تهديدات رئيس "الموساد"، دافيد برنياع، الموجّهة ضد إيران ليست جديدة. إنها تهديدات مبالَغ فيها، وعلى الرغم من أنه لم يقُل هذا بوضوح، فإنها تشير إلى إحباط أحد المسؤولين الكبار في المنظومة الأمنية ممّا تقوم به الحكومة ورئيسها.
تحدّث برنياع خلال مؤتمر "معهد الدراسات ضد الإرهاب" في جامعة "رايخمان" في هرتسليا. وهو مؤتمر تحوّل إلى سنوي، ويشارك فيه كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية ووزراء في الحكومة.
قال برنياع: إن جهازه قام في سنة 2023 بإحباط 27 محاولة من إيران وأذرعها لإلحاق ضرر بأهداف إسرائيلية وأُخرى يهودية خارج البلد. وحذّر من أن إسرائيل لن تتردد في العمل ضد المسؤولين، مضيفاً: "إن أي ضرر سيلحق بإسرائيل أو أي يهودي بأي طريقة كانت، وأشدّد على عبارة بأي طريقة كانت، عبر ذراع إيرانية، سيؤدي ذلك إلى عمليات ضد الإيرانيين الذين أرسلوا الإرهابيين، وأيضاً ضد متّخذي القرار: من المستوى العملياتي حتى الضباط الذين صادقوا على العملية. وأنا أعني ما أقول. هذه الأثمان ستُدفع في عمق إيران، وفي قلب طهران". وبعدها، شدّد برنياع على أن عمليات كهذه التي تقوم بها إيران تكون بمصادقة المستويات العليا، بما معناه القائد الأعلى خامنئي، وهي رموز يمكن تفسيرها بأنها تهديد لحياة القائد الأعلى.
كان من الأفضل لو لم يدلِ برنياع بهذه الأقوال، وذلك لثلاثة أسباب: الأول هو أن تهديدات رئيس "الموساد"، أو أي إسرائيلي آخر، تجرّ بعدها مباشرة ردات فعل وتهديدات من إيران، ويمكن أن يدفع التراشق الكلامي إلى ردات حادة في الأفعال ذاتها؛ أمّا السبب الثاني فهو أن تهديدات المسؤولين الإسرائيليين الكبار لا تؤثر بصورة خاصة في القيادات الإيرانية، لكن ما يؤثر فيها فعلاً، ويُدخلها في حالة جنون وإحباط، العمليات السرية الميدانية، كإحباط خطط لإلحاق الضرر بإسرائيليين، وهي خطط كثرت خلال العام الماضي في العالم، وعمليات تخريبية تُنسب إلى "الموساد" ضد المواقع النووية والصواريخ في إيران. السبب الثالث هو أنه لا يوجد داعٍ للأقوال، فإيران والعالم برمّته يعترفان بقدرات الاستخبارات الإسرائيلية. وأثبت "الموساد"، المرة تلو الأُخرى، أن منظومات الأمن والاستخبارات الإيرانية، كالحرس الثوري والاستخبارات وفيلق القدس، يمكن اختراقها. وبحسب مصادر إعلامية، عمل "الموساد" خلال الأعوام الأخيرة، تقريباً من دون إزعاج، على الأراضي الإيرانية خلال عمليات الاغتيال والتخريب والخطف والتحقيق مع المختطفين.
ما كان مهماً فعلاً في أقوال برنياع، ولم يحصل على انتباه كافٍ للأسف، هو شرحه لأسباب تعزُّز ثقة إيران بنفسها، ولماذا تتجرأ أكثر في محاولاتها إلحاق الضرر بأهداف إسرائيلية ويهودية، وهو ما عزّز نقل الأسلحة والأدوات القتالية منها إلى "حزب الله" في لبنان، وإلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية.
هناك عدة أسباب لذلك، لم يذكر منها برنياع سوى سبب واحد: التعاون المتصاعد بين روسيا وإيران التي تمنح نظام الرئيس فلاديمير بوتين مسيّرات، وتقيم من أجل ذلك مصانع محلية لتصنيعها، وتدرّب الطواقم. أملت روسيا ببيع إيران أيضاً صواريخ بعيدة المدى، لكن بحسب برنياع، فإن هذه المحاولة أُحبطت. ولم يشرح كيف تم ذلك.
تأمل طهران بالحصول على مقابل من موسكو. وشدد برنياع على ذلك، قائلاً: "إن التخوّف هو أن يمنح الروس الإيرانيين ما ينقصهم: أدوات قتالية متطورة، من المؤكد أنها ستهدد سلامتنا." وبعدها، تحدّث برنياع عن الخطر الوجودي الذي يهدد إسرائيل بسبب ذلك. يمكن أن يكون قد رمَز إلى احتمال أن تزوّد روسيا إيران بمعدات لمشروعها النووي.
إن قدرة تأثير "الموساد" في التعاون الإستراتيجي بين روسيا وإيران محدودة. وحتى هذا القليل أيضاً لحِق به الضرر بسبب السياسة الأحادية لحكومة إسرائيل التي تدعم روسيا وتتخلى عن أوكرانيا في الحرب بين الدولتين. إن موقفاً متوازناً أكثر لإسرائيل كان يمكن أن يقلل من الاندفاع الروسي لمساعدة إيران.
لكنّ السببين الأهم للجرأة الإيرانية، واللذين امتنع برنياع عن ذكرهما، هما: خطوات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي تُضعف المجتمع في إسرائيل، وتدفع إيران وبقية أعداء إسرائيل إلى الشعور بأن هذه الأخيرة تتفكك من الداخل، والثاني أيضاً ينبع من خطوات حكومة نتنياهو، وهو التراجع في العلاقات مع الولايات المتحدة بصورة خاصة، ومع العالم الديمقراطي الليبرالي الغربي عموماً.
يعلم برنياع، كغيره من رؤساء الأجهزة الأمنية، جيداً أن هذين السببين هما اللذان يؤججان وقاحة إيران وجرأتها وثقتها بنفسها. وبكلمات أُخرى، إسرائيل بقيادة نتنياهو تشكل تهديداً وجودياً على نفسها أكثر بكثير مما تقوم به إيران بقيادة خامنئي. وهذا ما لا يستطيع برنياع قوله لأنه موظف ومؤسساتي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يستطيع أن يكون هجومياً أكثر، عبر الرموز، ويجب عليه، هو ورؤساء الأجهزة الأمنية، التوضيح لنتنياهو مصادر الخطر التي تواجهها إسرائيل فعلاً. فتهديد إيران لن يغيّر شيئاً من هذا الواقع.
عن "هآرتس"
هارتس : على نتنياهو الاستقالة فوراً
11 أكتوبر 2023