حصاد الاشتباكات المستمرة في جميع محاور التوغل الاسرائيلي

rAX05.jpg
حجم الخط

وكالة خبر

قرر الاحتلال الشروع في ما أسماه "المرحلة الثانية من العملية العسكرية"، وهو ما يفترض أن يعني أنه أنهى المرحلة الأولى منها، ولكنّ هذه "المراحل" بقيت حبراً على ورق بسبب غياب أي إنجاز عسكري حقيقي حتى الآن برغم تضييق حجم الحرب البرية على غزة والاكتفاء بمهاجمة منطقة الشمال، والقصف التدميري الذي سوّى مناطق بكاملها بالأرض في جباليا وبيت حانون والشاطئ وأحياء الشيخ رضوان والكرامة وأبراج القطاع الرئيسية.

مراحل من غير أهداف

وحتى الآن، فشل الاحتلال في تحقيق الأهداف الأساسية التي أعلنها لعدوانه على غزة، وهي إبطال قدرة المقاومة على المواجهة، وتدمير قدراتها الصاروخية والبشرية، واستهداف قيادييها أو أسرهم، وإخراجها في صورة المهزومة لمحو آثار نصر 7 أكتوبر، وتهجير الفلسطينيين من شمالي قطاع غزة.

ولكنّ المقاومة تستمرّ في توجيه الضربات المؤلمة للاحتلال وقواته المتوغلة، مستفيدة من تضييق التماس معها في المناطق العمرانية، وهو ما يعطي أفضلية مهمة للمقاومين ويحيّد قدرات سلاح الجو الإسرائيلي على التأمين الناري للجنود والمدرعات.

فقد أفيد اليوم عن وقوع اشتباكات ضارية بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال، لا سيما في بيت حانون، التي أصبحت ساحة مواجهة مباشرة من مسافة صفر خلال الأيام الأخيرة مع اشتداد المعارك، لا سيما في المحور الشمالي الغربي، حيث تمكن المقاومون من اصطياد الكثير من جنود الاحتلال بالقذائف الصاروخية وأسلحة القنص والاشتباك.

وبات واضحاً أنّ التقدم الجغرافي للاحتلال لا يعني إنجازاً عسكرياً حقيقياً على أرض المعركة، فالمقاومة لم تعد تقاتل فقط في قلب المدن، بل على خطوط خلفية وتحديداً على حدود القطاع وفي قلب تحشداته العسكرية الخلفية.​​​​

القسام

إذ أعلنت كتائب القسام، اليوم السبت، أنّ مقاوميها تمكّنوا من إيقاع قوة إسرائيلية راجلة في كمين وتفجير عبوة مضادة للأفراد بجنود الاحتلال جنوبي غربي غزة، بالإضافة إلى تدمير 17 آلية إسرائيلية كلياً أو جزئياً في كافة محاور التوغل في قطاع غزة.

كما أعلنت في وقت سابق اليوم، قصف "تل أبيب" برشقة صاروخية رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين، وإطلاق طائرة مسيّرة على حشود الاحتلال شرقي المنطقة الوسطى، بالإضافة إلى قصف موقع "مارس" العسكري وكيبوتس "نيريم" برشقة صاروخية، وحشود للحتلال شرقي خانيونس بقذائف الهاون.

سرايا القدس

وصباح اليوم، أعلنت سرايا القدس أنّ مقاوميها تمكّنوا من تدمير آلية عسكرية حولها عدد من جنود الاحتلال بقذيفتي "تاندوم" في مخيم الشاطئ، كما أعلنت أيضاً استهداف 7 آليات عسكرية للاحتلال في تل الهوى والصبرة جنوب غرب مدينة غزة، مؤكدة أنّ مقاتليها دمّروا دبابتين وجرافة صهيونية بقذائف "التاندوم" و الـ (RPG) خلال اشتباكات في بيت حانون وغرب بيت لاهيا.

بدورها، أكدت قوات الشهيد عمر القاسم أنّ مقاوميها خاضوا اشتباكات ضارية مع القوات والآليات الإسرائيلية المتوغلة شمالي غرب قطاع غزة فجر اليوم، كما استهدفوا تحشدات الاحتلال في موقع "كيسوفيم" العسكري بعدد من قذائف الهاون صباح اليوم، كما استهدفوا "كيبوتس نيرعام" بالهاونات من العيار الثقيل.

