معاريف : بن غفير وسموتريتش يحاولان تغيير رؤية إسرائيل الأمنية في الضفة الغربية

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: طال ليف رام

 

 


يطالب الوزيران، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بترجمة قوتهما السياسية إلى تغيير في الرؤية الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلى درجة أكبر من التغييرات القضائية، فالفجوات التي لا يمكن جَسرها في المواقف الأمنية ستستمر وقتاً طويلاً في زعزعة استقرار الحكومة التي تواجه صعوبة في صوغ خط سياسي - أمني واضح من دون الدخول في مواجهة داخلية صارخة بين أعضائها.
حدث هذا مرة بسبب قضية الأسرى الأمنيين التي أثارها بن غفير، وحدث مرة أُخرى بسبب تمرير 9 مركبات مصفّحة ضد الرصاص للأجهزة الأمنية الفلسطينية، زودتها بها الولايات المتحدة.
ثمة طرف في الحكومة الإسرائيلية الحالية يطالب بالبراغماتية وخطوات بناء الثقة إزاء السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يضغط الأميركيون في هذا الاتجاه، وثمة طرف آخر يريد أن يتم تعريف السلطة بأنها منظمة "إرهابية"، وتفكيك سلاحها. في ظل هذا الواقع، سيكون من الصعب، وحتى من المستحيل، صوغ سلوك سياسي وأمني منظّم لوقت طويل.
ولتفكيك اللغم السياسي الأخير، كان يتوجب على رئيس الحكومة نشر فيديو ينكر فيه ما نُشر في الإعلام، وبحسبه، بالإضافة إلى المركبات المصفّحة، فإن أخبار تمرير أسلحة هي أخبار غير دقيقة.
إن ردّ رئيس الحكومة السريع، هذه المرة، وهو الذي وقّع سابقاً اتفاق تمرير أسلحة وكميات أكبر منها إلى الفلسطينيين، يشير أكثر من أي شيء آخر إلى أن القضية بالأساس حساسة سياسياً.
يرى الطرف البراغماتي في الحكومة، كالحكومات السابقة، أن السلطة الفلسطينية هي الأفضل من بين البدائل الموجودة. وبحسب هذه الرؤية، ومن أجل المصالح الإسرائيلية، يجب تقوية السلطة وأجهزة الأمن الفلسطينية في إطار الرؤية إزاء عدو مركزي مشترك على شاكلة "حماس"، والتخوف من سيطرتها على المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة، كما جرى في قطاع غزة. بما معناه، يقول الواقع إنه في حال انهارت السلطة ستجد إسرائيل نفسها غارقة في تصعيد أمني خطِر حتى رقبتها، وفي التعامل المباشر مع ملايين الفلسطينيين.
إذا تحقُّق هذا السيناريو، في نظر إسرائيل، ستكون "حماس" التي تريد الفوضى الميدانية هي الرابح الأكبر. والأخطر من ذلك، سيكون الربح الأكبر لإيران و"حزب الله،" إذ ستحوّل إسرائيل تركيزها ومواردها إلى ما يحدث في الضفة، وتكون تحت ضغوط دولية لا تتوقف. وفي هذا السياق، لا يوجد فرق بين جميع حكومات إسرائيل السابقة، والتي كان بنيامين نتنياهو يترأس أغلبيتها.
من دون أفق سياسي، وإزاء وضع يواجه فيه الأميركيون صعوبات في رؤية حل سياسي، وفي إطار ما يسمى إدارة الصراع، فإن بقايا العلاقات ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تستند بالأساس إلى التنسيق الأمني. وفي هذا السياق، فإن رئيس الحكومة ووزير الدفاع يتبنيان الموقف التقليدي للمنظومة الأمنية، بأن لإسرائيل مصلحة في تقوية مكانة السلطة الفلسطينية.
