تحتفل مصر في السادس من أكتوبر/ تشرين الاول الجاري بمرور خمسين عامًا على حرب أكتوبر، وكانت هذه التجربة هي الخامسة التي خاض فيها الجيش المصري حربًا إقليمية.
حيث شارك جمال عبد الناصر عندما كان قائدًا عسكريًا في معركة الفلوجة، حاول منع النكبة ضد الفلسطينيين ولكن بدون أي نجاح، نظرًا لتآمر الأنظمة العربية آنذاك ضد الشعب الفلسطيني.
وبعد عام 1952 واستيلاء عبد الناصر على الحكم في مصر، هوجم الجيش المصري من قبل إسرائيل، فرنسا وبريطانيا عام 1956 في معركة سيناء، حيث دُحروا جميعًا من قبل الجيش المصري.
وقد فشلت المغامرة المصرية في أوائل الستينات في اليمن، عندما أرسل الرئيس المصري قواته إلى اليمن لمساعدة حلفائه في صنعاء آنذاك.
هذا وتكبد الجيش المصري أكبر خسارة تاريخية فادحة في الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967، عندما هاجمت إسرائيل الجيش المصري في سيناء وأجبرته على الانسحاب من هناك عبر قناة السويس، الامر الذي أدى إلى نكسة قومية شاملة، خسرت مصر صحراء سيناء وقطاع غزة، وخسرت سوريا أيضًا هضبة الجولان، وانسحب الجيش الأردني من الضفة الغربية والقدس، لتسيطر إسرائيل بالكامل على كافة أراضي فلسطين.
ومباشرة بعد النكسة في يونيو/ حزيران 1967 أعلن جمال عبد الناصر تحمل المسؤولية عن النكسة والاستقالة من رئاسة الجمهورية في مصر.
ولكن المظاهرات المليونية حالت دون استقالته، الامر الذي أجبر فيه على الرجوع والامساك بزمام المبادرة ورئاسة الجمهورية، وقام بعدها بعمليات تطهير واسعة شملت قيادة الأركان ووزارة الدفاع وعلى رأسها المشير عبد الحكيم عامر الذي انتحر مباشرة بعد الحرب.
وبعد مدة قصيرة من النكسة، أي في أواخر عام 1967 بدأت مصر وبدعم من الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة، بعملية تحديث واسعة للجيش المصري، وبدأت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات.
حيث استهدفت إسرائيل العمق المصري، خاصة في بور فؤاد وبورسعيد، مستعينة بطائرات الفانتوم الحديثة التي زودتها الولايات المتحدة بها.
كما دعم الرئيس المصري حينها بقرار عربي عقد في مؤتمر الخرطوم، الذي نادى بتطبيق قرار مجلس الامن 242 لانسحاب من كافة المناطق التي احتلت في يونيو 1967، لكن إسرائيل استمرت في المماطلة والادعاء بأن هذا القرار لا يشمل الانسحاب من كل الأراضي، بل من أراض عينية يمكن التفاوض عليها، بعد أن يتوقف الهجوم المصري في حرب الاستنزاف.
وفي نفس الوقت لم تقم حكومة جولدا مئير، بأي مفاوضات مع الطرف المصري، فبعد الدعم العسكري الهائل الذي تلقته من الولايات المتحدة في حينها، استمرت في ضرب العمق المصري ليصل إلى العديد من المناطق عبر قناة السويس، حيث تكبد الجانب المصري خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، وتكبّدت إسرائيل أيضًا خسائر فادحة من الجيش المصري.
ودوليًا كان المعسكران السوفييتي والامريكي، ينظر إبان الحرب الباردة إلى تلك الحرب كحقل تجارب لأسلحة الطرفين.
ولم تستطع إسرائيل حسم المعركة، وفي السادس من يوليو/ تموز عام 1970 وافق الطرفان على القبول بمبادرة روجرز لوقف حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، لتستمر بعدها حالة اللاحرب واللاسلام بين الطرفين.
وفي الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول، أي بعد شهرين ونصف الشهر من القبول بمبادرة روجرز، صعق العالم عندما رحل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وفارق الحياة إثر نوبة قلبية مفاجئة وهو في الثانية والخمسين من عمره.
ومباشرة بعد مجيء السادات، استمر الجيش المصري في التحضيرات لإعادة صحراء سيناء والأراضي المصرية التي احتلت عام 1967، وكان يتوسل في خطاباته إسرائيل والعالم بأن يحاولوا التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى انسحاب اسرائيلي شامل من كافة المناطق المصرية، لكن لا حياة لمن تنادي.
وفي خطابات الثورة في الثالث والعشرين من يوليو/ تموز اعوام1971\72\73، كان السادات يقول إن هذا العام سيكون عام الحسم، أما حكومة إسرائيل بقيادة جولدا مئير، لم تكترث لهذه الخطابات البتة، حيث كانت نظرية الامن القومي الإسرائيلي تؤمن بأن الجيش المصري يقف عبر الضفة الثانية للقناة ومن المستحيل أن يستطيع القيام بعبور القناة، نظرًا لعدم قدرته على ذلك وللتحصينات العسكرية الضخمة التي كانت متواجدة في الطرف الثاني من الضفة في الناحية الإسرائيلية.
