توطئة: المقصود بالذات، الذات الجمعية ذلك ان طاقات الشعب لا تنضب، يذهب جيل ويحل جيل، تتبدل خارطة سياسية وتتوالد خارطة سياسية، يذوي وعي وينبثق وعي، تغادر زعامات وقيادات( الزعامة تلتف حولها الجماهير، اما القيادة فهي تقود الحركات المنظمه) جاء في مؤلف” السيكولوجية الاجتماعية”..... ولكن الشعب باقٍ ومقومات وجوده باقيه.
قال الراحل ابو عمار في السبعينات للرئيس السوفياتي الاسبق برجينيف: اننا شعب صغير مجرد ثلاثة ملايين…. رد عليه: انتم 273 مليون فالاتحاد السوفياتي معكم) وهذه الثلاثة ملايين ، اضحت اليوم بعد نصف قرن 15 مليونا، انتقلوا من تركيب ما قبل النكبة والتطهير العرقي عام 48( 10% بدو و70% فلاحين و 20% يقيمون في المدينة) دون ملامح طبقية واضحة( وجود الطبقة يشترط التضامن) ولهذا انشأ ماركس( الطبقة في ذاتها والطبقة لذاتها) واضاف لينين ( ان الطليعة الثورية تنقل الطبقة العاملة من طبقة في ذاتها الى طبقة لذاتها تحمل فكرا ثوريا وتخوض الصراع النقابي والسياسي).
و اليوم طبقاتنا الاجتماعية قطعت شوطاً في طريق تبلورها وما اضيف اليها هو الطبقة او الفئات الوسطى من خريجي الجامعات الذين يصلون المليون في الوطن والشتات، دون نسيان ان الفلاح تعرض للاقتلاع وتقلص وجوده الاجتماعي بعد سرقه وسيله انتاجه (الارض والماء ) واتسعت قاعده العمال سواء العاملين في الاقتصاد الوطني او العربي او العالمي او في الاقتصاد الكولونيالي وهم لا يقلون عن 400 الف في الاقتصاد الوطني ومثلهم واكثر في الاقتصاد الكولونيالي على ضفتي الوطن المحتل 67 و 48 .
الشعب، ومهما امعنت السياسات الاستعمارية والرجعية والامبريالية في تجزئته ومهما استشرت انقساماته الداخلية السياسية والايديولوجية والطبقية ودنياميات اوسلو التفكيكيه، ثمة رابط لا يمكن فصمه هي هويته الوطنية واحلامه بالحرية والعودة…. ولهذا نهضت قاعه بقضها وقضيضها في تصفيق مدوٍ في حفل فني ملتزم شارك فيه كل الناس من كل الطبقات والايديولوجيات والاجيال ما ان سمعت كلمه فلسطين او شهيد او اسير وشئ مشابه في تابين اللواء أبو بكر رئيس هيئة الاسرى …. فضلا عن احتشاد الجماهير في جنازات الشهداء وبيوت العزاء…. اما الاضراب العام فالشعب باسره ينخرط فيه…. فالوطنية الفلسطينية عميقة، اما الاحباط والانكفاء فينشئان عن التباس الاهداف والاستياء من القيادات السياسية التي تتقن الخلاف دون البحث عن القواسم المشتركه، وما اكثرها.
