هارتس : «قانون المعقولية» سيُلقى به في سلة مهملات التاريخ إذا تمسّك القضاة بمواقفهم

6199B9DA-1599-46B0-AF1B-B04B69A5256D.jpeg
حجم الخط

بقلم: غيدي فايس

 



"أريد منكم الإجابة بثلاث كلمات فقط"، قال نتنياهو لموظفي وزارة العدل. كان هذا في العام 2020 عندما طُلب من قسم الاستئنافات لـ "العليا" في النيابة العامة صياغة رد الدولة على الالتماسات ضد قانون الاساس: القومية المشوه. طلب رئيس الحكومة من المدعين العامين اختصار الرد المبرر، الذي كان 110 صفحات، بسطر واحد هجومي وهو "اكتبوا: ليس لديكم صلاحيات". في حينه كان هناك من أقنعه بعدم تحدي القضاة، لكن الآن تظهر اقواله اشارة على انسجامه مع مساعده المخلص والغيور، ياريف لفين.
قرار حكم المحكمة بتشكيلتها الحالية، برئاسة استر حيوت، الذي رفض الالتماسات ضد قانون القومية، ذكر عشرات المرات في مناقشة ذريعة المعقولية في المحكمة العليا، أول من أمس، وهذا لم يكن صدفيا. فهناك تم زرع بذور الازمة الدستورية التي تحدث في اسرائيل في هذه الايام. في حينه قررت حيوت أن القيد الوحيد الذي يسري على الكنيست حول سن قوانين الاساس، التي تتعلق بحالات استثنائية، والتي فيها القانون "يصادر جوهر الهوية اليهودية والديمقراطية للدولة". حسب رأيهم، لا يمكن التسليم بقانون اساس يضر بمبادئ اساسية للديمقراطية مثل "الانتخابات الحرة والمساواة والاعتراف بحقوق الانسان، والفصل بين السلطات، وسلطة قانون وسلطة قضائية مستقلة".
يبدو أن تعديل قانون الاساس: القضاء، الذي أنهى ذريعة المعقولية، يلبي جميع المعايير التي وضعتها استر حيوت من اجل التدخل. هو يشبه كرة الدمدم، وهي رصاصة رأسها الحاد تم قطعه بحيث تضر بالأنسجة وبقدر كبير بالشرايين. هو يقوض فصل السلطات؛ لأنه يسلب المحكمة اداة حيوية لمحاربة الفساد في الحكومة، ويكبل أيدي القضاة ازاء افعال نتنة لرئيس الحكومة والوزراء، كل هدفها توزيع الملذات على المقربين أو تحقيق مصالح غريبة، ويمنح الحكومة التي توجد على ابواب الانتخابات افضلية مفهومة مقابل المعارضة؛ لأنه يمكنها استغلال قوتها لضمان الفوز في صناديق الاقتراع بدون الخوف من المعقولية، ويخلق فعلياً زمرة مقطوعة من اعضاء النخبة لا تسري عليها قيود القانون التي تم وضعها خلال عقود، وهو يخلق وضعاً اجتماعياً وقواعد لعب جديدة. فكلما كنت أقوى فأنت اكثر حصانة. لامس القاضي عوفر غروسكوف لب القضية عندما قال في الجلسة: "ارادت الكنيست استثناء الوزراء والحكومة من رقابة المحكمة وسلطة القانون". ويشارك حيوت مقاربتها المبدئية القاضيان المخضرمان في المحكمة العليا، نائب الرئيسة عوزي فوغلمان والرئيس المرشح اسحق عميت، الذي يعتبر السجاد الاحمر للائتلاف. "الامر الذي يقلقنا جداً هو أنه عندما يكون القاضي متساهلاً فان الحكم يكون مخففاً. أي أنه بدون مراجعة قضائية لا توجد سلطة قانون. السؤال هو كم من بين الـ 15 قاضياً سيقتنعون بأن القانون وبحق يضر بشكل كبير بأسس الديمقراطية الاسرائيلية.
