الحل الفلسطيني بالداخل ومن الداخل

حماده الفراعنه
حجم الخط

لم يكن نجاح نتنياهو في رئاسة حزب الليكود، الشهر الماضي، وبلا منافس مجرد انتصار سياسي لشخصه، بل اعتبره السفير الإسرائيلي السابق أوري سافير على أنه انتصار أيديولوجي لما يمثله نتنياهو من مفاهيم وتوجهات وسلوك سياسي انعكاساً لثورة اليمين المتطرف الذي يتعمق دوره في حياة المجتمع الاستيطاني التوسعي الإسرائيلي، وتتسع فلسفته وتصبح رؤيته هي السائدة في إدارة المشروع الاستعماري الصهيوني.

ويرى سافير أن المعسكرين الإسرائيليين: المعسكر الليبرالي والمعسكر اليساري الصهيوني، قد سلما بالنتائج ورفعا الراية البيضاء تعبيراً عن الاستسلام لقوة اليمين المتطرف ونفوذه وهيمنته على الحياة السياسية الإسرائيلية، غامزاً نحو رئيس المعسكر الصهيوني إسحق هيرتصوغ الذي أعلن مؤخراً أن «الوقت غير مهيأ لدولة فلسطينية»، وهو تعبير عن هزيمة اليسار الصهيوني الذي مثله حزب العمل، نحو شعار أو برنامج حل الدولتين الذي بدأه الحزب في عهدي إسحق رابين وشمعون بيريس، وتسليمه بأن هذا البرنامج في عهد ورؤية نتنياهو وما خلفته سياساته وإجراءاته على الأرض ينسف حل الدولتين.

ووصف سافير هذه النتائج بأنها «ثورة نحو نظام غير ديمقراطي، قومي عنصري متطرف»، أي أن نتائج ازدياد نفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف وشيوع سياسته وأنها الخيار الأقوى في مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني الإسرائيلي ليس فقط نحو الفلسطينيين، بل إن تأثير هذه السياسة تشمل الضرر الواقع على الاتجاهات السياسية الليبرالية واليسارية الإسرائيلية، وهو «كابوس لكل شخص ليبرالي ديمقراطي محب للسلام»، كما وصف ذلك في مقالته في معاريف العبرية قبل أيام، والسؤال إذا كان أوري سافير يصل إلى هذا الاستخلاص، فماذا بشأن الشعب العربي الفلسطيني، وقياداته وفصائله وقواه الحية؟ الاتجاه الذي يُعبر عنه أوري سافير، يرى حجم التراجع في خيارات المجتمع الإسرائيلي وأغلبيته عن حل الدولتين، ومثلما يرى حجم التراجع الإسرائيلي وأكثريته عن الخيارات الليبرالية واليسارية، وتعميق الخيارات العنصرية المتزمتة، واندفاع الاتجاهات الدينية الرجعية، وانعكاس ذلك نحو القطاعات الثلاثة التي تتأثر بخيارات المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف وازدياد العنصرية: أولها فلسطينيو مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وثانيها اليهود الليبراليون واليساريون، وثالثها الفلسطينيون في مناطق الاحتلال عام 1967 أبناء القدس والضفة الفلسطينية والقطاع، كل حسب دوره ووفق برامج وتوجهات تصعيدية مختلفة ضده، ويرغب أوري سافير أن يقول: إن قطاعاً من الإسرائيليين يتأثرون سلباً من سياسة نتنياهو وسلوكه فما بالكم بالفلسطينيين سواء أبناء مناطق 48 أو أبناء مناطق 67. التراجع والتطرف الذي يجتاح المجتمع الإسرائيلي لا يقابله تطور سياسي نوعي ملموس لدى الشعب العربي الفلسطيني وقواه الحية، ولا يوجد تفسير أو إجابات لدى قادة الرأي العام الفلسطيني حول كيفية مواجهة التحديات التي يُخلفها سلوك المجتمع الإسرائيلي وخياراته السياسية.

فعلى صعيد أبناء مناطق 48، فقد فهموا واستوعبوا التطور النوعي الذي طرأ على المجتمع الإسرائيلي وتأثيراته السلبية عليهم، فكان ردهم بقرارهم تشكيل القائمة العربية اليهودية المشتركة، والتي أدت نتائجها لنجاحها في الانتخابات البرلمانية، وانتخاب القائد الفلسطيني محمد بركة رئيساً للجنة المتابعة، وإقرار يوم 30/1/2016، من كل عام، يوماً تضامنياً لهم يُوحدهم في مواجهة العنصرية والتطرف، ومن أجل تحقيق المساواة على أرض بلادهم. ولكن الفلسطينيين في مناطق 67، شكلت احتجاجاتهم على شجاعتها الفردية وتضحيات المبادرين لها من الشباب، حالة نزف وانفعال ثوري مخلص يعكس التفاني، ولكنه لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة المطلوبة بالنهوض الوطني، والتحول إلى ثورة شعبية تقودها فتح وحماس واليسار الفلسطيني والاتجاه القومي، والشخصيات الاجتماعية، فالاتفاقات مكبلة للفصيلين عبر التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتفاهم الأمني بين غزة وتل أبيب، ما يعكس الفجوة بين تطلعات الشباب واندفاعهم الثوري، وبين عجز القيادات عن تحقيق وبلورة برنامج وحدوي يضم الجميع.

الرفض الشخصي لدى الفلسطينيين كما يعبر عنه استخدام السكاكين، تعبير عن المأزق الفلسطيني بقدر ما هو فشل لخيارات الإسرائيليين حول كيفية تعاملهم مع الفلسطينيين. الفلسطينيون على غير عاداتهم بعد النكبة، يفتقدون لروح المبادرة السياسية، ومكبلون بسياسات لم تثمر عن تحقيق تقدم يلبي تطلعاتهم نحو المساواة في مناطق 48، والاستقلال في مناطق 67، والعودة للاجئين، وهو مأزق صنعوه لأنفسهم وباتوا أسرى التخلف والأصولية التي أصابت المجتمع العربي عموماً فأصابتهم، مع أنهم كانوا مبادرين رغم التخلف العربي، وكانوا يعبرون دوماً عن الشرائح المتقدمة والتعددية