ليس علينا أن نتعجب أو ننصدم من فوز بنيامين نتنياهو وحزبه «الليكود» في الانتخابات التي جرت الثلاثاء الماضي، بالرغم من أن استطلاعات الرأي استبقت نتائج الانتخابات وأفصحت عن تقدم للمعسكر الصهيوني بزعامة اسحق هرتسوغ على «الليكود».
وليس علينا أيضاً أن نفكر في تغيير مواقفنا وسياستنا في كيفية التعامل مع شخص مثل نتنياهو، الذي يرفض السلام جملةً وتفصيلاً ويتمسك بتضخيم المسألة الأمنية، والتأكيد على يهودية الدولة، حتى يقضي تماماً على أي مفاوضات ثنائية أو جماعية أو برعاية أي طرف حتى لو كان أميركياً.
قبل أيام قليلة على الانتخابات الإسرائيلية، خرج نتنياهو إلى أنصاره حتى يحدث انقلاباً في مسار التصويت الانتخابي، حيث قال الكثير من الكلام الذي يؤمن به، وكان يوظفه في سياسته وحكومته، ولم يكن هناك من جديد في تصريحاته، باستثناء استخدام أسلوبه المعهود في التخويف والتحذير من سقوط «الليكود» وعودة اليسار إلى الحكم والتورط في الوضع الأمني على الخصوص.
نتنياهو تعهد لأنصاره بعدم التفاوض حول مستقبل الدولة الفلسطينية، أي أنه ألغى فكرة حل الدولتين، وتعهد أيضاً باستكمال الاستيطان، وهذه التصريحات كانت وظلت جوهر سياسة حكومته، حين أفشل المفاوضات مع الطرف الفلسطيني بوساطة الولايات المتحدة، وحين ظل يؤكد على ضرورة استمرار الاستيطان في الضفة الغربية.
التحول الذي جرى ليس في سياسة حزب «الليكود»، إنما في مزاج الرأي العام الذي ينظر بعين السلبية والتطرف إلى الطرف الفلسطيني، ولا يريد قيام دولة تجاوره في الحدود والجغرافيا، وهو مستعد للتصويت لصالح طمس القضية الفلسطينية بأكملها.
إن فكرة حصول المعسكر الصهيوني بزعامة هرتسوغ وتسيبي ليفني على حوالي 24 مقعداً في الكنيست، ليست من قبيل أن أنصار هذا التجمع يؤمنون بالأيديولوجية التي قام عليها ويسترشد بها المعسكر الصهيوني، بقدر ما أن الموضوع يتصل بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
المعسكر الصهيوني ظل ينتقد في الأساس سياسة نتنياهو الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الفقر في إسرائيل إلى جانب الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء، وتهميش الطبقات المتوسطة، على حساب تضخيم الفاتورة الأمنية.
على هذا الأساس استفاد المعسكر الصهيوني من المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات، أما فيما يتعلق بالسياسة، فهي شبه متقاربة بينه وبين «الليكود»، اللهم إلا أن الأخير يميل أكثر إلى جانب التطرف، بينما تعكس آراء هرتسوغ وليفني موقفاً سلبياً هو الآخر من الطرف الفلسطيني.
المهم أن نتنياهو سيعود إلى السلطة من جديد، ويخطئ من يعتقد أن تصريحات الرجل بشأن مواصلة الاستيطان ومنع قيام الدولة الفلسطينية بمثابة طوق نجاة له، أو «بروباغندا» يستهدف منها استثمار الأجواء لميل كفة التصويت لصالحه.
من أجل تثبيت سياسته، استعدى نتنياهو المجتمع الدولي برمته، حتى أنه استعدى الولايات المتحدة، ودخل في علاقات متوترة مع مختلف أركان الإدارة الأميركية، ومع ذلك ظل حريصاً على مواقفه بشأن الصراع الفلسطيني، بل أنتج مشكلة قديمة جديدة تتصل بالبرنامج النووي الإيراني.
