هارتس : كيف يمكن أن تحمي إسرائيل نفسها من نتنياهو؟

غيدي.jpeg
حجم الخط

بقلم: غيدي فايس



ناقشت المحكمة العليا، أول من أمس، أحد الأسئلة الأكثر وضوحا لتعديل قوانين الأساس، وهو المشروع الذي كان يمكن أن يضع الأعمدة الأساسية للدستور المستقبلي، الذي تحول في فترة بنيامين نتنياهو إلى مدينة لجوء لقوانين شخصية تم الدفع بها قدما لأسباب يشوبها الفساد. تعديل قانون الأساس، الذي يرتب كما يبدو المسار لإخراج رئيس الحكومة إلى وضع عدم الأهلية، لا يلبي حاجة سياسية بل حاجة نفسية – مرضية: خوف رئيس الحكومة الشديد من جهاز القضاء، أو من الدولة العميقة، حسب تعبيره. "هم يريدون رؤيتي في السجن"، عاد وقال في السنوات الأخيرة، باقتناع داخلي عميق، أيضا قال ذلك عن قضاة المحكمة العليا. افتراضه لم يتغير حتى عندما شرعنت المحكمة توليه منصبه في الوقت الذي كان متهما فيه بمخالفات جنائية. بالنسبة له، قانون عدم الأهلية هو الدرع الواقي له من زمرة المتآمرين.
الدليل القاطع على أن القانون تمت حياكته ليلائم شخصيا حضرة نتنياهو قدمه عدد من أعضاء الكنيست، الذين دفعوا قدماً بحماسة هذا القانون. "لقد فعلنا ذلك بسبب حادثة نتنياهو"، اعترف أحد الأشخاص الأقل حنكة من بينهم، وهو موشيه سعادة. القانون "غارق من قمة الرأس إلى اخمص القدم في دافع شخصي"، أشار في الجلسة القاضي اسحق عميت، رئيس المحكمة العليا القادم، وأثار الخوف في الائتلاف.
كان تعديل القانون إشكالياً جدا، حتى لو أنه لم يكن على رأس الحكومة شخص متهم بالفساد، ويستغل منصبه في محاولة للهرب من رعب المحاكمة. حسب التعديل، فقط رئيس الحكومة نفسه يمكنه الإعلان عن عدم أهليته، أيضا عندها سيكون بحاجة إلى أغلبية ساحقة في الحكومة وفي الكنيست، ستعطيه الضوء الأخضر للاستقالة. هذه صيغة متطرفة وملتوية، ولدت بشكل مستعجل من خلال الهستيريا، واستهدفت السماح لشخص واحد بالعمل بدون قيود. يبدو أن المستشارة القانونية للكنيست، سغيت آفي، فقط هي التي كانت تعتبره متزنا. كما أشار القاضي عوفر غروسكوفف فإن "الحديث يدور عن تغيير قواعد اللعب أثناء اللعبة".
مناقشة مسألة عدم أهلية رئيس الحكومة لأسباب غير صحية ترتبط بعلاقة مباشرة مع ازدياد مظاهر الفساد في القيادة في العقود الأخيرة. عندما كان إيهود أولمرت متهما بمخالفات جنائية طلب معارضوه إجباره على إخلاء مكانه. قضاة المحكمة العليا، الذين رفضوا الالتماسات، وافقوا على الافتراض الذي مكن من إخراج رئيس حكومة توجد إجراءات قانونية ضده إلى حالة عدم الأهلية، لكنهم قرروا بأن المستشار القانوني للحكومة سيفعل ذلك في حالات استثنائية فقط. عملياً، آمن القضاة بأن الأمر يتعلق بمسألة نظرية لم تتعرض لاختبار الواقع. وهكذا استقال أولمرت حتى قبل تقديم لائحة اتهام ضده.
بلغ الأمر الذروة عندما أصبح نتنياهو متهما، وعندما أصبح من الواضح للجميع أنه يقود البلاد بهدف واحد في عقله وهو تعويق الإجراءات الجنائية ضده. الدليل على نفسية رئيس الحكومة قدمه أحد المخلصين السابقين له، زئيف الكين، عندما حاول منع حل الحكومة مع غانتس، وجه إليه نتنياهو ادعاء ساحقا بالاستناد إلى جولة انتخابات أخرى: ما يريده هو أن يكون مشاركا في تعيين المدعي العام القادم للدولة.
