في وابل المقابلات والمقالات في الذكرى السنوية الثلاثين للتوقيع على اتفاق أوسلو وجدت أيضا من يرحب بالاتفاق، ولكنه يرفض الشريك، ويدعي انه كانت هناك حاجة للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين في "المناطق"، وليس مع "م.ت.ف"، وأحد هؤلاء هو الصحافي والمحلل القديم إيهود يعاري.
النهج الذي يرفض "أوسلو" بسبب الاعتراض الديني على تقسيم البلاد من الصعب جدا الجدال معه، تماما مثلما هو صعب الجدال مع الجهات الدينية في الجانب الفلسطيني ممن يدعون بأن فلسطين هي ارض وقف، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تقاسمها مع غير المسلمين. في اللحظة التي يدخل فيها الرب تعالى - تبارك اسمه - إلى المعادلة، فإن السبيل الوحيد للوصول إلى اتفاق هو الاستعداد للوصول إلى اتفاق "مؤقت" إلى أن يأتي حدث الآخرة (مجيء المسيح مثلا)، وعندها سيفهم الجميع ما هو الطريق المستقيم، وسيحل نزاعنا المحلي أيضا. المعارضة الدينية ليست خاصة لمسيرة "أوسلو"، بل لكل حل يتمثل في تقسيم البلاد.
من الصعب الجدال مع معارضي "أوسلو"، ممن يرفضون الاتفاق لأنه يفترض أن يؤدي إلى تقسيم البلاد، في الوقت الذي يعارضون ذلك لاعتبارات الأمن. والدليل على أن الوضع الراهن اخطر بكثير، وأن سلوك الأطراف يتغير عندما يسود السلام، ملقى على من يغير الوضع ولا يمكن إثبات ذلك إلا بأثر رجعي وبالاستناد إلى ما حصل بين إسرائيل وبين مصر والأردن في أعقاب اتفاقات السلام.
الجدال مع مؤيدي الاتفاق، الذين يختلفون "فقط" حول "اختيار الشريك"، أسهل. وبالفعل، فإن المؤسسة الإسرائيلية، التي فهمت أن تقسيم البلاد فقط يمكنه أن يضمن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، توجهت قبل كل شيء إلى الملك حسين كشريك محتمل لتقسيم البلاد. الحسين (رغم "اللاءات الثلاث" للجامعة العربية في أيلول 1967)، كان مستعدا للوصول إلى حل مع إسرائيل لكنه رفض، المرة تلو الأخرى، المطلب الإسرائيلي ضم نحو 30 في المئة من الضفة الغربية (بدعوى انه حتى السوفييت لم يضموا نسبة كهذه من أراضي فنلندا بعد الحرب...). المحاولات لإقامة دويلة فلسطينية بقيادة رؤساء السلطات المحلية في السبعينيات فشلت.
المحاولة التالية كانت محاولة ارئيل شارون، الذي رأى في بداية الثمانينيات في "روابط القرى" شريكا فلسطينيا بديلا لـ"م.ت.ف". هذه المبادرة أيضا تبخرت بسرعة. البروفيسور مناحم ميلسون، الذي عين رئيسا للإدارة المدنية لمنطقة "يهودا" و"السامرة"، فشل في محاولته إقامة قيادة محلية بديلة لـ"م.ت.ف".
إن رفض التفاهمات بين الملك حسين ووزير الخارجية في حينه شمعون بيريس من قبل رئيس الوزراء في حينه، اسحق شامير، في 1987، قضى على المحاولة الأخيرة لرؤية الأردن شريكا لتقسيم الضفة، وبعد سنة من ذلك أعلن الملك تخليه عن مطالبته بالضفة الغربية واعترافه بحق الفلسطينيين في هذه الأرض. في 1988 اعترفت "م.ت.ف" بقرار الأمم المتحدة 242.
عندما بدأت الاتصالات للشروع بمسيرة "أوسلو" كانت النية إجراء الحوار السري مع فيصل الحسيني، الشخصية الفلسطينية الأهم في شرقي القدس، لكن الحسيني أوضح لي أن العنوان للمفاوضات ليس هو ورفاقه بل قيادة "م.ت.ف" في تونس. لم يغدق الثناء على عرفات، لكنه قال، انه فقط بعد أن نصل إلى اتفاق معه سيكون ممكنا إدراج الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلالنا في تنفيذ هذا الاتفاق. وكانت حنان عشراوي هي التي اقترحت علينا أن نتحدث مع من كان يعد وزير مالية "م.ت.ف"، أبو العلاء.
كان خيار إجراء محادثات على مستقبل الضفة الغربية وغزة مع السكان المحليين هو التفضيل الأول لكل من أراد تسوية تقسيم البلاد. لكنه تبين أنه عديم الاحتمال المرة تلو الأخرى. والمحاولة لعرضه، اليوم، كإمكانية جرى تفويتها قبل 30 سنة هي أمنية فقط.

عن "إسرائيل اليوم"