هارتس : ترانسفير.. هذا ما تعنيه “ملائكة السلام” في القاموس الإسرائيلي

تنزيل (20).jpg
حجم الخط

بقلم هاجر شيزاف

حاجز مرتجل مصنوع من أسلاك معدنية وسيارة، يستقبل القادمين إلى القرية الفلسطينية الصغيرة عين الرشاش الواقعة وسط الضفة الغربية. ناشط إسرائيلي يفحص هوية من يريدون الدخول إلى القرية، ومستعد لرفع الحاجز بعد أن يقتنع بأن السلام هو توجههم. الناشط شريك في منظومة لليساريين، الذين يعملون منذ شهرين كدرع بشري بين جماعات الرعاة في القرية وبين عنف المستوطنين. بعد أن هربت تجمعات الرعاة بسبب رعب المشاغبين اليهود، بات سكان عين الرشاش يديرون حرباً نهائية خوفاً من أن مصيراً مشابهاً ينتظرهم.
يبلغ عدد سكان عين الرشاش نحو 85 شخصاً، ويعتمدون على رعي الأغنام لكسب الرزق. تكدر نمط حياتهم في 2015، أقيم فوق التلة المطلة على القرية في حينه بؤرة للرعاة باسم ملائكة السلام. في بداية السنة، بدأت الحكومة في إجراءات شرعنة البؤرة. يعمل المستوطنون منذ إقامتها، برعاية المؤسسة التي تغض النظر، على القضاء على مصدر رزق الفلسطينيين عن طريق الدخول إلى مناطق الرعي التي استخدموها في السابق، والمس بقطعانهم ومنعهم من الوصول إلى مصادر المياه.
أساليبهم هذه نجحت النجاح الكبير. بدون قدرة الأغنام على الرعي في الأرض، لم يصمد الكثير من السكان أمام هذا العبء الاقتصادي لإطعام الأغنام، واضطروا إلى بيعها. سلامة، وهو أحد سكان القرية، قال إن حياته تغيرت بشكل كبير في ظل عنف المستوطنين. “كان عندي 150 – 200 رأس، أما الآن فلم يبق عندي بسبب المستوطنين أي شيء، لأننا كل مكان نذهب إليه لترعى فيه أغنامنا، يقولون لنا: ممنوع هنا وممنوع هناك”، قال. “بعت نصف أغنامي لأنني اليوم غير قادر على إطعامها. منذ ذلك الحين وأنا أعمل في الزراعة في غور الأردن، في التمور”.

طرد الفلسطينيين تم أيضاً بعدّة طرق أخرى. المستوطنون يقتحمون القرية وينكلون بالسكان وأحياناً يستخدمون العنف الجسدي، الذي وصل إلى الذروة في حزيران الماضي بالهجوم الذي خلف وراءه سكاناً مصابين في القرية. هذا الوضع ينعكس أيضاً في قصص ثلاث قرى مجاورة، التي بسبب إرهاب المستوطنين أبعدوا سكانها عنها للنجاة بحياتهم. في أيار، هرب سكان عين سامية من القرية، وفي تموز هرب الفلسطينيون من البقعة، وآخر السكان في قبون أخلى مكان سكنه في آب، بعد تنكيل منهجي من قبل المستوطنين الذين اعتادوا على اقتحام بيوت السكان ومنعهم من الرعي. ثمة قرية قريبة أخرى، هي رأس التين، عرفت أيضاً قسوة المستوطنين، لكنها أخلت مكانها بعد أن دمرت الإدارة المدنية كل مباني التجمع.
هكذا فرغت المنطقة من تجمعات الرعاة الفلسطينيين، وبقي سكان عين الرشاش وحدهم في المعركة، خائفين من أن تكون قريتهم هي التالية. “قرار القرى الأخرى بالمغادرة أثر جداً علينا، فمنذ ذلك الحين بدأ المستوطنون يركزون هجماتهم”، قالت سامية (30 سنة)، زوجة سلامة وأم لستة أولاد.
هذه الظاهرة ليست فريدة؛ ففي السنة الماضية هرب سكان قرية سمري الموجودة في جبل الخليل، من بيوتهم، وفي حزيران الماضي فرغت قرية ودادي القريبة منها من السكان أيضاً. حسب تقدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية، فإن 1105 من الرعاة، 12 في المئة من إجمالي السكان، غادروا مكان سكنهم في الضفة الغربية في السنة الماضية. إن توسع هذا التوجه إلى جانب عجز السلطات الإسرائيلية أمام عنف المستوطنين أدى بجمعية “بتسيلم” إلى اعتبار واقع تجمعات الرعاة الفلسطينيين في الضفة الغربية ترانسفير، واعتبار إسرائيل مجرمة حرب.
أحمد، وهو من سكان عين الرشاش، قاد طاقم “هآرتس” إلى نبع بطريق ترابية يستخدمها الفلسطينيون للوصول إليه. “مرت سنة ونصف منذ قدومي إلى هنا”، وأضاف بأنه توقف عن زيارة المكان بسبب خوفه من المستوطنين. وحسب قوله، فإن تحويل المياه إلى البركة التي أقامها المستوطنون، أدى إلى جفاف أشجار الفواكه التي تنمو أسفل النبع، كالرمان والزيتون. “من المحزن رؤية الأشجار على هذا الشكل”، قال. وهو مثل آخرين كثيرين، باع أغنامه. “كان عندي 100 رأس. قبل سنة بعتها وانتقلت للعمل في “أريئيل” [مستوطنة] في شق الطرق”.

رداً على ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن “قوات الجيش جاءت لتفريق احتكاك بين المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين قرب “ملائكة السلام” في 24 حزيران الماضي. ومن التقرير الذي وصل إلى الجيش، تبين أن فلسطينياً أصيب في هذا الاحتكاك، وتم نقله من المكان بشكل مستقل. وأن فلسطينيين ثلاثة أوقفهم الجيش ونقلوا إلى الشرطة للتحقيق معهم”.

هآرتس