المتحدة، وفي هذه العودة ولها أهمية خاصة لأنّ "الخلافات" والاختلافات بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" حول "أولوية" كبح جماح الصين هي في موضع التوافق الكبير، وفي موضع التوافق التام من زوايا محدّدة.
أقصد أنّ المسألة هنا فيها من التوافق والاتفاق الداخلي أكبر بكثير من التوافق والاتفاق بالمقارنة مع حالة الحرب ضدّ روسيا. وفي الواقع فإنّ فرصة المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة، وفي "الغرب" كلّه، وخصوصاً الجهات السياسية التي باتت ملحقة بهذا المجمع أصبحت توفر كل الإمكانيات لاستفزاز الصين، وهنا يبدو أنّ بايدن أصبح أمام "إغراء" كبير قبل الانتخابات التي ستجري في شهر تشرين الثاني من العام القادم.
ومن هذه الزاوية بالذات فإنّ بايدن يبدو أنّه أبعد ما يكون عن العشوائية السياسية، وهو أقرب من أيّ وقتٍ مضى إلى مخطّطات وخطط مُعدّة بكلّ رويّة وصبر وتحضير، وهذا بالضبط هو مكمن الخطر المباشر لها. وأستدلّ على ذلك الذي ذهبت إليه "بالتأكيدات" المقرّبة من بايدن من أنّ "الانتصار" الأميركي على روسيا أمرٌ أصبح مسألة حياةٍ أو موت، إذا أراد بايدن أن يضمن إعادة انتخابه في المنافسة الحادّة التي ستشهدها الانتخابات الأميركية في هذه الظروف الدولية المتأزّمة والمؤزّمة من الواقع التاريخي الراهن.
أقصد أنّنا، والعالم كلّه يمرّ في أخطر المراحل التي عاشتها البشرية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تكون الأخطر على الإطلاق، وذلك بالنظر إلى النتائج التي ستترتّب على أزمات العالم.
فمن ناحية، بايدن يخوض معركة حياةٍ أو موت، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يخوض معركة حياةٍ أم موت، وأوروبا تعيش تبعاً لذلك، وتتواجد في مساحة الحياة والموت، وإسرائيل بما هي عليه من واقعٍ "يميني" موجودة في حدود هذه المساحة، والصين إذا ما جازفت أميركا باستفزازها ستعتبر أنّ وجودها هو مسألة حياةٍ أو موت، والمجمع الصناعي العسكري سيعتبر أنّ هزيمة "الغرب" هي مسألة حياةٍ أو موت.
من هنا، وإلى ظهور نتائج الانتخابات الأميركية فإنّ العالم في خطر، والسلام والسلم العالمي في خطر، و"الغرب" كما جرّ العالم كلّه إلى حربين عالميتين، وحرب عالمية باردة ثالثة، فإنّه على أبواب أن يجرّ العالم إلى حربٍ عالمية أكثر خطراً وفتكاً من كلّ الحروب السابقة.
الغرق بين حافّة الهاوية والهاوية نفسها يمكن أن ينجح مع "الغرب" في تعاملها مع الدول النامية، أما مع روسيا والصين فإنّ هذا "الغرب" مطالب بالرجوع فوراً عن اللعب بالنار لأنّ النار ستحرق "الغرب" قبل أن تحرق الآخرين.
أمّا "الممرّ العظيم" فهو مجرّد إعلان سياسي، انتخابي حتى الآن، وعندما يوضع موضع التطبيق ستكون مياه كثيرة قد جرت في النهر، وربما ستكون قد أخذت في طريقها معظم الطواقم "الغربية" الحاكمة في "الغرب" كلّه، ومنطقة الشرق الأوسط لن تكون طيّعة بالقدر الذي يتخيّله "الغرب".