حتى لو ادّعى المستوى السياسي أن المصادقة على تمرير المركبات الـ9 المصفّحة ضد الرصاص، التي زودت الولايات المتحدة السلطة بها، هي تطبيق لاتفاق قديم من أيام الحكومة السابقة، فهناك مَن يوضح في أجهزة الأمن أن هذه المركبات هي مصلحة أمنية لإسرائيل، بعد أن التزمت السلطة أمام الأميركيين أنها ستعمل أكثر في مجال محاربة "التنظيمات الإرهابية" التي تقوم، عملياً، بزعزعة الاستقرار الأمني في الميدان. لذلك، في الحوارات المغلقة خلف الكواليس، وفي المحادثات التي تجري بين أضلاع مثلث الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين، يدّعي الفلسطينيون أنهم بحاجة إلى تعزيز قدراتهم للعمل داخل المخيمات. إذاً، المركبات المصفّحة هي فقط جزء من قائمة أطول، السلطة معنية بها. والأميركيون مستعدون لمنحهم أكثر، في الوقت الذي لا تصادق إسرائيل كثيراً على هذا الدعم الأميركي، لكن في الحقيقة، لا جديد تحت الشمس. هكذا تعمل المنظومة - الأميركيون يقومون بالتدريب وتوفير المعدات وتسليح الوحدات الفلسطينية.
يمكن القول إن الوزيرين بن غفير وسموتريتش يعلمان هذا جيداً أيضاً، وأن السلاح العسكري الجيد لا يصل بالتهريب عبر الحدود الأردنية. ما تغيّر هذه المرة معادلات الضغط السياسي على استقرار الحكومة في القضايا الأمنية أيضاً، من طرف الشركاء من اليمين. في هذه المجالات، الانضباط الائتلافي غير موجود تقريباً. ما يقال داخل المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية - والسياسية يتم تسريبه إلى الإعلام بشكل غير مسبوق، حتى مقارنةً بالأعوام الماضية التي لم يكن فيها التزام، وهو ما يحدث بدوافع سياسية عابرة.
حتى هذه الأزمة الأخيرة، كان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، هو الذي تصرّف تقريباً بعكس كل الحكومة حيال قضية الأسرى الأمنيين. وكالمرات السابقة، بقي بن غفير بالأساس مع هواء فارغ وجولات علاقات عامة، لكن يوجد شقّ إضافي صُنع داخل الحكومة، وكان مفيداً لقيادات الأسرى الذين نجحوا في إيجاد حالة فوضى داخل الحكومة، من دون قيامهم بأي خطوة. على عكس بن غفير، استطاع وزير المال والوزير في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش، ترجمة قوته السياسية في الحكومة الحالية إلى تغييرات جدية عملية إزاء كل ما يخص الإدارة المدنية والبناء والرقابة في الضفة الغربية. سابقاً أيضاً كان هناك وزراء من اليمين تحدّوا رئيس الحكومة، لكن هذا لم يؤثر في سياسة الحكومة، وبصورة عامة كان في استطاعة الخط البراغماتي تليين مَن يتمسك بمواقف مختلفة، كوزير الدفاع السابق، نفتالي بينت.
يجب القول إن سموتريتش يلتزم بطريقه السياسي. لقد قام ببناء الاتفاقيات الائتلافية بذكاء كبير. وعبر القبعة المضاعفة التي يلبسها، كوزير للمال ووزير في وزارة الدفاع، قام ببناء منظومة متماسكة لتحقيق رؤية قائلة إنه يستطيع هذه المرة إزاحة الحكومة يميناً.
هذا هو المختلف عن حكومات نتنياهو السابقة جميعها. إلا إن هذه المصالح، التي تريد الدفع بقضية الضفة الغربية إلى رأس سلّم الأولويات، إلى جانب الصراع مع السلطة الفلسطينية، تتعارض بصورة واضحة مع مصالح أُخرى لإسرائيل في مقابل الأميركيين، والرغبة في الدفع قدماً باتفاق مع السعودية، وبالتركيز الأمني على المعركة ضد إيران. في واقع الأزمة الداخلية العميقة في إسرائيل بسبب الإصلاحات القضائية وموجة "الإرهاب" المتصاعدة، فإن الفجوات العميقة داخل الحكومة تضر بأدائها الدائم، حتى في المجالين الأمني والسياسي. ولذا، من الصعب تخيُّل كيف سيكون اتفاق التطبيع مع السعودية ممكناً.


عن "معاريف"