خصوم الأسد في سورية بعيدون عن أن يكونوا صالحين، لقد تم توثيق الأعمال الفظيعة لعناصر «داعش» وجبهة النصرة، فرع «القاعدة» المحلي توثيقا جيّدا، وفي أحيان كثيرة من قبل التنظيمات ذاتها. لم تتردّد تنظيمات الثوار، التي وُصفت بكونها معتدلة نسبيًّا وحظيت بمساعدات من الغرب، في العديد من الحالات بأن تقتل وتعذّب أعداءها. وما زال النظام، وفقا لجميع التقديرات التي تنشرها الهيئات المتابِعة داخل سورية وخارجها، مسؤولا عن الجزء الأكبر من القتلى المدنيين (العدد الإجمالي للقتلى في السنوات الخمس من الحرب هو نحو 300 ألف) وليس هذا فحسب، وإنما عن أعمال القتل الجماعي، الاغتصاب، التجويع والاعتداءات. اتّهم تقرير نشرته الأمم المتحدة، هذا الأسبوع، النظام بممارسة «سياسة الإبادة» ضدّ آلاف المعتقلين. ولكن، إذا كانت تعكس وحشية الأسد قبل ذلك صراعا يائسا للنظام من أجل البقاء، والذي كان يواجه تراجعا مستمرا في ظل التراجع المنهجي للثوار في الأراضي الخاضعة لسيطرته، فقد تبدّلت الأحوال منذ دخول روسيا إلى الصورة في خريف العام 2015. فساعد نشر قوات سلاح الجو الروسي في شمال روسيا بداية على دعم استقرار خطط النظام الدفاعية وأتاح في الشهر الأخير بداية شن هجوم برّي، حقّق نجاحات أولية. ومثل الأسد، فالروس كذلك يمارسون القوة من دون قيود. في كانون الثاني وحده كانت هناك نحو 3000 طلعة جوية روسية في سورية - وهي وتيرة مشابهة لوتيرة الطلعات الجوية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أثناء حملة «الجرف الصامد» - مقابل 800 طلعة في تشرين الأول من العام الماضي. يشمل التكتيك الروسي المفضل القصف البساطي، رغم أن التسليح الروسي أكثر دقّة من البراميل الحارقة التي يستخدمها سلاح الجوّ السوري. وأشارت أدلة موثوقة من سورية إلى أنّه في حالات عديدة تقصف الطائرات الروسية مرّتين، بهدف إلحاق الضرر برجال الإنقاذ الذين يحاولون إنقاذ الجرحى من تحت الأنقاض. ليس هناك منافسون للقوة الجوية الروسية، نظرا للقدرات الهامشية للأسلحة المضادة للطائرات التي في أيدي تنظيمات الثوار. ففي هذه الظروف، ليست هناك حاجة إلى أن يكون حجم القوات البرية التي تساعد الجيش السوري كبيرا بشكل خاصّ. يُقدّر عدد المقاتلين الأجانب إلى جانب النظام اليوم بنحو 15 حتى 18 ألف رجل، أكثر من ثلثهم هم من عناصر «حزب الله»، ونحو ألف أو أكثر من الحرس الثوري الإيراني والبقية من أعضاء الميليشيات الشيعية، من العراق، أفغانستان والبلدان الأخرى. وينطوي الغرب إزاء هذه الهيمنة الروسية في سورية. فلقد تغيّرت المطالبة القوية برحيل الأسد بالمقولة المتلعثمة بخصوص الحاجة إلى ذهابه والاستعداد الفعلي للتقسيم المستقبلي للأرض بين النظام والثوار، بعد أن يغادر البلاد كل من الأسد وحفنة الجنرالات المقرّبين منه والذين كانوا شركاء رئيسيين في جرائم الحرب. ولكن هذا أيضًا طلب يبدو أنّه ليست هناك نيّة لدى الدكتاتور وداعميه لتلبيته، وخصوصا عندما رجحت كفّة الميزان لصالحهم مجددا. في السنة الماضية تغيّر سلّم أولويّات الغرب في سورية تغييرا واضحا. بدلا من إيقاف المجازر ضدّ المدنيين، هناك أهداف طارئة أكثر لدى الولايات المتحدة والأوروبيين. أولا، إيقاف موجة اللاجئين السوريين الذين يطرقون أبواب أوروبا (الآن، وللمفارقة، فإنّ تقدّم قوات النظام في حلب يزيد فقط من تدفّق اللاجئين إلى تركيا). وثانيا، منع العمليات الإرهابية على أرض أوروبا من قبل مقاتلي الجهاد الذين اكتسبوا خبرة في المعارك في سورية. عندما تصبح هذه، وليست الفظائع التي يقوم بها النظام، المخاوف