خلال النقاش حلق في الجو سؤال هل ستتجرأ المحكمة على المس بلب القصة؟ عندما اعطوا الشرعية للوضع المشوه الذي يترأس فيه متهم بمخالفات جنائية الحكومة بذريعة غياب الصلاحية، شرح القضاة بأن علاج المرض في نظام الحكم هذا هو اتفاق تضارب مصالح يمنع نتنياهو من الانشغال بمواضيع تخص محاكمته. نائب رئيسة المحكمة العليا السابق، حنان ملتسر، قال، إن تلبية شروط الاتفاق استهدفت "منع دخول رئيس الحكومة إلى وضع عدم الأهلية". النهاية معروفة: داس نتنياهو على الاتفاق وبادر إلى انقلاب نظامي، يمكنه إنقاذه من مصيره. عندما خشي من أنه يمكن أن يدفع الثمن على سلوكه وهو في منصبه ولد قانون عدم الأهلية. رئيسة المحكمة العليا، استر حيوت، مست للحظة هذا الموضوع. "كل شيء مرتبط ببعضه"، قالت لمحامي رئيس الحكومة، ميخائيل رفيلو، وذكرت أن تعديل القانون استهدف فقط السماح لنتنياهو بالتجاوز الذي وضعته المستشارة القانونية للحكومة، بهراف ميارا، وهو الامتناع عن الانشغال بـ"الإصلاح".
حتى الآن اكتفى قضاة المحكمة العليا بالملاحظات الجانبية حول الظروف التي يمكن فيها الإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة، الذي يستخدم قوته لإزالة الغيمة الجنائية التي تحلق فوق رأسه. الأمر الذي تم إصداره وأقوالهم في الجلسة توضح بأنهم لا ينوون إلغاء التعديل، بل هم فقط يفحصون تأجيل موعد دخوله حيز التنفيذ، كما تصرفوا مع قانون طبرية، سيئ السمعة. ولكن في هذه المرة يوجد لقرار الحكم دور اكثر أهمية. فإذا تم تأجيل بدء سريان القانون فسيكون للقضاة فرصة للتوضيح بقرار حكم مبرر ومنظم أي الأدوات، إذا وجدت، توجد لدى جهاز إنفاذ القانون للتعامل مع رئيس الحكومة الذي يعمل بشكل علني وسري من أجل نفسه فقط.
في مكان سليم فإن المتهم لم يكن بإمكانه الوقوف على رأس الحكومة؛ في مكان شبه معطوب كان يمكنه مواصلة الحكم، ويناضل من اجل براءته، وكان سيتجنب المس أيضا بالجهات المسؤولة عن تقديمه للمحاكمة أو التي يمكن أن تقرر مصيره، ولو من بعيد. في مكان ضائع يفضل رئيس الحكومة بقاءه الشخصي على المصلحة العامة. ولأن إسرائيل تبدو مثل مكان ضائع فإنه لا مناص أمام القضاة من وضع قوانين اللعب غير الموجودة.
في الجلسة كان من الواضح أيضا أن المستشارة والقضاة أيضا يخشون من أسئلة مثل متى يجب وضع رئيس الحكومة على مسار عدم الأهلية، وما هي البدائل لذلك؟ ستقدم الإجابات، ربما في قرار الحكم. وإلا فستكون هذه مقولة مدوية: إذا لم يكن، حسب رأي قضاة المحكمة العليا، أي سبيل لوقف رئيس الحكومة، فإنه من الأفضل قول ذلك على الفور، وأن يضعوا حدا لحفل الأقنعة، الذي تضع فيه جمهورية الموز قناع دولة القانون.
لن ينتظر الواقع طويلا. ماذا سيحدث مثلا إذا تملص نتنياهو مرة تلو الأخرى من تقديم الشهادة في محاكمته، أو حاول إقالة المستشارة القانونية للحكومة أو قام بتعيين مدعي عام على رأس النيابة العامة؟ أيضا النتائج المدمرة للمصادقة التي أعطاها المشرع والمحكمة العليا لبقاء المتهم هي نتائج واضحة في كل مكان: يكافئ نظام الحكم شهودا تقلبوا لصالح الرئيس، وترقية ضباط شرطة عملوا في التحقيقات مع رئيس الحكومة تم تجميدها، والوزراء الذين يهاجمون بشكل وحشي المستشارة. درة التاج هو الانقلاب النظامي الذي استهدف تحطيم ما تبقى من المراجعة القضائية للنظام والسيطرة على إجراء تعيين القضاة.
