تجلس اسرائيل منذ خمس سنوات على الجدار حيال ما يجري في سورية، تستمتع بوضع السير: لا تتدخل بيد فظة، ولكن تهتم وتنبش قليلا، ولاسيما فيما يجري على حدود الجولان. هذا آخذ في الانتهاء. ليس بعيدا اليوم الذي ستضطر فيه اسرائيل الى النزول عن الجدار واسماع موقف علني وواضح في المسألة السورية. ومن ناحيتها فان المسألة السورية ليس فقط من يجلس في دمشق بل – وبالاساس – من يجلس في هضبة الجولان، من هي القوات التي ستنتشر هناك، في أي ظروف، تحت أي اتفاقات وماذا سيكون تأثير ايران و"حزب الله" في هذه الجبهة. تتجه عيون العالم، الآن، نحو المعارك التي يخوضها الجيش السوري، بمساعدة روسية، حول مدينة حلب. فللمعركة في هذه الجبهة سيكون تأثير حاسم على وضع الثوار وعلى مصير نظام الأسد. ناهيك عن أن القتال في حلب يخلق كتلة اخرى من اللاجئين الفارين الى اوروبا. لقد تحدث الاسد في نهاية الاسبوع عن استمرار القتال، رغم الاعلانات عن بدء محادثات مع الثوار ووقف للنار، إذ إنه يوجد في حالة زخم ويحاول استعادة الحكم في المدن الاربع الكبرى: دمشق، حلب، حماة، وحمص. عودته الى المدن الكبرى ستعيد له السيطرة على سورية كدولة. الى جانب الجبهة الاساس في حلب – ادلب في شمال سورية، يجري جهد ثانوي، سوري – روسي في جنوب سورية. فالجيش السوري يقترب الآن من مدينة درعا، ويهدد بمحاصرتها. اما من ناحية اسرائيل فان هذا الجهد الثانوي هو القلق الاساس. فدرعا باتت عندنا، في الساحة الخلفية. مدينة درعا هي أحد الرموز لاندلاع الحرب الاهلية في سورية. يوم الجمعة، 18 اذار 2011، نشبت هناك اضطرابات بعد الصلاة في المساجد، بحجم وقوة لم يشهد لهما مثيل في سورية حتى ذلك الحين. فلم يتصور أحد في حينه بأن الحدث العنيف المحلي سينتشر ليصبح حرباً أهلية مضرجة بالدماء، بعد مرور خمس سنوات ستقطف حياة نحو نصف مليون انسان، وتجعل ثلث سكان سورية لاجئين، وتدمر الدولة السورية حتى الاساس. اذا عاد الجيش السوري الى درعا فستكون هذه هزة أرضية، الحجر الحاسم في الدومينو الذي سيسقط معاقل الثوار، الذين يسيطرون اليوم على معظم هضبة الجولان، واحداً بعد الآخر. يستهدف الجهد السوري – الروسي في جنوب سورية السيطرة على محور دمشق – درعا. الجيش السوري، بمساعدة ميليشيات شيعية وميليشيات شعبية سورية (الشبيحة)، نجح في ان يحتل حتى الآن بلدتين أساسيتين على المحور: الشيخ مسكين وعثمان. وبالتوازي، سيطر الجيش السوري مجددا على احدى القواعد المركزية في المنطقة، والتي كانت تعود للواء 82 السوري والتي مكث فيها الثوار حتى الآن. اذا سقطت درعا في ايدي الجيش السوري فان كل الفكر السياسي الاسرائيلي في سورية سيكون تحت الاختبار. يوجد بين إسرائيل وروسيا تفاهم حول العمل العسكري للدولتين في هذه الساحة، وهدفه منع الصدام جراء الاخطاء. واذا لم يكن لاسرائيل وروسيا، منذ الآن، تفاهمات حول مستقبل هضبة الجولان بعد أن يستقر الوضع في سورية فان السياسة الاسرائيلية تساوي في قيمتها قيمة قشرة الثوم. اذا لم تكن اسرائيل والولايات المتحدة منسقتين في الموقف الذي ستعرضه الولايات المتحدة في محادثات المصالحة في المسالة السورية، ولاسيما بالنسبة للشروط العسكرية التي ستسود في هضبة الجولان السورية، فهذا ليس مجرد قصور سياسي، بل دعوة لمواجهة مسلحة. فالأمين العام لـ"حزب الله" والايرانيون لا يخفون نيتهم توسيع الجبهة حيال اسرائيل: من البحر المتوسط وحتى جنوب هضبة الجولان. لقد هاجمت اسرائيل حتى اليوم كل محاولة من ايران و"حزب الله" للسيطرة في هضبة الجولان، وأخذت عن وعي مخاطرة التدهور الى مواجهة شاملة في جبهة لبنان. من المعقول الافتراض بانه في قلب المحادثات التي اجراها وزير الدفاع يعلون مع الملك الاردني عبد الله في ألمانيا، الاسبوع الماضي، كانت مسألة مثلث الحدود ومنطقة درعا. فاسرائيل والاردن ينظران الى جبهة جنوب الجولان بقلق متعاظم. اذا لم يكن لاسرائيل تفاهم مع القوى العظمى حول الجولان، فلا يوجد سبب يمنع الا يصل في اعقاب الجيش السوري الى هذه الجبهة رجال "حزب الله" والايرانيون. تماما مثلما يوجد سبب يبقي اتفاقات الهدنة وفصل القوات التي سادت في الحدود السورية حتى اندلاع الحرب الاهلية على حالها كما كانت في الماضي.