هارتس : سياسة حكومة نتنياهو تسهّل نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل

דני-קרמון-200.jpg
حجم الخط

بقلم: داني كرمون

 

 



يشمل الحوار العاصف بشأن "الانقلاب الدستوري/ الإصلاح القضائي" تخوفاً حقيقياً من إجراءات قانونية دولية يمكن أن تُتّخذ ضد دولة إسرائيل، وضد إسرائيليين، على خلفية إضعاف كبير لاستقلالية المحكمة العليا والمنظومة القضائية الإسرائيلية. بدءاً من خطر فرض قيود على سفر ضباط في الجيش الإسرائيلي إلى الخارج، وكذلك شخصيات رسمية رفيعة المستوى، وصولاً إلى رفع دعاوى فردية أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، أو لدى محاكم دول أُخرى. في المقابل، تدور منذ عدة أشهر عملية قضائية أُخرى في محكمة العدل الدولية في لاهاي، تتعلق بقانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، الذي يُعتبر شرعياً ما دام مؤقتاً، وما دامت تُبذل الجهود لإنهائه. في إسرائيل، لا يعيرون هذه العملية القانونية وتداعياتها البعيدة المدى خارج عالم القضاء أهمية كافية.
إلى جانب الأزمة الداخلية في إسرائيل وبمعزل عنها، منذ نهاية سنة 2022، يجري تغيير نموذجي في علاقة المجتمع الدولي بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي يتحول من نزاع سياسي يمكن حلّه بالمفاوضات إلى نزاع قانوني يمكن أن تحسمه المحاكم الدولية. والخطر من إجراءات قانونية ضد إسرائيل وضد إسرائيليين حقيقي وقائم، ويجب الاستعداد لمواجهته بكل جدية، كما أن أضراره "الجانبية" والبعيدة الأمد خطِرة على خلفية الانقلاب القضائي.
في نهاية سنة 2022، قررت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة الطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها في التداعيات القانونية والقضائية للاحتلال الإسرائيلي لـ"المناطق"، وهل هو مؤقت و"شرعي"، أم دائم و"غير شرعي"، وما تأثيره في السكان الفلسطينيين، وفي حقهم في تقرير مصيرهم؟ ويأمل المبادرون إلى هذه الخطوة بأن ينجح "تدويل" النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي فشل في المفاوضات بين الطرفين، وفي الأمم المتحدة، وفي قاعات المحاكم الدولية، وأن يؤدي إلى الضغط على إسرائيل وفرض عقوبات عليها. في المقابل، لا تتعامل إسرائيل مع هذا التحرك ومع تداعياته بالجدية المطلوبة، على الرغم من أن إعداد الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية هو الآن في ذروته.
على الرغم من أن الاهتمام الكبير للهيئات في الأمم المتحدة بالاحتلال، فإنه لم يصدر حتى الآن أي قرار قانوني بشأن شرعيته وكونه مؤقتاً. ومن المتوقع أن توسّع محكمة العدل الدولية الرأي القانوني المحدود، الصادر في سنة 2004، بشأن الجدار الأمني - والذي اعتبر الإجراءات الإسرائيلية غير قانونية، وأن ما يجري على الأرض هو "علامات ضم" - والتطرّق إلى شكاوى قيام نظام فصل عنصري (أبارتهايد) في "المناطق". ومن المفترض أن توصي محكمة العدل الدولية الدول بعدم الاعتراف بالاحتلال وعدم التعاون معه، وربما تطالب المحكمة أيضاً بالإسراع في فتح تحقيق في الدعوى المقدمة في سنة 2021. والسؤال المطروح: هل إبداء الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية الذي سيُنشر خلال سنة 2024 سيغير النظام العالمي، أم سيشكل فصلاً آخر مهماً، ولكن غير مفيد، في تدويل النزاع، بينما الوقائع على الأرض أقوى من أي وثيقة. ويجب أن نتساءل أيضاً ما إذا كان على إسرائيل ومواطنيها التخوف من هذه الإجراءات القانونية.