الحدث، الذي ولد الواقع الإسرائيلي، تجدد، مؤخرا، في ظل توصية القضاة للنيابة العامة، وراء الأبواب المغلقة، سحب تهمة الرشوة في الملف 4000. منذ ذلك الحين استمعت الهيئة إلى بعض الشهادات المدهشة لمدراء كبار سابقين في موقع "واللاه" تضاف إلى الصورة الواضحة عن الرشوة التي قدمها عملاق الإعلام، الذي سحق مفصل حرية الصحافة من اجل الحصول على أموال ضخمة من هيئة التنظيم الرئيسة.
التقدير الحذر هو أن قضية الدعوى في المحكمة ستنتهي في بداية السنة القادمة. في الأشهر القريبة القادمة سيتركز الاهتمام على "المشهورين" الذين سيظهرون في المحكمة شهوداً، من بينهم تسيبي ليفني ويهودا فنشتاين ومريام ادلسون وتامير باردو ويوفال ديسكن وتساحي هنغبي وزئيف الكين وبالطبع ياريف لفين. في العام 2017، في شهادته الملتوية في الشرطة في الملف 2000، سئل لفين متى تحدث آخر مرة مع رئيس الحكومة. "أمس أو أول من أمس"، أجاب، "لقد سألني عن لجنة تعيين القضاة". يتبين أن اللجنة شغلت رئيس الحكومة حتى قبل ست سنوات، في الشهر الذي اصبح فيه متهماً. إذا لم يتم التشويش على الإجراءات القانونية فإن نتنياهو نفسه يمكن أن يصعد إلى منصة الشهود في منتصف السنة القادمة، ويشهد لأسابيع طويلة. الأشخاص المطلعون على الموضوع قالوا للصحيفة، إن بهراف ميارا تخاف من أن يحاول التملص من هذا الوضع أو تأجيله بقدر الإمكان من خلال إقالتها من منصبها وقص أجنحتها أو بأي تلاعب آخر.
على الرغم من أن نتنياهو داس على اتفاق تضارب المصالح، إلا أن بهراف ميارا لم تكن بحاجة حتى الآن إلى مسألة إخراجه إلى عدم الأهلية. وكما ذكرت الرئيسة حيوت مرة تلو الأخرى في الجلسة فإن المستشارة لم تفكر على الإطلاق بأنه توجد لها صلاحية لذلك. فقد اعتقدت أن قضاة المحكمة العليا هم الذين يجب عليهم الرد على السؤال الأساسي: ما هي الخطوط الحمر التي وراءها يجب فحص استخدام سلاح يوم القيامة؟ ممثلها في الجلسة، عنار هلمان، قال ذلك بشكل صريح. هذا كان الادعاء الأضعف له: إذا كانت المستشارة لا تعتقد أنه توجد لها صلاحية لإخراج نتنياهو إلى عدم الأهلية فلماذا يعارض بمثل هذا الحماس تعديل القانون؟ يبدو أنه هو أيضا أدرك ذلك، وفيما بعد أراد التعديل: "حتى لا يتم الفهم بأنني قلت إن تضارب المصالح لا يمكن أن يؤدي أبدا إلى الإعلان عن عدم الأهلية".
في الوقت الحالي يصعب تحديد هل موعد دخول القانون حيز التنفيذ سيتم تأجيله حقا؟ بعض القضاة، على رأسهم الرئيسة حيوت والقاضي عوزي فوغلمان والقاضي عميت، ظهروا كأنهم يؤيدون مثل هذه الخطوة، لكن في التشكيلة ظهر انقسام عميق بينهم وبين القضاة المحافظين الذين يتحفظون على التدخل في تشريع قانون أساس. حتى أن بعضهم دافعوا عن التعديل بادعاءات ساذجة ومثيرة للغضب، مع إغلاق العيون إزاء الصورة الكبيرة والظروف المتطرفة التي ولد فيها. فاجأ القاضي يوسف الرون عندما توجه إلى هلمان بلهجة توبيخ تقريبا وقال: "سيدي كتب (ردا على الالتماس) أمورا قاسية جدا... موضوع طهارة المعايير طوال الوقت يكرر نفسه. ألم تذهبوا بعيدا؟". للحظة كان يمكن التفكير بأنه على رأس الحكومة يقف شخص نزيه، مناحيم بيغن أو اسحق شامير، قرر بأنه حان الوقت للتوضيح بتشريع واقع نظامي ضبابي، وليس شخصا يمثل أمام المحاكمة بسبب مخالفات فساد خطيرة.

عن "هآرتس"