بوتين يسعى لـ«انقلاب ديموغرافي» في سورية الجديدة

23
حجم الخط

جاء الشهر الاخير بالكثير من الراحة لبوتين، الرئيس الروسي، وحلفائه بشار الاسد وقادة "حزب الله" وايران. الحرب التدميرية ضد المتمردين السوريين ومن يؤيدونهم تسير حتى الآن بشكل جيد. فقد استطاعت مليشيات الأسد ومقاتلو حرس الثورة الإيراني السيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية في شمال سورية حول مدينة حلب وفي الجنوب حول مدينة درعا. السكان السوريون يدفعون ثمن نجاح بوتين والاسد. عدد القتلى حسب التقديرات هو نصف مليون انسان، أي ضعف ما كان حسب الافتراض. يضاف اليهم 8 ملايين لاجئ، ثلث سكان الدولة، الذين وجدوا ملجأ خارج حدودها. الهجمات الحالية لروسيا وايران قد تضيف 2 – 3 ملايين سوري لدائرة اللجوء. التدخل الروسي – الايراني في سورية، الذي بدأ في ايلول الماضي، كبح تمدد المتمردين الذين كانوا قبل اشهر معدودة على مشارف دمشق. هذا التدخل سمح للنظام السوري أن يزيد من سيطرته "على سورية الصغيرة" التي بقيت في حوزته، وهي منطقة ضيقة تمتد من دمشق في الشمال الى مدينة حلب والى الشاطئ العلوي الذي هو معقل النظام، وجنوبا الى المدينة الحدودية الجنوبية درعا. الآن يتوجه الائتلاف الروسي الايراني الى المرحلة التالية – القضاء على تواجد المتمردين في غرب سورية حتى لا يستطيعوا العودة وتهديد نظام بشار. من هنا تنبع أهمية مدينة حلب، وهي المدينة الثانية في حجمها في الدولة، والتي توجد قرب الحدود التركية. كانت هذه المدينة في السنوات الأخيرة منقسمة وتتوزع السيطرة فيها بين المتمردين وبين النظام. وقد نجح النظام السوري الآن في حصارها من كل الاتجاهات، حيث قام بفصل المتمردين الموجودين فيها عن حليفتهم تركيا. ويستعد الآن للسيطرة عليها، ومن هناك يتوجه الى الغرب الى مقاطعة ادلب التي ما زالت توجد تحت سيطرة المتمردين، وهي تشكل نقطة انطلاق للهجوم على الشاطئ العلوي. وفي السياق يوسع النظام السوري سيطرته ايضا في جنوب الدولة باتجاه درعا. وعلى المهداف توجد هضبة الجولان السورية التي سيطر عليها المتمردون قبل سنتين. اذا استمر النظام السوري في انجازاته فقد يعيد السيطرة على غرب سورية بالكامل. ومن هناك التوجه شرقا في محاولة لاسترجاع المناطق السورية التي سيطر عليها "داعش" قبل سنة. هذا السيناريو متفائل جدا بالنسبة لبشار وحلفائه وتحقيقه ما زال أمرا بعيدا. لكن بشار الأسد، الذي قمنا بتأبينه منذ وقت يتبين أنه الاكثر بقاء من الجميع، بالطبع بمساعدة بوتين وإيران. إن نجاح بوتين هو فشل اوباما. والمرونة التي تظهرها الولايات المتحدة في سورية ومناطق اخرى في الشرق الاوسط هي التي مكنت بوتين من فعل ما يشاء وهندسة سورية من جديد. لم تعد الدولة التي فيها أقلية علوية (10 في المئة) تسيطر على اغلبية سنية كبيرة ومتمردة. سورية الجديدة نصف سكانها تقريبا تحولوا الى لاجئين، ومن بقي يعانون من الصدمة ومستعدون للقبول بالتوازن الديمغرافي الجديد، حيث اصبح العلويون والاقليات الاخرى نصف سكان سورية الجديدة. لقد عرفت الحرب في سورية تحولات حادة، ولاسيما تبخر التنبؤات. لكن بغض النظر عن الدمار في سورية فان بوتين في هذه الاثناء هو المنتصر الأكبر.