في معنى ودلالات اجتماع، «نصر الله» و«العاروري» و«النخّالة»

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 


مُباغتة جديدة:
الاجتماع من جهة، ونشر الصور عنه، و»الإيجاز» الذي صدر عن هذا الاجتماع.
لا أحد يستطيع أن يؤكد أنّ الاجتماع، والصورة التي نشرت عنه قد تمّ بالفعل في التاريخ المُحدّد، ولا أحد يعرف بالضبط فيما كان الإعلان عن هذا الاجتماع قد تمّ الإعلان عنه بالشكل الذي خرج به قد كان مقصوداً، وهادفاً لإيصال رسالةٍ ما، محدّدة وليست موثّقة، ولكنها واضحة في أهدافها، مهما كانت «غامضة» في شكل الإعلان عنها، أو أنّ الحقيقة ليست كاملة هنا.
المهمّ هي الرسالة التي أراد «حزب الله» أن يُوصلها، والأهمّ أنّ هذه الرسالة قد حَسمت إلى حدٍّ بعيد، على الأقل حتى الآن، وإلى درجةٍ كبيرة عدّة مسائل كانت مَثار التساؤل والشكّ، بل وحتّى الارتياب:
المسألة الأولى، وهي مهمّة وأساسية أنّ مُشاغلات «حزب الله» مع الإسرائيليين في جنوب لبنان، ومعه مجموعات فلسطينية وإسلامية أخرى ليست لذرّ الرماد في العيون، وليست للإيهام والتعمية، وليست مجرّد استعراضات إعلامية، أو مُراوغات سياسية تكتيكية «للحفاظ» على البقاء في مساحةٍ سائلة بما هي فوق الصفر، ولكنها تحت المشاركة المباشرة الكبيرة أو الشاملة في هذه الحرب.
«الاجتماع»، وما صدر عنه يعني بصريح العبارة أنّ هذه المشاركة ليست في موضع الشكّ أبداً عند درجةٍ «معيّنة» من تطوّرات هذه الحرب، وهي تدرس من حيث توقيتها، وحجمها، ووسائل وأدوات وأشكال تنفيذها، والإقدام عليها، بكل دقّة وحذر، وبكل تمحُّص وتمعُّن، وبحسابات تتفحّص كل التفاصيل والتوقعات والأبعاد.
أمّا الثانية، وحسب ما صدر عن هذا «الاجتماع» فهي أنّ التنسيق متواصل، ويومي، وأنّ «القرارات» بشأن نوعية هذه المشاركة، وحجمها، وتوقيتها هي قرارات مشتركة، وليست مُرتجلة، أو تلقائية، وليست ردود أفعال من أيّ نوع، وبصرف النظر عن مدى ضخامة، وهول «الأفعال»، وذلك لأنّ الارتجال والتلقائية ستنفي عن هذه المشاركة طابعها المخطّط والمدروس، وستعني أنّ عملية التنسيق ليست مستحدثة، وليست واحدة من عدّة ردود أفعال طرحتها الحرب الدائرة على قطاع غزّة.
والثالثة، هي أنّ ما يتم تدارسه، والتنسيق بشأنه (بشكل يومي ودائم) للمواقف (الإقليمية والدولية)، وهو الأمر الذي يعني بأنّ المقصود بهذه التطورات، هو إمكانيات أن تفضي إلى حربٍ واسعة وشاملة، وإلى وصول هذه التطوّرات إلى ما هو أكبر، وربما أخطر ــ وهذا هو المهمّ ــ من المستوى الحالي من وتيرة الحرب على قطاع غزة، ومن «التسخين» المتدرّج على جبهة جنوب لبنان، وعلى مستوى «المشاركات» التي ما زالت رمزيّة من العراق واليمن.
وينطوي هذا الأمر على «التوقّعات» الميدانية للحرب البرّية، وعلى الأحجام والمعدّلات الكارثية لما تقوم به إسرائيل من قتل وتدمير، ومن تهديد فعلي مباشر لحياة عشرات، ومئات آلاف الفلسطينيين جوعاً، وعطشاً، أو بسبب استمرار منع الإمدادات الطبّية، والوقود، أو الوصول إلى «إجبار» مئات الآلاف من الناس على التوجه إلى الحدود المصرية وعُبورها هرباً من الموت المحقّق، وذلك إذا رأت الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومجموعة «العباقرة» الذين يقودون القارّة العجوز، ويجرّونها إلى المستنقعات الأميركية في كامل منطقة الإقليم.
