في الأيام الأخيرة جرت اتصالات محمومة بمشاركة إسرائيل، "حماس"، الأمم المتحدة، مصر، وقطر، في محاولة لتهدئة التصعيد الجديد على حدود قطاع غزة.
منذ أسبوعين وفي كل مساء تجري تظاهرات فلسطينية عنيفة أمام قوات الجيش الإسرائيلي على طول الجدار الأمني. تمسك سلطة "حماس" في القطاع بالخيوط، رغم أنها تحذر حتى الآن من الإعلان عن تحمل المسؤولية عن التظاهرات بشكل علني.
لا يتعلق الأمر باحتجاج شعبي فقط. فبين المتظاهرين هناك أيضا شباب يحملون المسدسات، ويطلقون من مسافة عشرات الأمتار النار على جنود الجيش الإسرائيلي.
في الحادثة التي وقعت في منتصف الشهر الجاري قرب الجدار قتل في "حادثة عمل" أثناء وضع عبوة ناسفة خمسة فلسطينيين، ويمكن التقدير بأن هذه العبوة كانت ستتسبب بالأضرار إذا تم تشغيلها ضد سيارة عسكرية.
ترتبط الأحداث على الجدار بمحاولة "حماس" ترسيخ مكانتها في الساحة الفلسطينية، وبطلباتها من قطر وإسرائيل: بتحويل كامل لمنح المساعدة القطرية وزيادة عدد العمال من القطاع، المسموح لهم بالعمل في إسرائيل. ولكن يبدو أنه في الخلفية هناك أيضا إدراك من قيادة "حماس" في غزة بأن مجال مناورة إسرائيل ضئيل. حسب هذه المقاربة فإن الحكومة منشغلة بالأزمة السياسية، التي هي جميعها من صنع يدها، وستجد صعوبة في تجنيد الإصغاء والجهود لعملية عسكرية في القطاع. ربما أن "حماس" مخطئة، عندها ستكتشف أن الاحتكاك العسكري بالتحديد سيخدم حكومة نتنياهو، كحرف انتباه مؤقت عن التعقيد الموجود في الساحة الداخلية.
التظاهرات على طول الجدار، التي اعتبرت في البداية "مسيرات العودة" بدأت في 2018 واستمرت سنتين تقريبا إلى أن تم وقفها عند خلال وباء كورونا. في 2021، بعد عملية "حارس الأسوار"، صعدت إلى سدة الحكم في إسرائيل حكومة بينيت – لابيد وأجرت تغييرا في السياسة، 17.500 غزي سمح لهم بالعمل في إسرائيل، للمرة الأولى بعد عقدين تقريبا.
التفكير كان أن تحسين الوضع الاقتصادي بعد سنوات طويلة من الانهيار سيهدئ "حماس"، وسيلزمها بكبح العنف من اجل أن تستمر الأموال في التدفق، حتى لو احتاج الأمر التصادم مع فصائل فلسطينية صغيرة.
نجحت هذه الطريقة بدرجة معينة، وتم تبنيها أيضا من قبل حكومة نتنياهو عندما عاد اليمين إلى الحكم، رغم التصريحات المستمرة حول الحاجة إلى اتباع القبضة الحديدية تجاه "حماس".
لكن أيضا في الطريقة الحالية توجد نقاط ضعف. أولا، استمرت "حماس" في التحريض بشكل حثيث لتنفيذ عمليات "إرهابية" من "المناطق" التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مع ضخ الأموال وإعطاء توجيهات لشبكاتها العسكرية هناك. ثانيا، بصفتها منظمة مقاومة وملتزمة بأيديولوجيا محاربة إسرائيل فان "حماس" لم تكف عن بناء قوتها العسكرية في القطاع، ومؤخرا بدأت أيضا في السماح مرة أخرى بتنفيذ نشاطات عنيفة على طول الحدود.
في الضفة الغربية تندمج جهود "حماس" مع جهود إيران و"حزب الله"، التي هدفها تهريب البنادق والمسدسات والعبوات الناسفة التقنية إلى "المناطق" (بعضها يصل أيضا لاستخدام منظمات الجريمة العربية داخل حدود الخط الأخضر).
يتعلق التوتر الحالي أيضا بما يحدث في القدس. في الأسبوع القادم يتوقع وصول جماعي لليهود إلى الحرم أثناء عيد العرش. في أوساط الفلسطينيين يوجد تحريض على هذه الخلفية، وتسمع دعوة للعمل بقوة من أجل منع وصول المصلين اليهود إلى الحرم.