كل ذلك ربما يقدم إجابة على أن نتنياهو لن يتغير ويحيد عن مواقفه، خصوصاً وأن شريحة معقولة من الرأي العام الإسرائيلي تناصره، ونجاحه في الانتخابات تأكيد على القبول والانتصار لسياساته، حتى فيما يتعلق بخلافه مع البيت الأبيض.
بكل دهاء ومكر شديدين، تمكن نتنياهو تجنب الوقوع في منزلقات خطيرة كادت تودي بإنهاء حياته السياسية، فهو أولاً دخل في مفاوضات مع الطرف الفلسطيني، أفشلها و»على عينك يا تاجر»، ولم يستجب لأي ضغط أميركي يتصل بتجميد الاستيطان، وثانياً زاد على ذلك بأن شن عدواناً قاسياً على قطاع غزة صيف العام الماضي.
نعم أفشل المفاوضات وكثف الاستيطان وبنى دويلات في الضفة الغربية وخصص أموالاً طائلة لها، على حساب الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وتعارك مع واشنطن على أكثر من ملف، ومع ذلك استطاع البقاء في السلطة ومن موقع القوي.
حتى أن عدوانه الدموي على قطاع غزة، و»البهدلة» التي مُني بها احتلاله هناك، نتيجةً لصمود المقاومة الفلسطينية وعدم توقف إطلاق القذائف على جنوب إسرائيل وفي عمق تل أبيب، كل هذا لم يؤد إلى سقوط نتنياهو، بل على العكس استثمر انقسام الفصائل الفلسطينية فيما بينها، والعلاقة المرتبكة بين بعضها مع الشقيقة مصر، وأفلت من كل الالتزامات والمسؤوليات المطلوبة منه.
لقد أفلح نتنياهو في تحضير المجتمع الإسرائيلي للذهاب نحو التطرف، وتحصن بهذا المجتمع واستمد قوته منه، ومن غير المستبعد أن يستطيع في الأسابيع المقبلة تشكيل حكومة ائتلافية من أحزاب يمينية متطرفة، تشاطره نفس المواقف المستعدية للقضية الفلسطينية.
قريباً سنكون أمام نفس السياسة والمسار هو بعينه الذي سيسلكه نتنياهو كما كان يرسم سياسته في السابق، اللهم إلا أنه قد يضطر في المستقبل للدخول في مفاوضات شكلية إن وُجدت، يكون فيها وبدونها قد استعجل حذف الضفة من خريطة الجغرافيا والتاريخ، ومنع بالفعل من قيام دولة فلسطينية حية ونابضة.
وسيجد دائماً قضايا كثيرة يراوغ بالاستناد إليها، مثل لا يوجد شريك فلسطيني جدي، والتطرف الإسلامي على أبوابنا، وضرورة الموافقة الفلسطينية على يهودية الدولة، والانقسام الفلسطيني... إلخ، وحتماً هناك من سيصفق ويصفر له.
العبرة من الانتخابات الإسرائيلية، أن يستهدي أصحاب الانقسام الفلسطيني بالله، ولا يزيدوا «الطين بلة» باختلاق أزمات تكبّر من الهم الوطني، خصوصاً وأننا أمام مرحلة متوالية من التطرف الإسرائيلي الذي لا يهمه سوى مصلحة إسرائيل والموت لفلسطين.
ما فعلته السلطة الفلسطينية في المضي قدماً إلى المحافل الدولية ومختلف هيئاتها ومجالسها، يعتبر الرد الصحيح والطبيعي على دولة عنصرية لا تؤمن بالسلام أبداً، وينبغي استكمال هذا النضال بالطريقة الجماعية وبالاستناد إلى مرجعية صحيحة ومتينة وليست «إسفنجية» ومتآكلة.
لقد بدأ الناس يملون من بعض الفصائل ويكرهونها، لأنها أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على القضية الفلسطينية، بدلاً من أن تتقدم الصفوف وتتحمل المسؤولية الوطنية بكل أمانة، وإذا كان في إسرائيل تحالف بين «الشياطين» لقيادة الدولة، دعونا في فلسطين نشكل أي تحالف كان للخروج من عنق الزجاجة.