يجب ألّا نتجاهل وضع إسرائيل الخاص التي تواجه عملية نزع شرعية نشطة وتطوعية ومكثفة. فقرار جمعية الأمم المتحدة في كانون الأول 2022 كان سيُتخذ في جميع الأحوال من دون علاقة بهوية الحكومة الإسرائيلية، لكن يبدو أن سياسة الحكومة في المناطق والنقاط التي يطرحها "الإصلاح" ستسهل على المحاكم التوصل إلى قرارات إشكالية بالنسبة إلى إسرائيل.
إدارة الاحتلال، التي تشمل نقل مواطنين من الدولة التي تُحتَل إلى الأراضي المحتلة، وليس بواسطة الجيش، تُعتبر في مفهوم القانون الدولي جناية يرتكبها المُحتل، وهناك مَن يعتبرها "جريمة حرب". وعلى الرغم من ذلك، فإن المجتمع الدولي امتنع حتى الآن من اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، واكتفى بكلام إنشائي في المنتديات المختلفة. وحظيَت إسرائيل طوال أعوام بدعم وصداقة دول غربية ديمقراطية وليبرالية، وعلى الرغم من الكثير من التحديات، فإنها لم تتنازل عن قيَمها. وكان وجود محكمة عدل عليا ومنظومة قضائية مستقلة وقوية، ووجود توازنات وضوابط، وحراس بوابة مستقلين وموضوعيين، وتطبيق مبدأ الحوكمة والتحسينات في منظومة التحقيقات، من مصلحة إسرائيل، كلها أمور قدمت لها طوال أعوام "قبة حديدية" سياسية وقضائية.
مؤخراً، برز التخوف من أن تؤدي الاتفاقات الائتلافية والخطط الحكومية البعيدة المدى وقرارات تنفيذية للحكومة إلى إغلاق الباب أمام أي مفاوضات سياسية، وتصديع "القبة الحديدية" القانونية، وأن يؤثر ذلك في العلاقة بالمجتمع الدولي ودول صديقة، وفي "شهية" المحاكم الدولية. ويمكن التقدير أن العوامل التي بسببها تحظى إسرائيل بتقدير كبير وسط الشعوب (وكوني دبلوماسياً سابقاً، يمكنني أن أشهد على ذلك)، يمكن أن يذهب هذا التقدير إذا تضررت هذه العوامل، أو اختفت من الساحة السياسية/القضائية الإسرائيلية.
لقد جاء في الخطوط الأساسية للحكومة الحالية أن الشعب اليهودي يملك "حقاً حصرياً وغير قابل للنقض على كل أنحاء أرض إسرائيل". وتشكّل الاتفاقات الائتلافية التي سيشجع رئيس الحكومة، وفقاً لها، على البدء بفرض السيادة على الضفة الغربية، إعلاناً صريحاً بأن الاحتلال دائم، ما يتعارض مع الافتراض السياسي للحكومات الإسرائيلية منذ عشرات الأعوام. تعميق استيلاء إسرائيل على "المناطق" ونشاطات حكومتها التي تترافق مع إضعاف المحكمة العليا والمنظومة القضائية، كلها أمور ستعزز ما ستقوله محكمة العدل الدولية في سنة 2024. كما أن تصريحات ومواقف الوزراء في الأشهر الأخيرة تشكل تحدياً وتجاهلاً مطلقاً للتحديات الدولية التي تواجهها إسرائيل، ولتعهداتها كعضو في المجتمع الدولي. كل تحرُّك يعزز التدخل الحكومي والمدني في "المناطق" سيساعد في إصدار بيان واضح من محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال "القانوني" تحول فعلياً إلى "ضم" وأصبح غير قانوني.