اذا كان القضاة مخلصين لنهجهم فانه ستكون لدينا في هذه التشكيلة اغلبية راسخة ستلقي بتعديل قانون الاساس في سلة مهملات التاريخ. بعضهم، مثل دفنه براك – ايرز وعنات بارون وغروسكوف وخالد كبوب وروت رونين، أطلقوا في الجلسة اشارات حول مواقفهم. "لا يمكن القول بأن هناك واجب معقولية للوزراء والحكومة، ايضا لا توجد مراجعة قضائية لواجب المعقولية"، قالت بارون لممثل المستشار القانوني في الكنيست، اسحق بريت، "هذا يفرغ ذريعة المعقولية من المضمون".
إن تجند ممثل الكنيست من اجل زعران الائتلاف يبرهن على أن الانقلاب النظامي اضعف جهاز الخدمة العامة، ويعمل على تآكل وإضعاف العمود الفقري له، من بينهم المستشارة القانونية في الكنيست، سغيت اوفيك. لم يتأثر القضاة باقتراح بيرت اعطاء القانون تفسيرا مقلصا بدلا من الغائه. وعن بعض الاسئلة الصعبة التي طرحوها لم يكن لديه أي اجابات عليها. لم يزعج هذا رئيس لجنة الدستور، سمحا روتمان، ويُمدح هذا المتعاون على الأداء المتلعثم. لو أن حراس عتبة آخرين كانوا وقفوا في جبهة موحدة للدفاع كدرع واق عن القانون الفضائحي لكانت المحكمة ستجد صعوبة في التدخل فيه. غالي بهراف ميارا، التي كان تعيينها مستشارة قانونية للحكومة القرار الافضل الذي اتخذه جدعون ساعر، منعت التدهور نحو الهاوية.
أظهر القضاة، في معظمهم، أول من أمس، اليقظة والنشاط. قام الليبراليون بتحدي ممثلي الحكومة والكنيست. وقام المحافظون بتحدي ممثلي المستشارة القانونية والملتمسين. من قللوا تدخلهم هم دافيد مينتس ويوسف الرون. الاول هو معارض قوي لتدخل المحكمة في قوانين الاساس، والثاني تحول كما يبدو الى أسير في يد الائتلاف منذ اعلن بأنه سيتنافس على منصب رئاسة المحكمة. ايضا غيلا كنفيه – شتاينيتس لم تنبس ببنت شفة. القاضية ياعيل فلنر والقاضي يحيئيل كيشر ظهر أنهما متذبذبان، يعارضان مضمون التعديل، ويسيران على أطراف الأصابع فيما يتعلق بالتدخل في قوانين الأساس.
محافظان بارزان، القاضي نوع سولبرغ والقاضي اليكس شتاين، حاولا مرة تلو الاخرى فهم اذا كانت نية المشرع هي اعادة ذريعة المعقولية الى مكانتها السابقة في فترة ما قبل اهارون براك أو الغاؤها بالكامل. الاقوال الوقحة التي قالها روتمان، الذي اوضح بأنه من المرجح أن يتم حذف كلمة "معقولية" من قاموس القضاة، يجب أن تقنع القضاة المحافظين والمعتدلين بانهاء هذه الآفة.
ممثل الحكومة، المحامي الخاص ايلان بومباخ، عرض ادعاء غريبا، ونفى أن وثيقة الاستقلال هي المصدر الذي تأخذ منه المحكمة الصلاحيات في الدفاع عن أسس الديمقراطية وكبح الحكومة، ايضا بوساطة الغاء القوانين. في الوقت الذي تحدى فيه بعض القضاة بومباخ هب سولبرغ لمساعدته عندما اقتبس دافيد بن غوريون، الذي أعلن في جلسة للكنيست في العام 1950 بأن المحكمة غير مخولة بالغاء أي قانون في أي حالة، "لم يكن يخطر ببال بن غوريون أنه بقوة اعلان الاستقلال توجد صلاحية لالغاء قوانين"، قال القاضي بانفعال، "نحن لن نعيد كتابة التاريخ".