وليس علينا أيضاً أن نفكر في تغيير مواقفنا وسياستنا في كيفية التعامل مع شخص مثل نتنياهو، الذي يرفض السلام جملةً وتفصيلاً ويتمسك بتضخيم المسألة الأمنية، والتأكيد على يهودية الدولة، حتى يقضي تماماً على أي مفاوضات ثنائية أو جماعية أو برعاية أي طرف حتى لو كان أميركياً.
قبل أيام قليلة على الانتخابات الإسرائيلية، خرج نتنياهو إلى أنصاره حتى يحدث انقلاباً في مسار التصويت الانتخابي، حيث قال الكثير من الكلام الذي يؤمن به، وكان يوظفه في سياسته وحكومته، ولم يكن هناك من جديد في تصريحاته، باستثناء استخدام أسلوبه المعهود في التخويف والتحذير من سقوط «الليكود» وعودة اليسار إلى الحكم والتورط في الوضع الأمني على الخصوص.
نتنياهو تعهد لأنصاره بعدم التفاوض حول مستقبل الدولة الفلسطينية، أي أنه ألغى فكرة حل الدولتين، وتعهد أيضاً باستكمال الاستيطان، وهذه التصريحات كانت وظلت جوهر سياسة حكومته، حين أفشل المفاوضات مع الطرف الفلسطيني بوساطة الولايات المتحدة، وحين ظل يؤكد على ضرورة استمرار الاستيطان في الضفة الغربية.
التحول الذي جرى ليس في سياسة حزب «الليكود»، إنما في مزاج الرأي العام الذي ينظر بعين السلبية والتطرف إلى الطرف الفلسطيني، ولا يريد قيام دولة تجاوره في الحدود والجغرافيا، وهو مستعد للتصويت لصالح طمس القضية الفلسطينية بأكملها.
إن فكرة حصول المعسكر الصهيوني بزعامة هرتسوغ وتسيبي ليفني على حوالي 24 مقعداً في الكنيست، ليست من قبيل أن أنصار هذا التجمع يؤمنون بالأيديولوجية التي قام عليها ويسترشد بها المعسكر الصهيوني، بقدر ما أن الموضوع يتصل بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
المعسكر الصهيوني ظل ينتقد في الأساس سياسة نتنياهو الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الفقر في إسرائيل إلى جانب الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء، وتهميش الطبقات المتوسطة، على حساب تضخيم الفاتورة الأمنية.
على هذا الأساس استفاد المعسكر الصهيوني من المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات، أما فيما يتعلق بالسياسة، فهي شبه متقاربة بينه وبين «الليكود»، اللهم إلا أن الأخير يميل أكثر إلى جانب التطرف، بينما تعكس آراء هرتسوغ وليفني موقفاً سلبياً هو الآخر من الطرف الفلسطيني.
المهم أن نتنياهو سيعود إلى السلطة من جديد، ويخطئ من يعتقد أن تصريحات الرجل بشأن مواصلة الاستيطان ومنع قيام الدولة الفلسطينية بمثابة طوق نجاة له، أو «بروباغندا» يستهدف منها استثمار الأجواء لميل كفة التصويت لصالحه.
من أجل تثبيت سياسته، استعدى نتنياهو المجتمع الدولي برمته، حتى أنه استعدى الولايات المتحدة، ودخل في علاقات متوترة مع مختلف أركان الإدارة الأميركية، ومع ذلك ظل حريصاً على مواقفه بشأن الصراع الفلسطيني، بل أنتج مشكلة قديمة جديدة تتصل بالبرنامج النووي الإيراني.
كل ذلك ربما يقدم إجابة على أن نتنياهو لن يتغير ويحيد عن مواقفه، خصوصاً وأن شريحة معقولة من الرأي العام الإسرائيلي تناصره، ونجاحه في الانتخابات تأكيد على القبول والانتصار لسياساته، حتى فيما يتعلق بخلافه مع البيت الأبيض.
