حرب غزة.. تضعف تماسك الحزب «الديمقراطي»

image_processing20230601-3999789-rmzjt5.jpg
حجم الخط

بقلم جيمس زغبي

كان للحرب على غزة تأثير متفجر ومفاجئ على تماسك التحالف «الديمقراطي». على مدار عقود من الزمن، كان الكيان السياسي الأميركي منقسماً بشكل رئيسي حول قضايا اجتماعية وثقافية تتراوح من العرق والجنس إلى الأسلحة والهجرة - عادة بين «الجمهوريين» من جهة و«الديمقراطيين» من جهة أخرى.
لكن نادراً ما كانت المخاوف المتعلقة بالسياسة الخارجية طرفاً في المعادلة، ولم يحدث ذلك قط كما حدث مع اندلاع الأحداث بين إسرائيل وفلسطين في الأسابيع الأخيرة. لكن هذه القضايا الخلافية كانت مقتصرة إلى حد كبير على واشنطن، ولم تصل إلى القاعدة الشعبية السياسية.
فقد ظلت قضايا حزبية دون أن يتسع نطاقها. بيد أن الهجوم المميت الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر على الإسرائيليين والهجوم الإسرائيلي الوحشي المستمر منذ حوالي شهر ونصف كان مختلفاً، حيث أثر بشكل عميق على كلا المجتمعين المتأثرين – اليهود الأميركيين والأميركيين العرب/الفلسطينيين. لقد روعت مشاهد وتقارير، رصدت ما جرى خلال الشهرين الجاري والماضي ، المجتمع اليهودي، وأثارت لديه صدمات الماضي المؤلمة ومشاعر الضعف. وقد تسبب القصف الإسرائيلي المدمر لغزة ولغة الإبادة الجماعية التي استخدمها القادة الإسرائيليون في جعل الفلسطينيين والعرب في حالة من الصدمة والغضب. ومع مقتل الآلاف، وتدمير نصف المساكن في مدينة غزة، وفرار مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مستقبل غامض في الجزء الجنوبي من القطاع الفقير، رأى الفلسطينيون والعرب الأميركيون أن النكبة تتجلى في الوقت الحقيقي.
وهنا أيضاً كان الضعف والصدمة. وكان لهذه الدراما بُعد حزبي لدى «الجمهوريين»، تغذيهم قاعدتهم المسيحية اليمينية المتشددة التي تقف إلى جانب إسرائيل. ولكن في حين أظهر المسؤولون «الديمقراطيون» المنتخبون الذين احترموا لفترة طويلة اللوبي المؤيد لإسرائيل، دعمهم لإسرائيل، فقد انقسمت قاعدة الحزب. واندلعت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، وبلغت ذروتها في تجمع ضخم في واشنطن، وهو تدفق غير مسبوق من الدعم للفلسطينيين. ومن الجدير بالذكر أن التعبئة المطالبة بوقف إطلاق النار ودعم حقوق الفلسطينيين كانت متنوعة بشكل غير عادي، إذ ضمت مجموعات كبيرة من الشباب الأميركي اليهودي والعرب والسود واللاتينيين والأميركيين الآسيويين.
إن ما يتكشف في غزة وهنا في الولايات المتحدة كان له صدى لدى المجموعات المكونة من ذات الفئات والتي يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها ضرورية لتحقيق الانتصارات الانتخابية «الديمقراطية». وعندما أثار الزعيم السياسي «جيسي جاكسون» قضية الحقوق الفلسطينية خلال ترشحه للرئاسة في الثمانينيات، وعندما فعل «بيرني ساندرز» الشيء نفسه في العقد الماضي، قاموا بحشد الدعم. لكن الدعم اليوم يشبه التعبئة الجماهيرية التي شهدناها في المسيرة النسائية، وحظر المسلمين المناهضين لترامب، وحركة حياة السود.
ومع ذلك، كانت تلك المظاهرات عبارة عن تعبئة للديمقراطيين ولم تواجه معارضة تذكر من قيادة الحزب. لقد تحولت هذه المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى صراع داخل الحزب، حيث تسعى الجماعات المؤيدة لإسرائيل إلى تهديد وإهانة ومعاقبة أولئك الذين ينتقدون الهجوم الإسرائيلي على غزة. وكان الحزب منقسماً بالفعل بشأن حقوق الفلسطينيين قبل السابع من أكتوبر، حيث كان لدى «الديمقراطيين» مواقف أكثر إيجابية تجاه الفلسطينيين منها تجاه الإسرائيليين.
ومع اتضاح فظائع الرد الإسرائيلي على المذبحة التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين، أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية «الديمقراطيين» يعارضون رد الفعل الإسرائيلي ويريدون وقف إطلاق النار. وتظل المجموعات الرئيسية مثل الشباب والأشخاص الملونين داعمة للفلسطينيين. ومع اتخاذ الجماعات المؤيدة لإسرائيل إجراءات قمعية ضد الطلاب وغيرهم، وإعلانها أنها ستنفق الملايين لهزيمة أعضاء الكونجرس الذين يتحدثون ضد إسرائيل أو يدعمون الحقوق الفلسطينية، فمن الممكن حدوث تمزق حقيقي في التحالف «الديمقراطي».
إن ممثلي الكونجرس الذين يتعرضون للتهديد هم جميعاً من الشباب الملونين، كما أن صورة المجموعة المؤيدة لإسرائيل التي تهدد بإنفاق الأموال (التي تم جمعها من حفنة من المانحين المليارديرات - بما في ذلك بعض الجمهوريين)، لن تروق لـ«الديمقراطيين» الآخرين. ولكي تنجح قيادة الحزب في عام 2024 وما بعده، يتعين عليها أن تتدخل لإخماد هذا السلوك. بإمكانكم تشجيع النقاش والخطاب العقلاني، لكن أوقفوا التهديدات قبل أن يصبح الانقسام عميقاً للغاية، ويكون الوقت قد فات للتراجع.