من يؤيدون الانقلاب يكثرون، مؤخراً، الاقتباس من اقوال رئيس الحكومة الاول في اطار الحملة التي أدارها ضد وضع الدستور. ولكن كان من الطبيعي أن تذكر في جلسة أول من أمس، التي عادت ونقبت في تاريخ الديمقراطية الاسرائيلية القصير. "اعتقدت بحسن نية أن وثيقة الحرية وسلطات الشعب اليهودي أُعطيت له في 14 أيار 1948، عند اقامة الدولة".
لم يقتبس سولبرغ أي اقوال أُخرى قالها في حينه رئيس الحكومة، تتساوق مع الغاء ذريعة المعقولية: "فقط في الدولة التي لا يوجد فيها تعسف، سواء للوزراء أو الزعماء أو ممثلي الشعب وموظفي الدولة أو اشخاص أو سياسيين، يتم ضمان حرية الفرد والمجموع، الانسان والشعب. الدولة التي لا يوجد فيها سيادة للقانون لا توجد فيها حرية". لم يؤمن بن غوريون بالتأكيد بأنه سيأتي يوم ويتم فيه في اسرائيل تشكيل حكومة تعمل كمنظمة جريمة. مع ذلك حذر: "أنا غير متفائل من أنه لم يعد هناك أي خطر يهدد الديمقراطية في دولة اسرائيل، وأن اغتيال السيادة الديمقراطية للشعب قد مضى زمنها ولن يعود".
من غير المستبعد أنه في الاسابيع القريبة القادمة التي سيصدر فيها القضاة قرارهم ستبرز انباء عن مناورة لاذعة من ناحية نتنياهو على شكل "تخفيف" احادي الجانب لقانون المعقولية. يمكن أن يكون هذا احدى الصيغ من انتاج رجال قانون تشخص عيونهم وهواة الاستوديوهات. سيجعل هذا "التخفيف" كما يبدو الالتماسات غير ذات صلة، وسيحرم حيوت والقاضية بارون، اللتين ستقدمان استقالتهما في القريب، من مناقشتها. هناك شك في أن رئيس الحكومة معني بتأجيل مؤقت للتشريع، الامر الذي سيرضي الرئيس الاميركي، جو بايدن، ويمهد الطريق امام التطبيع مع السعودية. عندها سيعود الى نقطة الانطلاق، وسيستأنف الجهود للنجاة من المحاكمة وارضاء الشركاء الفاشيين والكهانيين، حيث ستكون امامه تشكيلة مريحة اكثر للمحكمة.
الاشخاص الذين شاركوا في النقاشات التي شارك فيها نتنياهو، مؤخرا، قاموا بوصفه كشخص قلق جدا، متوتر، ويميل الى الانفجار من الغضب. أول من أمس في المقابل، في وقت انعقاد المحكمة العليا عقد رئيس الحكومة الكابنت في محاولة للقول بأن الامور على ما يرام. وعندما قام الوزراء بالاحتجاج على المعاملة "الضعيفة" لسلطات انفاذ القانون مع الاحتجاج ضدهم، فقد مرة اخرى الهدوء.
"عندما أكون في حرب، أقوم بشراء الوقت"، شرح نتنياهو اسلوب عمله للمحققين معه في الملف 2000. "الآن يجب عليّ التفكير. أعرف بأنني ذاهب الى معركة، ولذلك يجب أن اقوم بتخطيط هذه المعركة". هذه المعركة فقط بدأت. "الديمقراطية لا تموت بسبب عدة ضربات قوية"، قال القاضي عميت، أول من أمس. "الديمقراطية تموت بسبب عدة خطوات صغيرة".

عن "هآرتس"