“ انني منحاز للفقراء فهم الذين يموتون ويعتقلون” ناجي العلي، وهم كذلك، ففي استبيان اعددته في السجن عام 2012 على عينة مكونة من 100 تبين ان واحد فقط من اصول برجوازيه و40% ينتمون للطبقه الوسطى من الدارسين او خريجي الجامعات الاغلبية الساحقة منهم ينحدرون من عوائل كادحه وما عدا ذلك من الفقراء…) فيما هناك شريحة برجوازية مترفه( 6% من قوة العمل واكثر منهم شريحة عليا تجاوزت الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة) والكثير من هؤلاء يتفاخرون ان ابناءهم يرطنون باللغات الاجنبيه اكثر من اللغه العربيه ولهم صداقاتهم البعيدة عن مخيم جنين ومنهم من يتغنى ببطوله بؤر المقاومة و غيرهم الكثير لا يسمعون ولو مجرد نشرة اخبارية عن تضحيات ومآلات هذه البؤر… ولكنهم يتداولون اخر صرعات الازياء والبزات والفيلات والجيبات سالتني صحافية اجنبية: كيف تفسر ان عدد الجيبات في رام الله اكثر من مدينتي اليابانية؟
هل تعلم ان مليون فيتنامي شاركوا في حفر نفق في الغابات وصولا الى القاعدة العسكرية القيادية لجيش فرنسا الاستعماري في قلعه بيان ديان فو التي اقتحمها الثوار واجهزوا على ما فيها فلملمت فرنسا حقائبها الاستعمارية ورحلت عام 1953 ( ياسين الحافظ مقارنة بين الثورة العربية والثورة الفيتنامية) اما مؤلف” كيف انتصر الفيتكونج، فاشار ان كل عائلة فيتنامية بات لها ثار شخصي مع المستعمر… والاستعمار الجاثم على صدر فلسطين هو اكثر ذكاء ويحاول تحييد معظم الناس… فهل يعتقد معظم الناس ان بؤر المقاومة وحدها قادرة على دحر المستعمر واستعادة السيادة والحرية والكرامة والامن الجماعي؟
ربما أصاب المفكر الامريكي اريك فروم بالقول( ان معنى الحياة والوجود هو البحث عن القيم السامية والنضال من اجلها لخدمة الانسان وليس الاستهلاكية والثروة والملكية ) طبعا ليس هذا التعريف الوحيد لمعنى الحياة…
واستنادا اليه لماذا لا تقوم الفئات الميسورة من أصحاب مئات الملايين بالاستثمار في القطاع الانتاجي بناء على حساب اقتصادي ربحي:فالسوق فيه بعض المتسع والنماذج الناجحه كثيره، والا ما معنى ان نتحدث عن فك الارتباط والتبعية والعناقيد … ولتقليص البطالة والالحاق وتلبية حاجات السوق الجوانبية والتنمية المستدامة يتعين اولا الاستثمار في القطاع الانتاجي رغم التعقيدات والمعيقات والكوابح التي تفرضها السلطات الاستعمارية وان كنت اعترف ان رؤيتي ترى في القاعدة الشعبية الحامل الأول للمشروع التحرري السياسي بانها الرهان في التنمية الاقتصادية والثقافية في اطار مشروع تنموي شامل .هذا موضوع متشعب وله نص منفصل.
ومهما حملت الخطابات الاكاديمية من بلاغة في المؤتمرات الممولة اجنبيا وما فيها من فائده فهي اقل فاعلية من تاسيس مصنع او مزرعة او… ناهيكم ان السلطة الفلسطينية التي تتزايد مديونيتها فتتقلص مساعداتها وتزداد مصاريفها الا يستحق ذلك وقفة.
اننا نعيش حالة صراع ونتعرض لسياسات استعمارية عنصرية اقتلاعية، ولهذا استحقاقاته. الم يضرم صلاح الدين النار في مدينه عسقلان( عمرها خمسة الاف سنة وتدعى اشكالون في العصر الكنعاني) لمنع الفرنجه من استخدامها لغزو فلسطين من جديد. وكاسترو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث كان التبادل التجاري 5 مليارات دولار سنويا، الم يقلص استيراده من النفط والكثير من السلع وباتت رفوف السوبر ماركت الستة او السبعة فارغة الا من المواد الاساسية وابتاع نصف مليون دراجه هوائيه بديلا لمئات الاف السيارات…. والم يقاتل الفلسطيني قيادة وقاعدة بضعة اشهر في حصار تل الزعتر وبيروت دون اغتسال وباقل قدر من الطعام والماء( لننظر فيما كتبه اللواء عز الدين في مؤلفه العسكرية الفلسطينية) وان تنظم محطة تلفزيونية حملة لجمع 10,000 حقيبة مدرسية وقرطاسية في غزة …. الا يعكس ذلك حال اوساط شعبية واسعة ؟
**********************
والشعب الذي يشارك في الاضراب الجماهيري العام، وجموع كبيرة لتهنئة الاسرى المحررين… لماذا تنحسر القاعدة الشعبية في الفعاليات التي تدعو لها هيئه الاسرى والمواجهات في الارياف… النضال بلا ضفاف وكل مواطن يستطيع ان يسال نفسه ماذا قدمت لشعبي وقضيته العادلة وانتزاع الحرية لعائلتي؟
والقانون الاساس الفلسطيني متقدم في اعلاء شان المواطنة فهو لا يميز بين دين ودين وبين جنس وجنس وبين مدينة وقرية ومخيم وبين لون ولون… بما يشكل سياجا حاميا ليس في زمن النضال التحرري بل وما بعد الاستقلال ايضا ومنذ السنوات الأولى لاحتلال 67 كانت اذاعات الثورة تبث( لا جهوية ولا قبلية) وتتردد مقولة” غابة البنادق” وتعددية الفصائل… فما بالنا نشعل النيران في مخيم عين الحلوة وكيف يمكن فهم اغتيال قائد وطني العرموشي الا يمكن تسويه التناقضات بالحوار اوالتعايش معها؟!