يمكن التقدير، بحذر، أن أغلبية الدول لن تسارع إلى استخلاص الخلاصات واتخاذ إجراءات فورية ضد "الضم"، كلٌّ لأسبابه، لكن الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية يمكن أن يؤدي إلى ردود وأضرار جانبية أُخرى، مثل المقاطعة الصامتة والامتناع من الاستثمار والتواجد، ومن إقامة علاقات تجارية. كما أن محكمة العدل الدولية يمكن أن تحرّك مبادرات فلسطينية جديدة ضد إسرائيل، وأن تتحول إلى "لغة دولية متفّق عليها". وسيكون لتصنيف إسرائيل كدولة تنتهك القانون الدولي تأثير بعيد المدى، ومن الصعب محوه. وبهذه الطريقة، ستُشعل هيئة محترمة، مثل محكمة العدل الدولية، وبصورة غير مباشرة، حملة نزع الشرعية عن إسرائيل.
ومن المعقول الافتراض أن الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية سيؤثر بصورة غير مباشرة في تحرُّك محكمة الجنايات الدولية، وفي محاكم دول أُخرى تتولى التحقيق وتنظر في دعاوى ضد أفراد. إن تصنيف إسرائيل كدولة تنتهك مبادئ القانون الدولي يمكن أن يمنح شرعية قانونية للدفع قدماً بإجراءات ضد إسرائيليين متورطين في مهمات "احتلال/ضم". ويوجد تخوف حالياً، وإن كان غير فوري، لدى وزراء وضباط إسرائيليين ومواطنين لهم علاقة بالاحتلال، من السفر إلى الخارج كي لا يتعرضوا للاعتقال، أو رفض منحهم تأشيرة دخول. ومؤخراً، قالت النائبة العامة العسكرية، إن "الإجراءات التي ستمسّ باستقلالية المنظومة القضائية وبفعاليتها يمكن أن تقوّض الحماية التي تقدمها المنظومة القضائية للجيش، وأن تضرّ بمصالح إسرائيل الأمنية، وبالموظفين الذين يعملون في الساحة الدولية".
التخوف محق، وأنا مقتنع بأن الاحترافيين في المنظومة الحكومية مستعدون لأي سيناريو، وهم في المقابل، يُطمئنون جزءاً من القضاة، ويشيرون إلى أن قدرات محكمة العدل الدولية ومواردها محدودة، ولديها سجل محدود جداً في إصدار مذكرات اعتقال، ويجب أن يتوفر الكثير من الشروط للمحكمة، المشغولة، اليوم، بتشجيع من العالم الغربي، بالموضوع الروسي - الأوكراني، كي تحوّل مواردها القليلة واهتمامها إلى ما يجري في منطقتنا. بالإضافة إلى القيود التي تعانيها محكمة العدل الدولية، أضيف وأشير إلى أن تطورات في الساحة السياسية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، يمكن أن تؤثر تأثيراً كبيراً في أحكامها.
مؤخراً، قررت المحكمة العليا في هولندا أن رئيس أركان عملية "الجرف الصامد"، بني غانتس، وقائد سلاح الجو، آنذاك، أمير أشيل، لديهما حصانة ضد الدعاوى المقدمة بحقهما. حتى لو يتم تفسير ذلك بوضوح في قرار المحكمة، يمكن الافتراض أن في خلفية القرار معرفة بأن منظومة القضاء العسكري قوية ومهنية ومستقلة. أيُّ عمل ناجم عن الانقلاب الدستوري، أو أي تغيير، سيغيّر مستقبلاً الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية.
سيشجع الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية اتخاذ إجراءات تشمل عقوبات وتحضير البنية التحتية لإجراءات قانونية تتّخذها محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيليين. لكن الضرر غير المباشر والبعيد الأمد الذي سيلحق بإسرائيل لن يكون أقل خطورة من الضرر المباشر الناجم عن الإجراءات القانونية. إن إضعاف المحكمة العليا والمنظومة القضائية وتعميق قبضة الانقلاب الدستوري على أنماط حياة المواطنين، ستكون لهما تداعيات دولية خطِرة وعملية على مكانة إسرائيل، وعلى حصانتها الوطنية.

عن "هآرتس"