الرئيسة، لا يبدو الأسد - وكذلك إيران، وخصوصا منذ توقيع الاتّفاق النوويّ في تموز الماضي - مشكلة، وإنما جزء من الحلّ. بالنظر إلى الماضي، فقد زُرعتْ بذور هذا التغيير قبل وقت طويل من مجيء الطائرات الروسية. حدث التحوّل الأول في آب من العام 2013، عندما هدّد أوباما بقصف دمشق بعد أن قُتل أكثر من ألف مدني في هجوم بالسلاح الكيميائي، ولكنه اضطرّ إلى التراجع عندما صوّت البرلمان البريطانيّ ضدّ المشاركة في الهجوم، وتزايدت الاعتراضات في واشنطن، واقترحت روسيا اتفاقا لنزع السلاح الكيميائي الخاص بالأسد. هناك تقدير معقول يشير إلى أنّ الاتفاق أدى إلى إخراج نحو 99% من السلاح الكيميائي من سورية، ولكن ضبط النفس الأميركي أمام تجاوز الخطوط الحمراء أشار إلى الأسد بأنّه ليس لديه ما يخشاه من الغرب. عندما بدأت «داعش» بالإعدامات المغطاة إعلاميا للمواطنين الغربيين، ومن بينهم الأميركيون، في آب من العام 2014، بدأ الغرب بشكل مطلق بالتركيز على محاربة التنظيم. لم تجهد روسيا نفسها أبدا في الانضمام إليه. تشير التقديرات الحديثة إلى أنّ نحو 10% فقط من الهجمات الروسية في سورية موجّهة ضدّ أهداف التنظيم وتتوزّع بقية الأهداف بين تنظيمات الثوار الأخرى. مقارنة بالصراع المعلن ضدّ الأسد، فإنّ حرب أوباما ضدّ داعش تجني ثمارها الأولى. فقدت «داعش» في العراق نحو 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في ذروتها قبل نحو العام، ونحو 20% منها في سورية. ولكن هذه الحرب أيضًا تجري بوتيرة بطيئة جدّا. لم يكتمل بعد تحرير مدينة الرمادي العراقية من أيدي «داعش»، رغم التصريحات الرسمية بذلك. وقد تتأخر معركة تحرير الموصل، ربما حتى العام القادم. وقال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، هذا الأسبوع، إنّ الإدارة «ليست عمياء إزاء ما يحدث في حلب» واصفا المعركة على المدينة بكونها «لحظة حاسمة». ولا يزال تفجير المحادثات في جنيف على خلفية تطويق حلب، الكارثة الإنسانية التي تضرب المدينة والفشل المستمر للإدارة في تسليح تنظيمات الثوار، يزيد من الانتقادات حول أداء الرئيس أوباما ومستشاريه بخصوص سورية. والآن أيضا، هناك شكّ إذا ما كانت الولايات المتحدة ستعتمد اقتراحات تم طرحها في الأيام الماضية بالإعلان عن منطقة حظر طيران حول حلب، بشكل يمكنه أن يضمن وجود ممرّ لنقل الإمدادات وفرار المدنيين من خلال الحدود التركية. تتنافس مقالات الرأي في الصحافة الأميركية بينها لاستخدام الأوصاف الدرامية حول فشل الإدارة على ضوء الوضع في حلب، بدءا بـ «إفلاس أخلاقي» مرورا بـ «كارثة لا يمكن السيطرة عليها» و «وصمة أخلاقية» ووصولا إلى «سياسة مُخجِلة». والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو إذا ما كان هناك درس يمكن أن تتعلمه إسرائيل. وفي الأشهر الأخيرة، تناقش الولايات المتحدة وإسرائيل بنشاط صياغة اتفاق المساعدة الأمنية الأميركية للسنوات العشر القادمة. كانت إدارة أوباما هي الأكثر سخاء في نطاق المساعدات الأمنية التي قدّمتها لإسرائيل في تاريخ العلاقات بين البلدين. ولكن ثمة فجوة كبيرة بين المساعدات وبين التدخّل العسكري أو السياسي الفاعل في المنطقة، والتي يبدو أنّها ستزداد على ضوء المعارضة المتزايدة لدى الشعب الأميركي للتدخّل العسكري المستقبلي في الشرق الأوسط. تبدو تلك نتيجة وثيقة الصلة بخصوص الحاجة إلى كبح جماع توقعات التدخّل الأميركي لاستئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولكن ربّما أيضًا بخصوص مدى المساعدة الذي يمكن توقّعه من واشنطن عند حدوث أزمة عسكرية كبيرة.