ليس "الطوفان" هو الذي سيطيح بنتنياهو و من بعده ببايدن ، كما يظن البعض ، بل ستة آلاف من أطفال غزة – حتى الآن - الذين سحقت جماجمهم و تشظت عظامهم و تناثرت أشلاءهم و أحلامهم في شوارعهم التي كانت قبل قليل ملاعبهم و ميادين انطلاقتهم نحو التفتح و الحياة و المستقبل ، كانت قبل قليل رحبة جميلة آمنة وادعة و واعدة ، ثم فجأة تحولت الى مميتة قاتلة مرعبة لا ترحم .
الستة آلاف طفل ، قتلوا و انتصروا . و انتصر لهم و معهم ملايين البشر في أربعة ارباع الأرض ، بكل لغات شعوب العالم و ألوانهم و دياناتهم و ثقافاتهم و جنسياتهم و طبقاتهم ، و سيستمر هذا الانتصار في ذاكرة الأجيال لعشرات السنين القادمة ، ذلك لانه انتصار للطفولة "للإنسانية" ، لم يكن الانتصار لهؤلاء لانهم فلسطينيون ، او عرب او مسلمون ، فهم في حقيقة الامر ليسوا كذلك على الاطلاق ، انهم مجرد أطفال ، لا يفهمون من السياسة او الدين او الصراع شيئا ، جل ما يفهمونه اصبع شيكولاطة او حبة بوظة او قنينة حليب مزجها الوحش الديمقراطي بالدم و الردم و الغبار ثم القبر الجماعي الطفولي مع سبق الإصرار و الترصد الحضاري ، حتى انه لاحقهم في المستشفيات . ألم يفهم هذا الوحش المتحضر الذي يدعي ان دولته هي الدولة الوحيدة في العالم التي أقيمت بكتاب الرب "سفر التكوين"، ألم يفهم انهم حين يصبحون في المستشفى انما يصبحون في حمايته ، ألم يفهم انهم أحباب الله و ان يسوع المسيح قال قبل ألفي سنة : دعوهم يأتون إلي ، و بدون ادنى شك سيهب لنجدتهم و حمايتهم .
لقد كانت دعوة الوحش ابادتهم بقنبلة ذرية ، أقل شرا من ابادتهم بالتقسيط يوما فيوما على مدار 45 يوما ، دون توقف ، رغم دعوات التوقف الكاذبة ، و لو كانت دعوات صادقة ، لتوقف كل ذلك خلال أسبوع في أقصى حد ، فخلفت في من نجا ألما و حزنا و فزعا و نزحا و نزفا و جوعا و عطشا ، ما سيلازمهم الى الابد ، عدا عن ان حجم القصف بقنابل غير ذرية فاق خلال الشهر الأول حجم قنبلتين ذريتين من تلك التي ألقيت على هيروشيما ، و اليوم ارتفع المنسوب الى ما يزيد عن ثلاثة قنابل ذرية او حتى أربعة .
قتلوا ، وانتصروا ، و رغم ان الأرض لا تشرب الدم ، بغض النظر عن ان كان صاحبه طفلا او كهلا ، ذكرا او انثى ، مسلما او يهوديا ، أبيضا او أسودا ، قاتلا او مقتولا ، انسانا او حيوانا ، فإن أرض غزة جبلت بدماء أطفالها وأشلائهم و احلامهم و ألعابهم و جوعهم و صرخاتهم بعد ان ضاقت بهم أروقة الأمم المتحدة و محافل العروبة و الإسلام و منصات حقوق الانسان على كثرتها و المستشفيات و المدارس ، لصهر عجينة جديدة ، عجينة أطفال غزة ، الذين قتلوا و انتصروا ، فتتحقق رؤية محمود درويش في معرض "أطفال الحجارة" قبل 36 سنة ، أن : منكم السيف و منا دمنا / منكم الفولاذ و النار ، و منا لحمنا / فاحملوا اسماءكم و انصرفوا .