في العام 1976، احتفلت الولايات المتحدة بـ 200 سنة على قيامها. كان رئيس وزراء إسرائيل، إسحق رابين، الزعيم الأجنبي الأول الذي اختير لبدء الاحتفالات. فقد بدأ زيارته في مدينة فلوريدا، عرش الاستقلال الأميركي. وُضعت طائرة عسكرية كبيرة تحت تصرفه. وكانت المحطة التالية هي البيت الأبيض، حيث استقبله بحفاوة عظيمة الرئيس فورد وزعماء الحزبين. وكانت المحطة الثالثة لوس أنجلوس، حيث أجري نجوم هوليوود من يهود وغير يهود وليمة فاخرة على شرفه. ضيف الشرف الثاني كان وزير الخارجية، هنري كيسنجر. واندفعت المغنية، ديانا روس، نحو الرجلين والميكروفون في يدها وألزمتهما على أن يغنيا. غنى كيسنجر أما رابين فاحمرّ خجلاً.
أي من هذه الحسنات لن تنتظر نتنياهو في رحلته الحالية إلى أميركا. خفّض مستوانا. نزّلنا درجة. زعماء دول من درج ثالثة ورابعة درجوا على أن يستغلوا الاجتماع السنوي للجمعية العمومية في الأمم المتحدة كي يزوروا أميركا. تأتي الدعوة من الأمم المتحدة. كل من له بطاقة عضوية في المنظمة مدعو ليأتي، وأن يتلو خطابه على خلفية حائط البلاط الأخضر لقاعة الجمعية العمومية، وأن يقف في طابور طويل للقاء عاجل، أساساً لالتقاط صورة مع رئيس الولايات المتحدة.
كما أن زعماء مقاطعين في أميركا، مثلما كان في حينه أحمدي نجاد وعرفات، مدعوون للقدوم. من ليس مقاطعاً يجد طريقاً لإطالة الزيارة لمدينة أخرى أو اثنتين. هذه جائزة الترضية لمن بعينيه يرى واشنطن ولا يأتي إليها. يبدأ نتنياهو زيارته في سان فرانسيسكو.
رأى نتنياهو أزمنة أفضل في الولايات المتحدة، أفضل بكثير. بمفهوم ما هو جدير بالتقدير: بدلاً من أن يغرق في مهانته يحاول أن يستخلص الأفضل مما هو موجود. مثله كمثل شمعون بيريس، الذي آمن دوماً بأنه يمكن تحويل الليمونة إلى ليموناده. لكن الزيارة الحالية تتحدى نتنياهو بمفهوم آخر: في كل مكان يذهب إليه سينتظره متظاهرون، من مؤيدي حركة الاحتجاج.
كانت في أميركا في الماضي أيضاً تظاهرات ضد رؤساء وزراء إسرائيل. كانت هناك تظاهرات طلاب مؤيدين لفلسطين، وكانت تظاهرات لجماعة ساتمر المناهضين للصهيونية، وأساساً فتيات، تلميذات معاهد. لم تكن التظاهرات أكثر من ملاحظة هامشية في جدول أعمال كله فضائل. أما هذه المرة فسيقف أمام رئيس وزراء إسرائيل مئات، ربما آلاف الإسرائيليين، جزء لا يتجزأ من الدولة، مصممون، صاخبون، غير مؤدبين على نحو ظاهر. لم يسبق أن كان أمر كهذا في أميركا.
معنى التظاهرات أوسع مما ستعكس أشرطة التسجيل التي ستوثقها. فقد قال لي صديق أميركي مشارك في العلاقات بين الدولتين منذ سنين: "خلال 75 سنة رأى الأميركيون في إسرائيل دولة تتصدى لتهديد من الخارج. على أميركا أن تساعدها. التظاهرات ضد نتنياهو ستدفعهم ليفهموا أن إسرائيل تتصدى الآن لتهديد من الداخل. وسيسألون أنفسهم ما الذي ينبغي لهم أن يفعلوه إذا كانوا سيفعلون شيئاً على الإطلاق، من يصدقون، بيبي، سارة، أم الإسرائيليين الذين يحملون اليافطات في الشارع؟".
هذا صحيح بالنسبة للجالية اليهودية. مروجوها، من أعضاء مؤتمر الرؤساء و"ايباك" وباقي المنظمات أطاعت حتى اليوم أوامر كل حكومات إسرائيل. وعندما كانت تطل أصوات أخرى – منظمة جي ستريت مثلاً – حاولوا أن يسكتوها. لكن من الأصعب التأييد التلقائي لحكومة تهين معظم عناصر الجالية اليهودية، ومقصية في البيت الأبيض، ودافعة للاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي، ومكروهة من مئات آلاف المتظاهرين في إسرائيل. هذا صحيح أيضاً بالنسبة للحزب الديمقراطي الذي تصوت له الغالبية الساحقة من اليهود، وصحيح لأسباب أخرى بالنسبة لترامب ومؤيديه أيضاً. أسئلة أقصيت في الماضي تطفو الآن على السطح. زيارة نتنياهو، التظاهرات، والاهتمام المتزايد بها في وسائل الإعلام ترفعها إلى جدول الأعمال.
لكن من يبث على حائط مبنى الأمم المتحدة عنواناً يقول بالترجمة الحرة "لا تصدقوا رئيس وزراء إسرائيل – فهو Crime Minister"، يجب أن يأخذ بالحسبان إحساس عدم الرضا لدى الكثير من الإسرائيليين، حتى من يؤيدون الاحتجاج بكل قلوبهم. لا يوجد الكثير من العقل في جعل نتنياهو ضحية. سيلتقي في سان فرانسيسكو نتنياهو بالمالتي ملياردير، أيلون ماسك. وحسب المنشورات، فإن هذا غاية زيارته إلى المدينة. ماسك، 52، هو شخصية مشوقة: مستثمر عظيم من جهة، ورجل غريب، لا يطاق، من جهة أخرى. رائحة النجاح تنم عنه – من ناحية نتنياهو، فإن النجاح والمال يطهران كل شيء.
ينبغي أن يقلقنا بسبب "X"، الشبكة الاجتماعية التي اشتراها. تحت قيادته تنمي الشبكة ظاهراً خطاباً عنصرياً، لاسامياً، لاديمقراطياً، ولااجتماعياً. العصبة ضد التشهير، من أهم المنظمات اليهودية في أميركا، شجبت شبكته، ورداً على ذلك هددها ماسك بدعوى قضائية.
يصعب علي أن أفهم لماذا يحتاج رئيس وزرائي ليطير إلى أقصى الغرب الأميركي كي يلتقي مليارديراً مشكوكاً فيه. كان أكثر احتراماً لو أن ماسك التقى نتنياهو في نيويورك أو القدس. لكن الصور من اللقاءات ستكون جميلة والثناءات ستكون حميمة وبالإنجليزية الفاخرة، لفرحة مؤيدي الحكومة. هذا ما تبقى.

عن "يديعوت"