كذلك، أفاد مراسل الميادين بأنّ المقاومين اشتبكوا مع قوات الاحتلال، جنوب غرب مدينة غزة، بالأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون، وأوقعوا في صفوفها خسائر فادحة، ودمّروا لها إحدى الآليات، كما أسقط المقاومون طائرة مسيّرة للاحتلال الإسرائيلي من نوع "كواد كابتر" بعد إطلاق النار عليها في حي الزيتون شرق مدينة غزة.

فشل المرحلة الأولى

وقد روّج الاحتلال لكون السيطرة على معقل القسام الرئيسي ومركز قيادتها في الشمال، كهدف للمرحلة الأولى للحرب البرية، وهو ما سيشكل إنجازاً يمكن تصريفه على عدة مستويات بالنسبة للداخل الإسرائيلي ولصورة جيشه واستخباراته أمام الخارج.

إذ شكّلت النتيجة المخيبة للآمال بالنسبة لجيش الاحتلال وقيادته العسكرية في مستشفى الشفاء ضربة إضافية لصورة المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين، في وقت كانت تحاول فيه قيادة الاحتلال استعادة هيبتها وصورتها "النموذجية"، التي تلقت ضربة قاصمة في 7 أكتوبر، بعدما حاولت الترويج لها على مدى عقود مضت وعلى مستويات عالمية.

فخلال أسابيع خلت، بدا الاحتلال وقيادته، بالإضافة إلى داعميه الدوليين، مصممين على إنجاح تنفيذ اختراق طولي لقوات الاحتلال لمناطق غربي غزة من الجهتين الشمالية والجنوبية، للوصول بأسرع طريقة ممكنة إلى مستشفى الشفاء في وسط منطقة شمال غزة.

وقد أكّد هؤلاء أكثر من مرة أنّهم يعتقدون أنّ غرفة قيادة كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية في الشمال موجودة أسفل المستشفى، عبر شبكة أنفاق معقدة تتخذ من المجمع الاستشفائي ساتراً ودرعاً، وحتى آخر الساعات قبيل اقتحام المجمع خرج وزير الخارجية الأميركي بلينكن ليؤكد أنّ تقدير الإدارة الأميركية منسجم مع التقدير الإستخباري الإسرائيلي بأنّ المستشفى تحوي غرف قيادة المقاومة في شبكة تحت الأرض.

أسباب الفشل الإسرائيلي

ولكنّ الصدمة التي تلقتها قيادة الاحتلال كانت مدوية، وظهرت نتائجها في ميدان المعركة سريعاً، ويمكن أخذ أسباب الفشل الإسرائيلي على عدة احتمالات، أبرزها:

غياب الجمع الاستخباري المحدث المسبق

أطلق الاحتلال عدواناً برياً انفعالياً، لم يسبقه جمع استخباري دقيق ومحدّث، لا سيما بعد أن أظهرت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر هشاشة المنظومة الاستخبارية الإسرائيلية وضعف قدرتها على اكتشاف تهديد تاريخي للاحتلال، على مستوى هجوم منسق تضمن اشتراك آلاف المقاتلين وتحريك منظومات صاروخية ومدفعية ومئات الآليات والدراجات.

ومن المعلوم أنّ الجمع الاستخباري المحدّث والدقيق هو العنصر الأساس والشرط الأهم في إنجاح أي عملية عسكرية، لا سيما العمليات الواسعة كالتي تحصل في غزة، لأنّ المعلومات هي الأساس الذي يبنى عليه التخطيط الفعال ويقاس به نجاح أي عمل عسكري، وبدونها تكون القوات المتقدمة أمام عدة سيناريوهات:

سيناريو 1: جمع استخباري موازي للعملية

السيناريو الأول هو الاعتماد على جمع استخباري موازٍ للعملية، فتبدأ العمليات العسكرية في وقت تعمل فيه قوات استخبارية على جمع معلومات محدثة من الميدان وتأكيد معلومات قديمة، وفيه مخاطرة كبيرة على القوات، لأنّ الاستخبارات ستكون غير قادرة على تأكيد العديد من المعلومات، ما يعني إمكانية أكبر في الوقوع في أخطاء قاتلة، فضلاً عن ضرورة إقحام قوات وحدات الاستخبارات والرصد بشكل أكبر في الميدان وفي المناطق الأمامية، وبالتالي المخاطرة بوحدات قتالية نوعية.