الخطوات السياسية التي تجري الآن من وراء الكواليس تستهدف تهدئة النفوس في غزة، وأيضا لمنع اشتعال جديد في القدس.
أحد التسهيلات، التي تناقش الآن بشكل غير مباشر مع "حماس"، يتعلق بزيادة عدد العمال الغزيين الذين يسمح لهم بالدخول للعمل في إسرائيل إلى 20 ألف عامل، حسب الخطة التي أعدت في جهاز الأمن قبل بضعة اشهر (دخول العمال تم وقفه مؤخرا ردا على أعمال العنف على طول الجدار، ويتم استئنافه، صباح أمس، بعد ليلة من الهدوء النسبي).
ما تجنبت الحكومة وجهاز الأمن فعله هو إعادة فحص السياسة تجاه غزة. يمكن الادعاء، بدرجة كبيرة من الصدق، أنه إزاء الأخطار في ساحات أخرى (الأزمة الداخلية، الحدود مع لبنان، والضفة) فإن الهدف هو تهدئة النفوس في القطاع، حتى بثمن تحمل مخاطرة معينة. ولكن في هذه الأثناء يبدو أن إسرائيل تبيع نفسها مفهوم خاطئاً يقول إن "حماس" ملتزمة بتهدئة طويلة المدى، وأن الجمهور في غزة أحب التحسُّن الاقتصادي، ولذلك سيضغط على "حماس" كي لا تخرق الهدوء. عمليا، رغم أن الغزيين يخسرون نحو 10 ملايين شيكل في اليوم منذ وقف دخول العمال، إلا انهم في هذه الأثناء لم يتراجعوا بعد.
الحلقة الضعيفة
جهود إيران لزيادة العمليات تم تجسيدها في البيان الذي نشره "الشاباك"، أول من أمس، والذي جاء فيه: تم الكشف عن خلية تتكون من ثلاثة فلسطينيين في الضفة، ومواطنين عربيين إسرائيليين، خططوا لتنفيذ عمليات "إرهابية" بتوجيه من المخابرات الإيرانية.
ضمن أمور أخرى، أرادوا تهريب السلاح إلى داخل إسرائيل والمس بشخصيات رفيعة هنا. وقد تمكنوا، بتوجيه من إيران، من إحراق سيارات في حيفا.
يمكن أن يكون هذا اليوم الأكثر سعادة بالنسبة لإيتمار بن غفير. من بيان "الشاباك" يتبين أن الوزير كان هدف إيران الأساسي، لكن توقيت النشر لم يكن ناجحا من ناحية مهرج الأمن الوطني.
قبل يوم أعلن نيته القدوم اليوم إلى تل أبيب لإقامة صلاة علنية هناك من خلال الفصل بين الجنسين احتجاجا على الأحداث التي حدثت في المدينة في "يوم الغفران".
أول من أمس قتل ستة مواطنين عرب في أعمال قتل في بسمة طبعون وفي حيفا. في صور أولية للحادثة ظهر القاتل وهو يطلق النار بوساطة سلاح أوتوماتيكي على سيارة في وضح النهار على شارع رئيس من مسافة بضعة أمتار.
الحادثة الثانية، التي كانت على ما يبدو انتقاما على الحادث الأول، قُتل فيها خمسة أشخاص من أبناء عائلة واحدة.
بينما ظهره إلى الحائط، سارع بن غفير إلى الإعلان عن إلغاء الصلاة المخطط لها بذريعة مخففة، وذهب إلى بسمة طبعون. ولكن الأحداث الأخيرة، في تل أبيب وفي الشمال، أثبتت إلى أي درجة تحول إلى الحلقة الضعيفة في حكومة الإرهاب هذه.
لا توجد لديه أي حلول لتفشي الجريمة والسلوك منفلت العقال والعنف لدى جزء من قوات الشرطة. وليس هذا فقط، بل يضيع وقته على استفزاز الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي. في الاحتجاج يعتبرونه وبحق اللبنة الضعيفة في حائط الائتلاف. لذلك، من المرجح أن جزءا غير قليل من نشاطات الاحتجاج سيتركز على هذا الكهاني السابق، الذي بفضل نتنياهو وجد نفسه وزيرا كبيرا في الكابينت، وهو المنصب الأكبر بكثير من حجمه وقدراته.
عن "هآرتس"