كما ينطوي هذا الأمر، أيضاً، على تدارس «الشوط» الذي يمكن أن تقطعه الولايات المتحدة، وهي تقود بصورةٍ مباشرة الحلف الشرير في التدخّل العسكري المباشر، وأبعاد مثل هذا التدخّل، وتبعاته وأخطاره وأهواله، ووسائل التصدّي له.
وأمّا الرابعة، فهي بيت القصيد، ومربط الفَرَس، أيضاً، فهي ما ورد في الإعلان عن أنّ ما يجب على «محور المقاومة» القيام به هو (الانتصار الحقيقي للمقاومة في قطاع غزّة، وفي الضفة الغربية)، وهذا الموقف بالذات يعني بوضوح أنّ الهدف من هذا التنسيق هو منع الانتصار الإسرائيلي، وحيث وصف قادة الاحتلال أنّ معركة غزّة هي مسألة حياةٍ أو موت بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالنسبة لـ»العالم المتحضّر»! وحيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، وكما جاء بعظمة لسانه أنّ «الانتصار» في هذه الحرب هو (مصلحة أميركية عليا من زاوية أمنها القومي، وهو انتصار يوازي «الانتصار» الذي تعمل الولايات المتحدة عليه في أوكرانيا).
أقصد أنّ الاجتماع تدارس التحوّل الذي بات مُرجّحاً، إن لم نقل مؤكّداً، والتدحرج نحو حربٍ إقليمية لها أبعاد دولية، وفيها من «التطوّرات» ما سيؤدّي إلى هذه التحوّلات والتدحرجات حكماً وحتماً عند حدٍّ معيّن من هذه التطوّرات.
في الواقع، نحن نقترب كثيراً، ومع كلّ ساعة من وقائع هذه الحرب نحو مثل هذه التطوّرات، خصوصاً أنّ التخبُّط الإسرائيلي أصبح ماثلاً للعيان، وكلّ محاولات إخفاء هذا التخبُّط لم تعد مقنعة لأحد، وهي ليست مقنعة للولايات المتحدة، ولا لـ»الغرب»، وليست مقنعة للمجتمع الإسرائيلي على ما نلمسه جميعاً حتى الآن.
وصلنا، الآن، أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تتأخّر كثيراً في «قراراتها»، ولا تستطيع مطلقا أن تتراجع، لأنّ أيّ تراجع هو إثبات وإعلان هزيمة مُدوّية، وهذه مسألة لن تقبلها الولايات المتحدة مطلقاً، أيضاً، لأنّ «صورة» الانتصار تكون قد تبخّرت وانعدمت تماماً.
إزاء كل ذلك فإذا قرّرت إسرائيل أن تدخل هذه الحرب على قاعدة (الحياة أو الموت)، و(الأمن القومي الأميركي)، فإنّ الاعتقاد بأن تفادي الحرب الشاملة يصبح ممكناً هو اعتقاد ساذج، وربما على درجةٍ معيّنة من الغباء، أيضاً.
وأمّا إذا رأت الولايات المتحدة أنّ «الحلّ» هو اختطاف صورة «انتصار» سريع، وتقبل بحلّ وسط، هو هزيمة، ولن يكون ذلك ممكناً إلّا بإجبار إسرائيل على مراجعة «ما» والتضحية بالقيادة الإسرائيلية قبل خراب كلّ مالطا عن بَكرةِ أبيها.
إذا قرّرت إسرائيل أن تذهب بعيداً في هذه الحرب فإنّها لن تتردّد في استخدام كامل القوّة، وعلى كلّ الجبهات، ومن دون استثناء بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، خصوصاً أنّ القيادة الإسرائيلية الحالية، وهي قيادة أكثر من متطرّفة وعنصرية، وأبعد من مجرّد متوحّشة ودموية تعرف أنّ الغطاء الأميركي و»الأطلسي» قد لا يتكرّر، وقد يصيبه التفكُّك والتراجع والخوف، أيضاً.
وهذا الأمر يعني، أيضاً، اغتيالا مباشرا للقادة الثلاثة الذين «اجتمعوا»، ولقادة كلّ «محور المقاومة»، وتدمير مدن عربية بكاملها دون أي مبالغة.
نحن نقترب في كلّ لحظة من إمكانيات مفتوحة على كل ذلك.