يبدو أن الساحة السياسية في الولايات المتحدة قبيل انتخابات الرئاسة في 2024 هي الأكثر عصفاً منذ سنين، وربما أبداً. قد يتشكل وضع متناقض يتنافس فيه خاسران ظاهراً، بايدن وترامب، لكن هناك إمكانية أخرى ربما عبثية، وهي أن أسماء أخرى ستظهر في صناديق الاقتراع يوم الانتخابات، بعضها في هذه المرحلة بمثابة “من هذا، من يعرفه؟”.
في الجانب الديمقراطي تجتاح أمريكا موجة من الشكوك والتساؤلات حول الرئيس بايدن، وبالذات من جهة مؤيديه. يسأل بيرت ستيفنس، أحد كُتاب مقالات الرأي الهامين في “نيويورك تايمز” (المتماثل مع الديمقراطيين): “لماذا هناك ديمقراطيون كثيرون سلبيون تجاه بايدن؟”، ويضيف: “البطالة هبطت إلى أدنى مستوى في التاريخ، وخبا التضخم المالي، ونلحق بروسيا إهانة استراتيجية في أوكرانيا، وثمة حالات قتل أقل في المدن مقارنة بالسنة الماضية، فلماذا إذن يعتقد 20 في المئة من الجمهور أن الاقتصاد ممتاز أو جيد، بخلاف 49 في المئة يعتقدون أنه فاشل، وما هو السبب الذي يجعل أغلبية مطلقة في الجمهور الأمريكي متشائمين إزاء مستقبل بلادهم – وحسب استطلاع “غالوب” فإن قدراً أقل من الأمريكيين يثقون اليوم برئيسهم مما كانوا في أواخر رئاسة ترامب؟”.
ويسير وراءه المحلل روس دوتات في الصحيفة إياها، ويبدأ بجملة “جو بايدن رئيس غير شعبي، ويمكن أن يخسر في الانتخابات بسهولة أمام دونالد تراب في 2024”. وفي “واشنطن بوست” التي تميل هي أيضاً إلى الجانب الديمقراطي يظهر مقال المحلل الشهير ديفيد اغنيشيوس مع عنوان “لماذا جو بايدن غير شعبي بهذا القدر. وينتهي بجملة: “الرئيس بايدن لا يجب أن يتنافس في 2024”.
المحللون وأصحاب الرأي آنفي الذكر وآخرون يقدمون لأنفسهم الأجوبة على أسئلتهم. يشير ستيفنس إلى أن جريمة تسيطر في الشوارع، وإلى فوضى في المدارس العامة، فضلاً عن التسيب في الحدود الذي جعل موضوع المهاجرين أزمة وطنية. ويقضي بأن العالم يصبح أقل أمناً تحت نظام بايدن وفشل الانسحاب من أفغانستان.
لكن فضلاً عن كل هذا، فإن السبب المقرر والمؤثر للغاية هو عمر بايدن المتقدم، الذي يتسبب مع تضخم كل كبوة له، مهما كانت طفيفة بلسانه أو بخطواته، وليس فقط من قبل معارضيه، بالتشكيك العام بقدراته. أما نائبته كاميلا هارس فهي الأخرى أقل شعبية منه، ناهيك عن القضايا المحرجة لابنه هانتر. خلاصة الأمر، وفقاً لبعض الاستطلاعات، فإن أي مرشح جمهوري، ترامب أو غيره، سينتصر على بايدن، وإن كان بفارق نسبي صغير.
ولئن كانت عودة الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض ليست مسألة مبهجة، فثمة معوقات في طريق دونالد ترامب. فقد لا يمنعه جهاز القضاء من التنافس رغم المخالفات الخطيرة المنسوبة له، لكن محكمة الشعب قد تفعل ذلك. فالتأييد له من جانب “القاعدة” لا يزال عالياً جداً، ويبقي كل المتنافسين الآخرين بعيداً وراءه. ولكن ثارت مؤخراً علامات تحذير: ثمة استطلاع في أوساط رؤساء الفروع في الحزب الجمهوري تظهر أن قسماً كبيراً منهم متردد ومنفتح على مرشحين آخرين، بينما بعض المتبرعين الكبار لترامب في الماضي يغلقون جيوبهم هذه المرة.
كالمعتاد، عندما يسألون من وما “الأفضل لليهود” (رغم أن “اليهود” أنفسهم منقسمون حول ما هو جيد لهم)، لكن تقصر اليراعة عن البحث في هذا بجذرية. نكتفي بالقول إن عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة يستوجب من إسرائيل دبلوماسية حكيمة وحذرة جداً في السنة القريبة القادمة، دون أن نخرج عن أطوارنا عبر تصريحات منحازة لهذا المرشح أو ذاك، وبحرص منا على الثنائية الحزبية رغم أن هذا المفهوم آخذ في الاختفاء في أمريكا.
بشكل عام كانت لنا مع ترامب تجربة جيدة، لكن لا ينبغي أن نتجاهل تقلباته أيضاً. وبالنسبة لبايدن، رغم بعض السلوك المهزوز لدعوة رئيس الوزراء، لكن ما يبدو كموقف هزيل وغير مقرر بالنسبة للنووي الإيراني، فالإيجابي أكثر من السلبي. وكما كتب في مجلة “فورين افيرس”: “لإدارة بايدن دافع قوي للتقدم مع إسرائيل. هذا يتناسب ليس فقط مع آراء الرئيس بايدن، بل أيضاً مع أهداف أوسع للإدارة في الشرق الأوسط. ينغرس هذا النهج بقلق على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة وبهدف تحقيق الاستقرار والاندماج حتى في ضوء التنافس مع الصين وروسيا، وعليه فإن الدافع للتعاون مع إسرائيل ورئيس وزرائها أقوى من أي وقت مضى.