ديفيد هيرست : التطبيع وهم كبير

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 

تثير قضية التطبيع السعودية الكثير من اللغط و التحليل و التوقع ، معظمها من المؤيدين و المثمنين و المباركين و المروجين و المتملقين ، و لكن الأكثر من ذلك هم الصامتين والمنتظرين ، حتى وصل الامر الى ان تصدر قيادات العديد من الأنظمة تعليمات لوزرائها بعدم الادلاء بأي تصريحات لها علاقة بهذا القبيل ، بمن في ذلك دول كبيرة و ثقيلة ، عربية و غير عربية.

ليس مرد كل هذا الصمت هو العجز او حالة الصغار امام دولة كبيرة وغنية لها ثقل الزعامة الإسلامية شبه المطلقة ، والتنافس على الزعامة العربية التي كانت حكرا على أنظمة معينة فقدتها في خضم حالة الانحدار و التقهقر والانكماش على الذات ، بل لأسباب موضوعية مردها للخطوات الإيجابية التي خطتها المملكة خلال السنوات القليلة الماضية ، و نذكر منها العلاقة مع روسيا في مجموعة أوبيك زائد ، الصين التي استضافت الرياض رئيسها في ثلاث قمم (سعودية وخليجية وعربية) نهاية العام الماضي ، التصالح مع ايران برعاية صينية في آذار الماضي ، إعادة سوريا الأسد الى مقعدها في الجامعة العربية ، و توقيف الحرب على اليمن و تسخين الخط مع الفلسطينيين فتحاويين و حمساويين ، والانضمام الى مجموعة بريكس .... الخ ، لكن الأهم من كل ذلك هو المحراك الهائل الذي أغمد في البنية الاجتماعية الداخلية والذي قلب الأمور رأسا على عقب ومس عصبا حساسا كان على مدار قرن من الزمان تقريبا شأنا مقدسا و محرّما محظور الاقتراب منه او الاجتهاد فيه . و اليوم تجد المملكة مكانا جديدا متفتحا تستقبل شمسها بأياد مفتوحة و قلوب مفعمة بالحب والامل.

يتساءل الصامتون و المنتظرون : كيف لكل من أقدم على تحقيق مثل هذه الإنجازات المعجزات ان يبددها مع نظام ابرتهايدي عنصري اقتلاعي فاشي منغلق على توراتيته و مزاميره ، يلاحق المؤمنين الاخرين في مساجدهم و كنائسهم و يسحب الأرض من تحت اقدام أصحابها ليبني فيها مستوطناته التلمودية المخالفة للاعراف و المواثيق والقوانين الدولية ، هو نفسه اصبح منقسما على ذاته ، و منذ تسعة أشهر (39 أسبوعا) يخرج الى الشوارع بآلافه المؤلفة لكي يناهض حكومته و يناقض نفسه على اعتبار انها شرعية ديمقراطية منتخبة.

صحيح ان النظام العربي بالمجمل يقيم علاقات سرية مع إسرائيل منذ زمن طويل ، و بعض من هذا النظام يقيم مثل هذه العلاقات قبل حتى ان يتم تأسيسها ، و ما كان للشعوب العربية ان تتفاجأ بأن يتم اشهار هذه العلاقات ، كما الحال مع اتفاقيات "ابراهام" ، لكن السعودية 2023 ليست نفسها السعودية قبل هذا التاريخ ، و لم تعد نهبا و حكرا لامريكا بشكل خاص و للغرب عموما ، و لهذا يقول الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست بالحرف الواحد "ان التطبيع بين الرياض و تل ابيب مجرد وهم كبير/ نتنياهو في الأمم المتحدة استعرض واحدة أخرى من خرائطه المضللة، التي مسحت منها تماما الأراضي الفلسطينية، أنه هو وإسرائيل يعيشان في وهم كبير/ رغم كل التطبيع المصري والأردني و ابراهام فان كره الناس لإسرائيل اليوم لا يقل عما كان عليه في أي وقت مضى".

ان الشعب السعودي جزء اصيل من الشعب العربي و ركن أساسي من اركان الامة و مكوناتها و قيمها الإنسانية المتطلعة نحو التحرر والتحضر و العدالة والسلام.