لقد عرفت في طفولتي تجربة السجن و كذا في استواء الشباب وفي السنوات الاخيرة وما لفتني في اعتقالاتي الاخيرة الصداقات الواسعة حد عدم التمييز بين الفصائل فيما يطوف ناشط الساحة على الغرف مساء يسال هل لديكم رغيف خبز او حبة بطاطا او حبة بندورة دونما توضيح لصاحب الحاجة والغرفة التي لديها تعطيه بلا تردد… فالاسرى يقتسمون طعامهم في شروط حياة لا تخلو من نقص الطعام احيانا… الا يذكرنا هذا بالوحدة اللوجستية في حصار بيروت 82… هل يريد بعض” المنغلقين اعادتنا نصف قرن للوراء؟
(الزمن عامل العوامل) دوبريه، وهو غير محايد وينتصر من يستثمره ببراعه، وهناك مخططات كولونيانية متطرفة” لحسم الصراع” وفي الذاكرة التطهير العرقي الذي خصص له ايلان بابيه مؤلف كامل. واتجاه الضربة اليوم تصفية بؤر المقاومة ولن تتوقف الاقتحامات. اما ان نجحت الوسائل الاستخبارية في الوصول لراس كبيرفلن تتردد لحظة واحدة في اقتناصه ودرع الوقاية هو الدائرة المحيطة المقربة كما يمكن ان يدلف منها الشر ايضا.
وشعبنا كد طويلا لابراز قيادات كبيرة، والذي يقف في الصف الامامي تقع عليه مسؤولية مضاعفة ويتطلب منه رحابة صدر واسعة… والراحلان ابو عمار والحكيم لطالما اختلفا ولكنهما حافظا على احترام احدهما للاخر…
اذكر انني في اعتقالي الاداري الطويل( خمسة اعوام وثمانية اشهر) تم استدعائي من قبل الجهات الامنية( لقد وقعنا على اتفاق مع ابو عمار ولم يتحقق السلام نريد توقيع اتفاق معك) أجبت( انا مجرد كاتب صغير واخطاتم العنوان وللشعب الفلسطيني قيادة لا احد ينازعها في شرعيتها).
(القلعه لا تقتحم الا من الداخل) لينين ، والنتائج كارثية عندما يحاول احد هدم التركيم دون قدرة على بناء تركيم افضل. كما ان بناء ما هو افضل ليسليس انقلابا عسكريا وفي تاريخنا العربي ما بعد عهد عمر بن الخطاب وعهد صلاح الدين و عهد عبد الناصر تم هدم المنجز والشعاراتية الكبيرة لم تمنع الكوارث، وبذلك لا تخلو من صوابية كلمات الشاعر بن برد( متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذ كنت ما تبنيه غيرك يهدم) وصاغها الشاعر الكبير درويش على طريقته (اهلي كلما شيدوا قلعة هدموها) وللحديث شجون هنا….
وما يحول دون المسار التدميري هو تقبل التنوع والتعدد وعدم احتكار الحقيقة وتغليب الوطنية والبحث الدائب عن المشتركات وان لزم الامر التعايش مع التباينات، والحركة التاريخية رغم انكساراتها ماضية للامام وفيها قوة التقاطع والاصطفاف.
ومهما يكن من امر ينبغي تفادي هدم المنجز فهو المدماك الذي يؤسس عليه المدماك الثاني وغير ذلك هو تدمير للذات ولننظر لتاريخنا ولواقعنا العربي اليوم!
بعد ان اخترقت الاجهزة الامنية الحزب الثوري في الهند الصينيه قام هوتشي مين بحل الحزب في اواسط اربعينات القرن الماضي دون صراعات ودم، وهذا فعله لينين بعد فشل ثوره 1906 وكلاهما اطلق صيرورة اكثر تطورا الاول ضد المستعمر والثاني ضد النظام القيصري.
اما الضغط على الزناد ضد ابناء الجلدة الواحدة، فهو ليس إضاعة اتجاه فقط بل ووصفة لزج الابرياء في بحر من الدم وتهجير الاهلين من بيوتهم وربما من الوطن ايضا والذي يظن ان السياسة اسود وابيض فقط عليه ان يفحص تفكيره قبل فوات الأوان .