الانحياز الأميركي: الموقف العربي الصادم لواشنطن

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

الحرب البربرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي أودت بحياة أكثر من خمسة آلاف مواطن فلسطيني وإصابة أكثر من خمسة عشر ألفاً، والتي تصنف جرائم حرب ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، أدخلت العالم في مأزق بالغ الخطورة والتعقيد. فهي أظهرت التناقض الكبير بين الادعاءات الغربية بالالتزام بقواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وبين الموقف الداعم لإسرائيل مهما فعلت ومهما ارتكبت من جرائم لا تستقيم مع أي قانون أو مبدأ يحكم سلوك البشر. وأخطر هذه المواقف كان الموقف الأميركي الذي يدعو للحرب وإبادة «حماس» والقضاء عليها بأي ثمن وتقديم كل الدعم لإسرائيل في هذه الحرب. وكذلك موقف الدول الغربية الأربع التي وقّعت بياناً مع الولايات المتحدة تدعم فيه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وهي بريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا.
الموقف الأميركي الذي يؤيد تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة باتجاه مصر شكّل خطراً شديداً على الأمن القومي العربي وخاصة للوضع في كل من مصر والأردن، حيث أنه يعني إنهاء القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية احتلال إسرائيلي همجي مستمر منذ أكثر من 56 عاماً إلى مشكلة عربية- عربية. وهذا التطور الخطير دفع الدول العربية للخروج في مواقف تتصادم بشكل فعلي مع الموقف الأميركي. فمصر رفضت فكرة التهجير واعتبرته خطراً على الفلسطينيين وعلى الأمة العربية وعلى مصر. ولعل عبارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي رد على الادعاء بأن هذا التهجير هو مؤقت، بأن تأخذ إسرائيل الفلسطينيين للنقب بصورة مؤقتة وتعيدهم إلى أرضهم بعد انتهاء الحرب، تتميز بالحنكة والذكاء الشديدين، وترفض بشكل قاطع مجرد تداول هذه الفكرة من جانب إسرائيل أو أي طرف آخر.
المواقف العربية التي عبرت عنها الدول العربية في اجتماع القمة الدولية التي نظمتها مصر يوم السبت الماضي كانت جيدة وقوية بل صادمة لواشنطن، وفي هذا السياق كانت كلمة الملك عبد الله الثاني مهمة، ليس فقط لأنه تحدث باللغة الانجليزية التي يفهمها الغرب، بل كذلك لأن ركز على المعايير المزدوجة التي يتبناها الغرب في الحرب الدائرة الآن. بالمجمل كانت مواقف مصر والاردن والسعودية بالغة الأهمية بالنظر لأنها كانت على علاقة جيدة بالولايات المتحدة. فالأمير محمد بن سلمان جعل وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ينتظر من المساء إلى الصباح حتى يجلس معه، في إشارة واضحة لعدم الرضا عن الانحياز الأميركي لإسرائيل وعدم أخذ المصالح العربية بنظر الاعتبار، ورفض كذلك حضور القمة الرباعية في عمان التي كانت مع الوزير بلينكن ألغيت بعد انسحاب الرئيس محمود عباس. وهذا شكل ضربة قاسية للولايات المتحدة.
الخلاف العربي الأميركي يتركز في مطالبة الدول العربية بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي البربري ومنع التهجير وحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من خلال عملية سياسية تفضي إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على أساس المبادرة العربية للسلام، في حين أن واشنطن تفكر فقط بالقضاء على «حماس» وتوفير كل الدعم لإسرائيل لتحقيق هذا الهدف. ولا تبالي بما يمكن أن يحدث في العالم العربي من عدم استقرار وربما فوضى نتيجة لهذه الحرب الدموية.
لقد شاءت الظروف ألا تنجح إسرائيل في الوصول إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية بسبب الخلافات بين الرياض وواشنطن حول عدد من الملفات منها النووية والأمنية وأيضاً حول الثمن الفلسطيني الذي ينبغي على إسرائيل دفعه مقابل ذلك، وهذا كان لصالح السعودية التي كانت ستفقد دورها المستقبلي لو حصل التطبيع دون تحقيق اختراق جدي في ملف الصراع، وهو ما كان غير ممكن في ظل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية العنصرية. والآن تستطيع المملكة القيام بدور مهم وكبير في مرحلة ما بعد الحرب ويمكن أن يكون هذا الدور محورياً للغاية.
الرأي العام العربي كله مع الشعب الفلسطيني. والرأي العام الدولي بدأ بالتحول بصورة جوهرية ضد إسرائيل بعد أن شاهد العالم الفظائع التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني وقتل المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال على وجه الخصوص. وهذا يمنح الدول العربية قدرة كبيرة على التأثير في الساحة الدولية. لقد بات المجتمع الدولي مع وقف فوري لإطلاق النار ووقف استهداف المدنيين وتوفير الحماية والمساعدة العاجلة لهم. حتى الاتحاد الأوروبي بدأ يغير مواقفه ويتبنى الآن فكرة الوقف العاجل لإطلاق النار. بمعنى أن الموقف العربي الآن اصبح محط إجماع دولي باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها في حالة حرب ضد الفلسطينيين وضد العرب وضد المنطقة بأسرها في سبيل حماية إسرائيل قاعدتها الأهم وللحفاظ على مصالحها في المنطقة. وربما هذا يشكل أملاً للفلسطينيين بأن تكون هذه هي الحرب الأخيرة التي يتعرضون لها وأن تضطلع الدول العربية والقيادة الفلسطينية بدور حاسم في تصميم المنطقة بعدها، بما في ذلك الوصول إلى حل الدولتين بعد إجبار إسرائيل على وقف جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.