أربعة أسابيع مرت على عملية "طوفان الأقصى" ولم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن قصف قطاع غزة وإمطاره بكل القنابل الذكية وغير الذكية، وتلك التي تمتلك قدرات تدميرية رهيبة، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات في الأواسط الإسرائيلية محذرةً من مسألة الحرب البرية على غزة.
ومع أن الاحتلال حاول، منذ الأيام الأولى لعدوانه على غزة، تهجير المواطنين وإخراجهم من القطاع، إلا أن الفلسطينيين يدركون جيداً مخاطر التهجير ومشروع تصفية القضية الفلسطينية، وكذلك الحال تدرك الأردن ومصر تحديداً هذا الخطر.
حتى هذه الساعة يدفع الاحتلال باتجاه حشر الفلسطينيين خلف وادي غزة، دون أن يتوقف عن قصف المدنيين في وسط وجنوب القطاع، والسبب أنه يريد التنفيس عن غضبه بعدما جرى في عملية "طوفان الأقصى"، ولا يملك أي أهداف "دسمة" لمواقع حركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي.
كل هذا الضغط على الفلسطينيين عبر استهدافهم المباشر وخنقهم ومحاربتهم بأبسط حقوقهم المعيشية، يأتي من باب تغيير المزاج الفلسطيني نحو الهجرة الطوعية عن قطاع غزة، مع محاولات أميركية دؤوبة لدفع بعض الدول العربية نحو قبول استضافة وتوطين الفلسطينيين داخل أراضيها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زاره أكثر من رئيس ورئيس حكومة، من المستشار الألماني أولاف شولتس، إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، وغيره من الرؤساء والوزراء، نتنياهو حظي بدعم غير محدود لعدوانه على قطاع غزة.
نتيجة هذا الموقف الداعم لإسرائيل ارتكبت مجزرة رهيبة بقصف المستشفى المعمداني الأهلي، راح ضحيته أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى، والطامة الكبرى أن الاحتلال حاول تلفيق التهمة إلى حركة الجهاد الإسلامي.
ورغم هذه المجزرة الدامية إلا أن الاحتلال لم يرتدع، وبالعكس زاد في غيّه، وتواصلت عمليات الاستهداف المباشر للمواطنين في شمال القطاع وجنوبه، وعلى الأغلب أن هذه السياسة لن تتوقف طالما أن إسرائيل لم تحقق أهدافها بعد بالقضاء على "حماس".
ثمة في إسرائيل أزمة كبيرة ومرتبكة بين القيادتين السياسية والعسكرية، وكذلك الحال مع المجتمع الإسرائيلي الذي لم يعد يؤمن بضرورة أن يبقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في منصبه، والأخير يدرك ذلك ويحاول شراء الوقت بترحيل هذه المشكلة على قطاع غزة.
كل الفشل العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي يدفع ثمنه الفلسطينيون من لحمهم ودمهم، ويعتقد نتنياهو أن الدفع بغزة نحو الهاوية سينقذه من منصبه، غير أنه بالتأكيد على موعد مع المحاسبة حين تحين الفرصة وينقشع غبار هذا العدوان.
العدوان الحالي يعكس إلى حد كبير حجم الاصطفافات الدولية، حيث الانحياز الأميركي والغربي الكامل لإسرائيل ودعمها بالأموال والسلاح. لكن الرهان الأكبر لفشل المخططات الإسرائيلية ربما حله في المزاج الشعبي والتحركات الجماهيرية السلمية.
تحتاج غزة إلى حراك شعبي كبير في كل دول العالم، لعل هذه التحركات تضغط على الحكومات لكبح جماح إسرائيل ومنعها من إبادة الشعب الفلسطيني، ويحتاج الإعلام العربي إلى تفنيد الراوية الإسرائيلية والغربية التي ترى أن الفلسطيني لا يستحق الحياة ولا تقرير المصير.
ما تريده إسرائيل من غزة أن يبتلعها البحر أو أن تتحول إلى جغرافيا قاحلة دون بشر أو شجر أو حجر، وعلى الأغلب أنها لن تتمكن من ذلك وسيفشل مخططها التهجيري، غير أنها ستجعل القطاع على "الحديدة"، وستعيده إلى العصور الحجرية.
إلى الآن ليس هناك من يردع الاحتلال عن وقف عدوانه، حتى الولايات المتحدة غير قادرة في الوقت الحالي على الطلب من إسرائيل وقف العدوان، بدليل أن الرئيس بايدن جاء مخصوصاً إلى تل أبيب ليدعم نتنياهو على المستوى الداخلي الإسرائيلي وفي عدوانه على غزة.
باختصار يريد الاحتلال الإسرائيلي أن يعود إلى مواطنيه منتصراً سواء بدخول بري سريع وعلى محاور القطاع، أو عبر القصف والاستهداف من الطائرات الحربية والمدفعية. إسرائيل تبحث عن هيبتها في غزة وليس أمامها غير الفلسطينيين العُزّل حتى تسترجل عليهم.
مع كل المعدات العسكرية والدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية، يبدو أن العدوان الإسرائيلي سيتواصل إلى أجل غير معلوم، وكلما طال الوقت كان نتنياهو بعيداً عن المساءلة تحت اعتبارات أولوية الحرب على غزة.
مرةً أخرى الفلسطينيون بحاجة إلى دعم الرأي العام العربي والعالمي، وصحوة ضميرية من جانب بعض الدول التي شاهدت دموية وقساوة كل الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، حتى تقول كلمتها في الميدان وتسعى لإنصاف الفلسطينيين وإسناد ظهورهم العارية.