على الرغم من إنجاز لجنة المصالحة المجتمعية خلال الأعوام 2017 حتى العام 2019 ملفات جبر الضرر عن 173 عائلة من ضحايا الانقسام، إلا أنَّ جرح مئات العائلات لم يندمل مُنذ أحداث الانقسام الفلسطيني الداخلي عام 2007؛ لذلك جاءت المبادرة من ثماني فصائل فلسطينية لاستئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعية من خلال تأسيس اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية في الثامن عشر من سبتمبر الجاري.
رسالة شراكة وطنية
وتُركز اللجنة في رسالتها على أنَّ الشعب الفلسطيني وفصائله والمجتمع المدني، قادرين على العمل الوطني المشترك وتحمل الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقهم وذلك في ظل الظروف الوطنية الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية جراء الحصار "الإسرائيلي". وفقًا لتصريح سابق خاص بوكالة "خبر" من رئيس اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية د. أسامة الفرا.
وتضم اللجنة ثمانية فصائل فلسطينية، وهي "تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحركة المبادرة الوطنية والقيادة العامة ومنظمة الصاعقة".
المصالحة المجتمعية ستؤدي لإنهاء ملفات في القضاء
بدوره، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وممثلها في اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية، د. سمير أبو مدللة: "إنَّ اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية التي انطلقت في الثامن عشر من سبتمبر الجاري، أعلنت في باكورة أعمالها أنّها ستعمل على ملفين رئيسين: الأول المصالحة المجتمعية، وهو أحد ملفات المصالحة في القاهرة عامي 2009 و2011، والذي سيعمل على تعزيز السلم الأهلي ويُمهد للمصالحة الشاملة وجبر الضرر عن العائلات التي فقدت أبنائها".
وأضاف أبو مدللة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ إنجاز ملف المصالحة المجتمعية من شأنه أنّ يعمل على إنهاء الكثير من الملفات في القضاء، وكذلك عودة الكثير من الشباب الذين خرجوا من غزّة بعد أحداث عام 2007 على أثر أحدث الانقسام".
وتابع: "الملف الثاني الذي تعمل عليه اللجنة، هو ملف مشاريع إغاثية وحتى اللحظة هناك ثلاثة مشاريع، قيد التنفيذ، الأول هو مشروع توزيع قرطاسية لـ18 ألف طالب ستوزع من خلال وزارة التربية والتعليم، وكذلك مجموعة من الكراسي الكهربائية لذوي الهمم، بالإضافة إلى ترميم منازل الفقراء والمحتاجين بمبلغ يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف دولار وفقًا لمعايير أخصائيين اجتماعين ومهندسين؛ بمعني الخضوع لعمل مؤسسي ومهني".
وبالعودة إلى ملف المصالحة المجتمعية، أكّد أبو مدللة، على أنَّ المرحلة الأولي من ملف المصالحة المجتمعية تم فيه جبر الضرر عن 173 من أسر ضحايا الانقسام، وفي المرحلة الثانية التي انطلقت فعلياً سيتم جبر ضرر 100 ملف من ملفات ضحايا الانقسام على مستوى المحافظات الخمس في قطاع غزة".
وأشار إلى أنَّ إنهاء ملفات ضحايا الانقسام، من شأنه أنّ يُخفف الألم عن الأسر التي فقدت أبنائها والتمهيد للمصالحة الشاملة، ليتم بعد إنجاز المصالحة الوطنية اعتماد ضحايا الانقسام كشهداء للوطن.
أما عن المطلوب لإنجاح ملف المصالحة المجتمعية، رأى أبو مدللة، أنَّه مهما طال الزمن فلا بد من إتمام المصالحة الوطنية، مُتطرقاً إلى تجارب العدالة الانتقالية والمصالحة في المغرب والأرجنتين وجنوب أفريقيا، مُشدّداً على أهمية دعم المواطنين لإنجاز هذا الملف، وكذلك لجان الإصلاح وباقي القوى.
وأكمل: "الكثير من ضحايا الانقسام لم يكن لهم أيّ صلة بالأحداث وكانوا في الطرقات ولم يكونوا على رأس عملهم؛ وبالتالي جبر الضرر عن عوائلهم يُخفف من آلامهم، مع ضرورة اعتمادهم بعد انتهاء ملف المصالحة الوطنية كشهداء للوطن".
الشراكة والتنمية.. كلمة السر لتجاوز الانقسام
من جهته، أكّد رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، على أنَّ ملف المصالحة المجتمعية هو أحد الأركان الأساسية في مسار المصالحة الوطنية، مُشيراً إلى أنَّ هذا المسار تُرك لفترة طويلة بسبب الانقسام ولم يتم تحقيق أدني تقدم به إلا بعد تشكيل لجنة "تكافل" التي قامت برد المظالم وإنصاف 173 عائلة من ضحايا الانقسام ما بين عامي 2017 و2019 ومن ثم توقف عمل هذه اللجنة.
وقال عبد العاطي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّه مع تشكيل اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية، اليوم يعود قطار المصالحة المجتمعية من خلال اتفاق ثماني فصائل فلسطينية، لعودة مسار المصالحة الداخلية وطي صفحة الانقسام الداخلي".
ولفت إلى أنَّ الجهود المبذولة في مسار المصالحة المجتمعية، تؤسس لعودة مسار المصالحة الداخلية الوطنية الشاملة وطي صفحة الانقسام الداخلي، مُشدّداً في ذات الوقت على أنَّ الجهود المبذولة تؤسس لمسار متكامل في مسار المصالحة الوطنية من خلال الالتزام بتحقيق العدالة الانتقالية ومعالجة ما خلفته سنوات الانقسام من آثار سلبية على الحقوق والحريات وبالذات الضحايا الذي قتلوا أثناء أحداث الانقسام".
وبالحديث عن المطلوب لإنجاح ملف المصالحة المجتمعية، أوضح عبد العاطي، أنَّ نجاح تجربة المصالحة المجتمعية، تتطلب ضرورة تطوير العمل، وتفعيل كافة مكونات المجتمع من أجل النجاح في طي صفحة الماضي، وتعزيز السلم الأهلي داخل المجتمع الفلسطيني.
وأردف: "نتطلع بإيجابية، لاستئناف هذا مسار المصالحة المجتمعية، ونأمل أنّ يُعيد هذا المسار الأمل للفلسطينيين في اتجاه الحرص على تعزيز أركان السلم الأهلي وتجاوز انتهاكات حقوق الإنسان".
وحول أهمية مبادرة ثماني فصائل فلسطينية لتأسيس اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية، رأى عبد العاطي، أنَّ هذه الشراكة تؤسس لما بعدها، باعتبار أنّها إيمان والتزام من قبل الفصائل الفلسطينية بضرورة طي صفحة الماضي ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان بما يؤسس لاحقاً لشراكة حقيقية.
وخلص عبد العاطي، في ختام حديثه، إلى أنَّ مضمون كلمة "الشراكة والتنمية" يسمح بعدم الاقتصار على معالجة المشكلات التي خلفها الاقتتال الداخلي، وإنّما أيضاً فتح أفق عمل للفلسطينيين خصوصاً في قطاع غزّة الذي يُعاني سكانه من مخاطر حقيقية جراء الحصار والانقسام، وبالتالي هذا الأمر يُعطي فرصة لتعزيز صمود المواطنين.