لعل من أبرز المفارقات التاريخية في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما يعرف بإعلان المبادئ ، والمفارقة أنه الاتفاق الوحيد المكتوب بعد عقود من الصراع. والسؤال أو التساؤلات لماذا ذهب الطرفان للتوقيع رغم تحفظات كل منهما عليه ؟وهل حقق الهدف منه بإنهاء الصراع والذهاب لمرحلة السلام والتعايش؟ ينطبق على الاتفاق مقولة أبو نصر الفارابي في كتابه أهل المدينة الفاضلة:العلاقات تقوم في ألأصل على القهر والغلبة فإذا تساوت القوى تداعى أصحابها الى المسالمة أو المهادنة أو الصلح؟ في الحالة الفلسطينية الإسرائيلية لم تتساوى القوى ، ومع ذلك ذهب الطرفان لتوقيع هذا الاتفاق .
فهو إتفاق بين طر ف قوى يمارس القوة والغلبة والقهر وطرف يتمسك بحقوق في أرضه وقيام دولته ويعاني من الاحتلال وضعيف في قدراته العسكرية. المنطق يقول كان من المفروض أن يؤدي الاتفاق أولا لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المدنية السلمية التي تقبل بالتعايش مع إسرائيل . وهذا لم يتحقق . والأكثر غرابة أن الاتفاق كان سببا من أسباب إستمرار الصراع والعنف والكراهية والحقد السياسي. وهو إتفاق مكتوب لكنه لا يرقى إلى درجة المعاهدات والإتفاقات الدولية ، والتي أصلا تعقد بين دولتين متساويتين. فهو إعلان مبادئ عام لتحديد مسار العلاقات بين طرف قوى يحتل كل الأراضي الفلسطينية ويرفض عودة اللاجئيين ويتمسك بالقدس عاصمة موحده وهي القضايا الرئيسة للصراع.والطرف الثاني تمثله منظمة التحرير بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مما يعني صفة الإلزامية على الكل الفلسطيني فهو إتفاق لتنظيم علاقات وتفويض لإدارة السكان..
ومن ناحية أخرى يتجاهل الإعلان أي إلتزامات من جانب إسرائيل كوقف الإستيطان والإعلان الرسمي والصريح بقيام الدولة فهو أقرب إلى الإتفاقات الأمنية ، بل إن كل الاتفاق محكوما بالإعتبارت الأمنية التي على الطرف الفلسطيني القيام بها.
وأي إتفاق بنتائجه السياسية وتحقيقه لأهدافه. ومن هذا المنظور يفترض ان الاتفاق كان ينتهي بعام 1999 والشروع في قيام الدولة . وهذا الهدف والغاية الرئيسة لم تتحقق مما يعني إلغاء الاتفاق ، والشروع في مفاوضات جديده تقوم على مبدأ الدولة وليس السلطة أو سلطة الحكم الذاتي.إسرائيل ذهبت للإتفاق ليس من باب الضعف بل من باب تغيير كل قواعد اللعبة السياسية ووضع معايير جديدة للمفاوضات والتسوية السياسية , فالهدف غلق الملف بقيام السلطة وعودة منظمة التحرير إلى غزة أولا.والأمر الثاني الذي كشفت عنه ٣٠ عامامن الاتفاق أن إسرائيل تريد سلطة تتكفل بإدارة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزه وهو ما يعني لها إنهاء الاحتلال الذي أصلا لم تعترف به في الاتفاق. وذهب الفلسطينيون وهم ليسوا في قوتهم فالإتفاق جاء في بيئة سياسية إقليمية ودولية لا تعمل لصالحهم وأى إتفاق نتاج بيئته . اتفاق محصلة أو احد اهم نتائج الحرب العراقية الكويتية والحرب على العراق وتراجع القضية الفلسطينية كأحد أهم أولويات الأمن العربي ، وبروز أمن كل دولة أولا ، وتراجع النظرة لإسرائيل أنها تشكل تهديدا أو عدوا. والأمر الآخر غير المعلن عدم القبول بالتواجد الفلسطيني في أي عاصمة عربية بعد ألأردن ولبنان ,ومن ثم القناعة لحاجة إقليمية ودولية لتواجد القيادة على جزء من أرضها وكانت البداية غزة ثم التفاوض لتنظيم التواجد في الضفة في المدن ذات الكثافة السكانية مع حق إسرائيل في الحفاظ على كل الأمن . ولذلك لم يكن أمام منظمة التحرير إلا القبول بهذا الاتفاق الذي يضمن الحد ألأدنى من البقاء رغم إعتراف الرئيس عرفات نفسه أنه إتفاق غير جيد.
وبنى الفلسطينيون إتفاقهم على أمل ان يتحول إعلان المبادئ لإتفاق سلام ينهي الصراع ويعلن قيام الدولة . الحسابات لم تكن دقيقه .وهذا ما أثبتته سنوات طويله من المفاوضات إنتهت بالفشل .ومن أبرز تداعيات الإعلان أنه منح إسرائيل غطاء واسعا لتمدد خريطتها الإستيطانية في كل الآراضى الفلسطينية وخصوصا منطقتي ج والتي تشغل مساحة عشرة في المائة من مساحة الدولة افلسطينية ومنطقة الأغوار ، ومحاولة إسرائيل غلق ملف القدس بإعلان دمجها بالكامل وتوسيع الإستيطان في قلبها ومحيطها ,ووصول أكثر الحكومات تشددا وإعلانها دفن حل الدولتين والبحث عن الحلول الإقليمية مع الأردن واقصى ما يمكن القبول به سلطة حكم ذاتي بصلاحيات واسعه في المجالات السكانية .
ومن تداعيات الإعلان السلام العربي الإسرائيلي ونزع البعد العربي كأحد مكونات القضية. ولعل من اخطر التداعيات الإنقسام الفلسطيني بين فتح وحماس وتحوله لكينونة سياسية مستقله في غزه .
لاخيار إلا بالتحرر من الإعلان وكل بقاياه والإعلان عن مرحلة الدولة الفلسطينية التي أعترفت بها ألأمم المتحده والحصول على عضوية كاملة تحت الاحتلال ، وتفعيل المسؤلية الدولية لإنهاء الاحتلال عن دولة عضو في الأمم المتحده. وفي الداخل إنهاء الإنقسام والذهاب لإنتخابات وتشكيل حكومة منتخبة ومؤسسات منتخبة وبلورة رؤية وطنية فلسطينية شامله و توظيف السلام مع إسرائيل لصالح الدولة وإنهاء الاحتلال.وتبقى كلمة أخيره إذا كانت أوسلو وقعت في بيئة لا تعمل لصالح الطرف الفلسطيني فاليوم بيئة القضية الداخلية والإقليمية والدولية أكثر سوءا ولم تعد القضية قضية أولوية وهذا يفرض على الفلسطينيين مراجعة كل خياراتهم والقبول بمقاربات جديده أبرزها مقاربة الحقوق السياسية .