وقد استمرت حالة الفرّ والكرّ هذه حتى السادس من أكتوبر/ تشرين الاول عام 1973 ، عندما كانت المفاجأة الكبرى وقام الجيش المصري بعبور القناة في يوم الغفران، التي احتفلت إسرائيل به قبل أسبوع، عندما سرّبت من الأرشيف القومي عشرات الالاف من الوثائق المستندات والبروتوكولات التي تتعلّق بالأمن القومي مراسلات الحكومة لجنة الخارجية والامن قيادة الأركان الاستخبارات العسكرية والموساد، وسلطت تلك الوثائق التي بلغت عشرات الآلاف، الضوء على الفشل الاستخباراتي الضخم وغير المتوقع للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، خاصة جهاز المخابرات العسكرية والخطأ بالتقديرات، واستبعاد شن مصر وسوريا حربًا مباغتة على إسرائيل.
واليوم بعد خمسين عامًا، يحاول الاعلام والرأي العام الإسرائيلي استنتاج العبر لما حدث، ولماذا لم يتوقع هذا الهجوم المصري، على الرغم من أن كلّ الإشارات كانت واضحة بأن هجومًا مصريًا سوف يأتي قريبًا.
وأجمعت تلك المستندات والشهادات للضباط والجنود بعد خمسين عامًا على أن الجيش الإسرائيلي، على مستوى الافراد كان متأكدًا من أن الهجوم المصري بات وشيكًا، حيث كان الجنود ينظرون إلى الضفة المصرية للقناة ويرون كيف أن الجيش المصري كان يتدرّب على العبور، لكن القيادة العسكرية لم تؤمن بتلك الشهادات.
وقد تأكد بعد ذلك أن الجيش المصري قام بضربة مصرية مشابهة لما قامت به إسرائيل في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، عندما قام سلاح الجو الإسرائيلي بضرب المطارات المصرية في سيناء في الساعة السابعة والنصف صباحًا، عندما كان الطيارون في غرفة الطعام يتناولون طعام الإفطار، وفي هذا الاطار قام الجيش المصري في السادس من أكتوبر/ تشرين الاول وفي يوم الغفران تحديدًا وهو يوم العطلة الرسمي في إسرائيل، قام سلاح الجو المصري باستهداف العشرات من القواعد المدنية والعسكرية في سيناء، بأكثر من اربعمئة طائرة عسكرية في الساعة الثانية بعد الظهر، بدون أن تتكبّد أي خسائر تذكر.
وبعد حرب طاحنة، استطاعت مصر استعادة جزء من صحراء سيناء، لكن السادات كانت له أهداف أخرى وهي أهداف تتعلّق بإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل وقعت لاحقًا بعد زيارته إلى إسرائيل وسُميت مبادرة السادات.
لكن الإسرائيليين لا يركزون على نتائج هذا الهجوم، بل يتساءلون في هذه المستندات، لماذا لم يتوقّعوا الهجوم العسكري المصري على إسرائيل من الضفة الثانية للقناة، وقد برزت كلمة هامة خلال تلك الفترة أدت إلى إقامة لجنة تحقيق سُميت لجنة اجراناك التي فحصت من هُم المسؤولون عمّا سُمي (بالمحدال)، وهو الإهمال وعدم الاكتراث، وقد رافق هذا التعبير جولدا مئير أكثر من عام، حتى اضطرّت للاستقالة في مايو/ ايار عام 1974.
أما موشي ديّان الذي شغل منصب وزير الدفاع في تلك الفترة، فقد القى اللوم على المؤسسات العسكرية للجيش من مخابرات وموساد، إضافة الى جولدا مئير.
وفي نهاية الامر يعتبر ايلي زعيرا قائد المخابرات العسكرية، الذي أهمل كل الانذارات التي أتت إلى قيادة المخابرات العسكرية عن نوايا الجيش المصري بالهجوم، حيث أهملها بالكامل ولم يكترث لها، وحاولت قيادة الموساد برئاسة تسفي زامير، اتهام زعيرا بأن الموساد كان يملك معلومات عن هجوم مصري مفاجئ أتت إليه قبل يوم من الحرب وخلال مدة طويلة من التعامل مع العميل المصري المزدوج أشرف مروان، الذي قابل عميل للموساد في لندن قبل يوم من نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأول، وأعلمه أن مصر ستشن حربًا في الساعة الخامسة مساءً من يوم الغفران.
وهذا ما حدث لكن الحرب نشبت في الساعة الثانية ظهرًا، وقد أخذت هذه الاتهامات دورًا في المستندات التي تم الكشف عنها بعد خمسين عامًا من نشوب الحرب.