بكل دهاء ومكر شديدين، تمكن نتنياهو تجنب الوقوع في منزلقات خطيرة كادت تودي بإنهاء حياته السياسية، فهو أولاً دخل في مفاوضات مع الطرف الفلسطيني، أفشلها و»على عينك يا تاجر»، ولم يستجب لأي ضغط أميركي يتصل بتجميد الاستيطان، وثانياً زاد على ذلك بأن شن عدواناً قاسياً على قطاع غزة صيف العام الماضي.
نعم أفشل المفاوضات وكثف الاستيطان وبنى دويلات في الضفة الغربية وخصص أموالاً طائلة لها، على حساب الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وتعارك مع واشنطن على أكثر من ملف، ومع ذلك استطاع البقاء في السلطة ومن موقع القوي.
حتى أن عدوانه الدموي على قطاع غزة، و»البهدلة» التي مُني بها احتلاله هناك، نتيجةً لصمود المقاومة الفلسطينية وعدم توقف إطلاق القذائف على جنوب إسرائيل وفي عمق تل أبيب، كل هذا لم يؤد إلى سقوط نتنياهو، بل على العكس استثمر انقسام الفصائل الفلسطينية فيما بينها، والعلاقة المرتبكة بين بعضها مع الشقيقة مصر، وأفلت من كل الالتزامات والمسؤوليات المطلوبة منه.
لقد أفلح نتنياهو في تحضير المجتمع الإسرائيلي للذهاب نحو التطرف، وتحصن بهذا المجتمع واستمد قوته منه، ومن غير المستبعد أن يستطيع في الأسابيع المقبلة تشكيل حكومة ائتلافية من أحزاب يمينية متطرفة، تشاطره نفس المواقف المستعدية للقضية الفلسطينية.
قريباً سنكون أمام نفس السياسة والمسار هو بعينه الذي سيسلكه نتنياهو كما كان يرسم سياسته في السابق، اللهم إلا أنه قد يضطر في المستقبل للدخول في مفاوضات شكلية إن وُجدت، يكون فيها وبدونها قد استعجل حذف الضفة من خريطة الجغرافيا والتاريخ، ومنع بالفعل من قيام دولة فلسطينية حية ونابضة.
وسيجد دائماً قضايا كثيرة يراوغ بالاستناد إليها، مثل لا يوجد شريك فلسطيني جدي، والتطرف الإسلامي على أبوابنا، وضرورة الموافقة الفلسطينية على يهودية الدولة، والانقسام الفلسطيني... إلخ، وحتماً هناك من سيصفق ويصفر له.
العبرة من الانتخابات الإسرائيلية، أن يستهدي أصحاب الانقسام الفلسطيني بالله، ولا يزيدوا «الطين بلة» باختلاق أزمات تكبّر من الهم الوطني، خصوصاً وأننا أمام مرحلة متوالية من التطرف الإسرائيلي الذي لا يهمه سوى مصلحة إسرائيل والموت لفلسطين.
ما فعلته السلطة الفلسطينية في المضي قدماً إلى المحافل الدولية ومختلف هيئاتها ومجالسها، يعتبر الرد الصحيح والطبيعي على دولة عنصرية لا تؤمن بالسلام أبداً، وينبغي استكمال هذا النضال بالطريقة الجماعية وبالاستناد إلى مرجعية صحيحة ومتينة وليست «إسفنجية» ومتآكلة.
لقد بدأ الناس يملون من بعض الفصائل ويكرهونها، لأنها أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على القضية الفلسطينية، بدلاً من أن تتقدم الصفوف وتتحمل المسؤولية الوطنية بكل أمانة، وإذا كان في إسرائيل تحالف بين «الشياطين» لقيادة الدولة، دعونا في فلسطين نشكل أي تحالف كان للخروج من عنق الزجاجة.