للاسبوع الثاني على التوالي تتواصل المواجهات على السياج الفاصل من خلال انطلاق العشرات من الفلسطينيين لمقاومة الاحتلال ومواجهة جنوده في مشهد يعيد الاذهان الى ما جرى خلال مسيرات ومظاهرات العودة التي ارتقى خلالها عشرات الشهداء على مدى سنة كاملة ، مشهد يخلق مزيدا من التوتر وينذر بتصعيد محتمل قد يتحول الى مواجهة جديدة بين المقاومة والاحتلال ..
ندرك جيدا ان المواجهات التي تحركها قيادة حماس تأتي من اجل الضغط على بعض الاطراف وفي مقدمتها اسرائيل وقطر لتحقيق مكاسب وانجازات جديدة تهم الشارع الغزي ، فالسبب الحقيقي وراء هذه المواجهات هو الضغط على اسرائيل من اجل زيادة حصة غزة من العمال للدخول الى الداخل الفلسطيني للعمل بواقع ٢٠ الف عامل مقابل حوالي ١٨٥٠٠ عامل يعملون حاليا لكنهم حرموا من حقهم بالعمل الاسبوع الثاني على التوالي ..
المطلب الثاني من وراء هذه المواجهات يتعلق بالضغط على قطر من اجل ضمان صرف المنحة الشهرية بشكل ثابت وعدم تأخير عملية وصولها للقطاع وان تتم عملية الصرف عبر قنوات فلسطينية بعيدا عن هيمنة اسرائيل ومحاولة تحكمها بالمنحة ..
وفيما يخص قطر فان ورقة الضغط تاتي من اجل اقناع قطر بعدم تغيير قواعد اللعبة لا سيما وان قطر عاتبة جدا على حماس ومنزعجة من تحالفاتها الاخيرة وخصوصا اعادة علاقاتها مع سوريا التي رفضت قطر اعادتها الى الحضن العربي ..
مهما كانت اسباب التوتر في قطاع غزة فان هذه المنطقة الصغيرة وذات الكثافة السكانية العالية تعتبر منطقة منهكة ان جاز التعبير على مختلف الصعد ففيها ما يكفيها من اوضاع اقتصادية صعبة وهشة وازمتها الانسانية متواصلة منذ فترة طويلة الامر الذي يلقي بظلال سوداء ووخيمة على مجمل مناحي الحياة في قطاع غزة التي تحتاج الى الهدوء والحل السلمي بعيدا عن تداعيات اي تصعيد محتمل سيجلب معه نتائج مدمرة على القطاع ..
ومع ادراك الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ان اسرائيل كيان يهتم بالشكليات ومعرفته ودرايته بانه كيان قائم على لغة الحصار والخنق والتجويع وهو ما يحصل اليوم في القطاع فان استمرار الازمة وتعميقها واستمرار المواجهات لن يجلب معه الا الدمار والخراب وهي امور لا يحتملها مجددا القطاع لا سيما وان الحديث هنا لا يتم عن خسائر بشرية مباشرة في الارواح جراء ارتقاء شهداء ووقوع اصابات في صفوف المواطنين فحسب وانما بالقاء ظلال على التنمية الاقتصادية وعلى الوضع الانساني الكارثي ..
تقدر خسائر قطاع غزة يوميا بعشرات ملايين الشواقل نظرا لاستمرار اغلاق المعابر وعدم السماح للعمال بالدخول الى اماكن عملهم وفي ظل عدم وجود مشاريع حيوية بديلة في القطاع فان الازمة الانسانية هناك ستتعمق كثيرا لتنذر بمخاطر اكبر تلقي باعبائها على الوضع الكارثي من مختلف النواحي اضافة الى ان استمرار المواجهات قد يدفع اسرائيل لردود فعل اقوى وهو الامر الذي قد لا ترضى عنه المقاومة لتفتح جبهة جديدة محتملة من حرب الصواريخ التي لا يحتمل قطاع غزة اثارها ونتائجها السلبية ..
ابرزت الصحافة العبرية في الايام الاخيرة حقيقة مهمة ان حماس والمقاومة غير معنية بمواجهة عسكرية جديدة مع الاحتلال الاسرائيلي وانها معنية فقط بتحسين الاوضاع الاقتصادية لصالح المواطنين ، ورغم عدم صدور اعلان رسمي بالعودة الى المظاهرات بحجم كبير وبمشاركة الالاف كما جرى في مسيرات حق العودة الا ان قيام بعض النشطاء باعمال حفر قرب السياج واستدعاء مصورين وصحفيين لتصوير وقائع التواجد اليومي هناك يعتبر رسالة من حماس لاسرائيل انها قادرة على اعادة النشاطات قرب السياج من خلال مظاهرات واطلاق بالونات حارقة وغيرها من اشكال المقاومة ..
حركة حماس لا ترغب في التورط في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ولكنها ترغب في توجيه رسالة إلى القدس، الأمم المتحدة وقطر بخصوص الحاجة الماسة لتحسين ظروف المعيشة في القطاع. وأيضًا، على خلفية التصعيد في الضفة الغربية، ترغب حماس بإيصال رسالة إلى إسرائيل مفادها أنه لا يمكن فصل الوضع في قطاع غزة عن الضفة الغربية.
ووفقًا لمصدر مطلع فإن حماس لم تقرر بعد ما إذا كانت ستسمح بتصعيد واسع نحو السياج، وأن ضغوطًا شعبية تُمارس على الحركة للتصرف أمام إسرائيل.
جاء الرد الاسرائيلي باغلاق معبر بيت حانون امام دخول الغزيين للعمل كرسالة اسرائيلية واضحة بانها لن ترضخ للمطالب والشروط التي تطالب بها حماس وفي مقدمتها زيادة عدد العمال الفلسطينيين المسموح لهم بالدخول للعمل في الداخل الفلسطيني
ونقلت اسرائيل رسالتها عبر منسق عملية السلام في الشرق الاوسط تور وينسلند وعبر الوسطاء المصريين والقطريين ومفادها ان اسرائيل لن تهتم بظروف المعيشة في قطاع غزة وتحسينها ولن تسمح بدخول العمال للعمل الا اذا توقفت المظاهرات على السياج الحدودي ..
وقالت اسرائيل انه اذا ساد هدوء فانها ستنظر بطلب حماس برفع عدد العمال لكن ذلك مشروط بموافقة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو ووزير جيشه يؤاف جالانت ..
هل تحقق المظاهرات مطالب حماس وتحصل على حقوق العمال بالقوة ام ان لغة الهدوء ستفرض نفسها على المعادلة الخاصة بتحسين الاوضاع الاجتماعية المعيشية لمواطني القطاع ..
يحمل الخيار الاول مخاطر عديدة فاللجوء الى القوة في هذه المرحلة قد يدفع المنطقة الى مواجهة كبيرة ومن هنا فالارجح في ضوء الضغوطات الدولية ان يتم حل هذه الاشكالية في أمد قريب من وراء الكواليس بطريقة دبلوماسية وبرضى كافة اطراف المعادل وهذا ما حصل بالسماح لدخول عمال غزة اليوم للعمل .