ويمكن بالتالي تحليل أعداد القتلى والخسائر "غير الطبيعية" و"غير المتناسبة" لوحدات الرصد والجمع الاستخباري الخاصة من الشالداغ والإيغوز، وهي وحدات قلما يسقط منها خسائر بسبب عملها الهادئ والبعيد عن خطوط النار، ولكنّ الحاجة لمواكبة ميدانية موازية على مستوى المعلومات بسبب غياب الجمع الاستخباري المحدث والمسبق للعملية جعل من الضرورة حضور هذه القوات في المعركة.

كما يمكن فهم كثرة الأخطاء التي يقع فيها الجيش، كما حصل على مستوى دخول بعض الأحياء العمرانية في غزة وتكبد خسائر فادحة ثم الانسحاب تكتيكياً منها بعد اشتباكات عنيفة مع المقاومين ليقوم بقصفها لاحقاً وتسويتها بالأرض، كما حصل في مشارف مخيم الشاطئ الشمالية وفي التوام والكرامة وغيرها، حيث بدا واضحاً أنّ الاحتلال لم يكن يملك تقديراً عن حجم القوات المقاومة الموجودة في المنطقة وحجم قدراتها، أو على مستوى التعرض لكمائن وعمليات تفخيخ مداخل أنفاق ومباني وغيرها.

سيناريو 2: الاعتماد على معلومات غير محدثة

وقد يكون الاحتلال، تحت وطأة الحاجة إلى رد فعل سريع بحسب تقديره لاستعادة ثقة المستوطنين في القوات العسكرية، أطلق عمليته بشكل انفعالي بالاعتماد على معلوماته المسبقة عن قطاع غزة، والتي بطبيعة الحال كان من الممكن جمعها بشكل كبير بسبب ضيق مساحة القطاع وسيطرة الاحتلال على أجوائه وبحره وحدوده البرية بشكل كبير، ومراقبة الاتصالات اللاسلكية، والعمل على اختراقه بشبكات التجسس والعملاء.

ولكن الأزمة الأساسية التي يمكن أن تكون تسببت في فشله الاستخباري حتى الآن هي أنّ ما جرى في 7 أكتوبر أوضح أنّ المعلومات الإسرائيلية عن المقاومة ليست فقط ناقصة، بل بعيدة كل البعد عن إدراك الحجم الحقيقي للتهديد الذي تمثله المقاومة الفلسطينية للاحتلال، وقدرتها على مواجهة آلته الحربية المتقدمة والمتفوقة مادياً.

 استدراج من المقاومة وتضليل معلوماتي

وبالإضافة إلى إمكانية أن يكون السبب في ما جرى حتى الآن من ظهور لضعف قدرات الاحتلال الاستخبارية، لا سيما في موضوعي الأنفاق ومستشفى الشفاء، هو أنّ المقاومة تمكنت من تسريب معلومات بشكل مدروس لتصل إلى الإسرائيلي ويبني عليها تقديرات استخبارية مغلوطة، وقد جرى الحديث عن أنّ المقاومة سربت للاحتلال عدة نسخ مختلفة من خرائط مضللة عن أماكن الأنفاق، ومن الممكن كذلك أن تكون المقاومة نجحت في تضليل الاحتلال بشأن أماكن تواجد قيادتها في الشمال.

وبالتالي، يمكن القول إنّ إعلان الاحتلال مساء اليوم، على لسان وزير حربه يوآف غالانت، بدء المرحلة الثانية من المعركة البرية في غزة، يقع ضمن نطاق البحث عن هدف جديد يمكن أن يمثل إنجازاً ما للعملية البرية، التي لم تراكم للاحتلال حتى الآن سوى المئات جنوده بين قتيل وجريح، وتهشم هيبته ومعادلات ردعه على كافة الجبهات من الشمال إلى الجنوب، وتشويه صورته في العالم كنظام إجرامي عنصري يمارس فعل إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين.