لم تكن كلمة الرئيس أبو مازن في الدورة ال 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة كلمة تقليدية ترتكز على العبارات الانشائية او الفلسفية، وهي ليست كلمة استعراضية لأنها خالية من الاستعراض اللغوي والسياسي، كلمة الرئيس جاءت مركزة وشاملة استطاع من خلالها عرض الهم الفلسطيني والمعاناة الفلسطينية بسبب الاحتلال الصهيوني واستيطانه المتطرف والجرائم اليومية التي يرتكبها هذا الاحتلال امام كافة عيون العالم. ركز الرئيس على كافة الحقوق التي اقرها واعترف بها القانون الدولي بدءا من الحماية الدولية لشعبنا مرورا بحق العودة والتعويض والحق في الاعتراف بنا كدولة تحت الاحتلال وانتهاء بحقوق تقرير المصير ,محملا الاحتلال مسئولية كافة الجرائم التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته ومحاولة تنفيذ الاحتلال مخطط تغيير الوضع التاريخي والديني للمقدسات الفلسطينية الإسلامية المسيحية في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الابراهيمي في الخليل, كما وحمل العالم المسئولية الكاملة عن تقاعسه في التدخل العادل لأنهاء هذا الاحتلال الطويل , وتساءل عن سبب اختلاف المعايير الدولية عند التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبالتالي التعامل مع إسرائيل كدولة احتلال واستيطان وابارتهايد واضح المعالم ومتعدد الدلائل والبراهين, وسأل العالم لماذا يتم التعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي علي انها دولة فوق القانون..؟ , ولماذا لا تخضع إسرائيل حتى الان لأي مساءلة او محاسبة دولية ؟ .
بدا الرئيسي كلمته برسالة هامة موجهة الى أطراف متعددة أهمها إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وقال " واهم من يظن ان السلام يمكن ان يتحقق دون ان يحصل الفلسطينيين على حقوقهم كاملة " , ولم يرغب الرئيس في التلميح اكثر من ذلك لموضوع "السلام المعكوس" الذي يحاول نتنياهو والولايات المتحدة تحقيقه من خلال اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية وبالتالي فأن الشرق الأوسط الجديد الذي ترسم خارطته الولايات المتحدة وإسرائيل لن يجبر الفلسطينيين على التنازل عن هويتهم وحقوقهم السياسية واولها حقهم في دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس, وبالتالي فان كل خطوات صناعة السلام الوهمي لا يمكن ان تجبر الفلسطينيين قبول اللحاق بقطار التطبيع والقبول بالحلول الاقتصادية في اطار اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية دون ان يحقق الفلسطينيون الاستقلال الكامل او يحصلوا على دولة كاملة السيادة متواصلة جغرافيا بالضفة الغربية والقدس وغزة . كما ان هذه رسالة واضحة المعني موجهة الى إدارة (جو بايدن) التي تحاول ان تعقد اتفاقات تطبيع مع العربية السعودية بتقديم بعض التنازلات كما يسمونها للفلسطينيين دون طرح مبادرات سلام حقيقية ترتكز على مبدأ حل الدولتين حتى انها عاجزة عن اتخاذ إجراءات يمكن من خلالها كبح جماح حكومة التطرف التي يقودها نتنياهو بوقف مخطط حسم الصراع بالاستيطان والضم كمخطط لا يبقي للفلسطينيين أي حقوق سياسية يمكن ان يتحدثوا فيها مستقبلا.
نبه الرئيس العالم الى خطورة تحويل الصراع الى ديني عبر ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين واستباحة المقدسات الإسلامية والمسيحية وطالب العالم ومنظمات المجتمع الدولي وعلى راسها الامم المتحدة توفير الحماية للشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال ويواجه وحيداً كل جرائم التمييز العنصري والحرمان من أداء طقوسه الدينية في مقدساته بحرية ودون استفزاز , وهنا طالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الوضع التاريخي في القدس بالذات المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمسجد الابراهيمي في الخليل ,وطالب الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات رادعة بحق دولة الاحتلال حتى تستجيب لقرارات الشرعية الدولية , وانتقد بشدة عدم قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ لو قرار واحد من بين الف قرار صدرت بخصوص الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي والتي كلها تساند الحقوق الفلسطينية وتطالب بأنهاء هذا الاحتلال ومنح الفلسطينيين حقوق تقرير المصير .
المؤتمر الدولي للسلام كان من احد اهم توجهات الرئيس للأمم المتحدة والجمعية العامة باعتباره الطريق الأكثر امناً في الاسراع لتحقيق العدالة الدولية باتجاه حقوق شعبنا على ان تشارك فيه جميع الدول المعنية بتحقيق السلام في الشرق الأوسط , وطالب الرئيس السيد (أنطونيو غوتيرتش) الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة بوضع الترتيبات العاجلة لعقد هذا المؤتمر كفرصة أخيرة لإنقاذ حل الدوليين, كما طالب الرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء منح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة وتساءل لماذا لا تعترف بعض الدول التي تعترف بإسرائيل ان تعترف بفلسطين كدولة, وتعجب الرئيس من إصرار العالم على التعامل بازدواجية المعاير خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كما وسأل العالم لماذا لا يتم محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين ويتم التعامل مع دولة الاحتلال كدولة فوق القانون. وكرر الرئيس تحميل كل من بريطانيا وأمريكا المسؤولية على كل تلك الجرائم التي ارتكبت في الماضي ومازالت ترتكب بسبب دورهم في صناعة (وعد بلفور) وتطبيقه على الأرض وطالبهم بالاعتراف والاعتذار وجبر الضرر وتقديم التعويضات وفق القانون الدولي للشعب الفلسطيني.
الرئيس أرسل رسالة واضحة للشعب الإسرائيلي وحكومته بان احتلالهم للأرض الفلسطينية لن يدوم مهما كانت اطماعهم وسياساتهم ومخططاتهم العنصرية لتصفية القضية الفلسطينية عبر المشروع اليهودي الكبير في دولة يهودية عبرية خالصة دون تمتع الفلسطينيين باي حقوق سياسية. الرئيس قالها بوضوح "ان الشعب الفلسطيني باق على ارضه التي سكنها منذ الالاف السنين جيلا بعد جيل ولن يرحل" وهذا يعني ان كل إجراءات الاحتلال الاجرامية لن تنال من صمود شعبنا على ارضه ولن تثنيه عن مقاومة الاحتلال وخاصة مقاومة مشاريع الضم والاستيطان التي مصيرها الفشل ولن تبقي أي من مستوطناتهم التي يحاولوا تكبيرها على حساب الأرض الفلسطينية وزراعتها بمليون مستوطن الاعوام القادمة لأننا كفلسطينيين أصحاب الأرض وسنقاوم هذا الاستيطان بكل ما نملك , الرئيس أبو مازن أرسل رسالة أخيرة وقوية للمجتمع الدولي بكل مكوناته بان عليه تحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الاحتلال البغيض والإسراع بتمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة وتنفيذ كل القرارات الدولية والشرعية التي سيبقي تنفيذها حق ادبي واخلاقي و قانوني دولي يقع على عاتق هذه المنظمة لضمان الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط .