اُطلبْ العلم ولو.. تحت النار: متطوعون في غزة يدرّسون النازحين في مراكز الإيواء

1829c4f1-13d3-4f60-adab-581da9f14a70.jpg
حجم الخط

وكالة خبر

الاحتلال الإسرائيلي لا يحارب الفلسطينيين بالأسلحة والصواريخ فقط؛ وإنما يحاربهم أيضاً بالتجهيل وتغييب العقول.

بمبادرة فردية وجهد ذاتي، يسعى المُعلّم الفلسطيني النازح من شمالي قطاع غزة إلى وسطه، أحمد أبو سمعان، لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي وتحدّيه من خلال التعليم داخل مراكز الإيواء وسط القطاع. 

ويتحدى أبو سمعان، وغيره من المبادرين إلى تعليم الأطفال داخل مراكز الإيواء في وسط القطاع وجنوبيه، حربَ التجهيل الإسرائيلية التي تُمارس بصورة خفية على الفلسطينيين، وخصوصاً شريحة الأطفال، الذين تهدد الحرب على غزة بإلغاء عامهم الدراسي. 

وتسبّبت الحرب الإسرائيلية بتوقف المسيرة التعليمية في القطاع، كما تحولت أغلبية المدارس إلى مراكز لإيواء مئات الآلاف من النازحين، ودمّر القصف الإسرائيلي جميع مدارس غزة وشماليها، الأمر الذي سيعوّق عودة الطلاب إلى فصولهم الدراسية لوقت طويل من الزمن.

"الاحتلال الإسرائيلي لا يحارب الفلسطينيين بالأسلحة والصواريخ فقط، وإنما يحاربهم أيضاً بالتجهيل وتغييب العقول، بهدف ظهور جيل غير متعلم وغائب عن تفاصيل القضية الفلسطينية"، يقول أبو سمعان لـلميادين نت.

ويضيف: "دفعني ذلك إلى المبادرة إلى تأسيس فصول دراسية مصغرة للأطفال النازحين مع عائلاتهم من غزة وشماليها إلى وسط القطاع في مدارس الإيواء، واستهدفت الدروس بصورة خاصة أطفال المرحلة الأساسية". ويفيد المعلم الفلسطيني بأنه، منذ نزوحه، تبادرت إلى ذهنه أفكار متعددة بشأن تقديم الخدمات الدراسية إلى الأطفال، وأقدم على شراء أقلام وأوراق ولوح عرض لهذا الغرض، من حسابه الخاص، من أجل إنقاذ الجيل الفلسطيني.

بدأ أبو سمعان، وفق حديثه، بصفوف دراسية صغيرة للغاية، تستهدف فئة طلاب المراحل الدنيا، والتي كان ينظمها في الساحات الضيقة بسبب تكدس الصفوف بالنازحين، الأمر الذي لقي تجاوباً كبيراً من الأهالي، وطالبوها بفصول أكبر ونشاطات أكثر. 

ويضيف: "قمت بتدريس الأطفال مواد اللغة العربية والرياضيات والتاريخ، وتحدثت إليهم عن الحرب الإسرائيلية ومساعي الاحتلال لتجهيلنا، وقدمت إليهم كثيراً من الحوافز للاستمرار في الدراسة وتلقي العلوم، ولو بالقدر القليل".

ووفق أبو سمعان، فإن "الفصل الدراسي انتهى قبل أن يبدأ بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن الحاجة أصبحت ملحّة إلى وضع خطة بديلة من أجل ضمان سير المسيرة التعليمية في القطاع"، مشدداً على أن ذلك يمثل التحدي الأكبر للاحتلال. 

وكان الفصل الدراسي في بدايته مع بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الأمر الذي حال دون تمكن مئات الآلاف من الطلاب والجامعيين من استكمال دراستهم، الأمر الذي يُعَدّ خطيراً على المسيرة التعليمية.

البداية من غرفة المكتبة المدرسية

أمّا المعلمة الفلسطينية أسماء مصطفى، الحائزة لقب المعلم العالمي عام 2020، بدأت قصتها مع الأطفال النازحين من داخل مكتبة مدرسية في مدينة خان يونس، بعد أن اضطرت إلى النزول إليها بسبب الحرب الإسرائيلية.

وتقول مصطفى، وهي معلمة لغة إنكليزية: "نزحت منذ شهرين إلى وسط قطاع غزة لمدة أسبوعين. والآن، في جنوبيه في مدرسة إيواء تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، واستقرّت إقامتي في غرفة المكتبة المدرسية".

وتضيف مصطفى: "أسعدني كثيراً توافر مئات القصص القصيرة للأطفال، وقرّرت أن أخصص جزءاً من وقتي اليومي للأطفال النازحين في المدرسة، تعويضاً لهم مما فاتهم داخل المنشآت التعليمية، ولو بالقدر البسيط".

وقالت: "أسعى لملء فراغ الوقت العصيب الذي يضجّ بأصوات القصف الجوي والقصف المدفعي، وتعزيز صمود الأطفال بعيداً عن مشاهد القصف والدمار والشهداء. أردت أن أُخرج الأطفال بعيداً عن الخوف والرعب والقصف والدمار بغرض التخفيف عنهم قدر المستطاع". 

وتؤكد أنها تعمل على تعزيز وعي الأطفال بالقضية الفلسطينية وتمرين عقولهم على مهارات مميزة تلهيهم عن أصوات الاشتباكات والقصف، من خلال القصة التعليمية المصورة والهادفة، قائلةً إن "ما نعيشه هنا يندرج بكل وضوح تحت سياسة العدو المحتل في تجهيل أبناء غزة وإبعادهم عن طريق العلم".

لم تتصور أسماء مصطفى يوماً أن يتحول مكان عملها إلى مقرّ إقامة وعمل في الوقت ذاته، إذ "يعزّ علينا كمعلمين أن نعيش هذه التجربة، لكن عزائي أنني ألتقي يومياً أكثر من 30 طفلاً، وأساهم في تعليمهم وزيادة وعيهم".

صعوبات المبادرات التعليمية

تواجه المدرّسة أسماء صعوبة في استيعاب كل أطفال المدرسة، بصورة يومية،ـ بحيث يصعب استيعاب آلاف منهم في غرفة واحدة لا تتسع لأكثر من 50 فرداً، مستدركةً: "لكن للتغلب على ذلك، قمت بتحديد عدد المجموعات من الأطفال، بحيث لا يزيد عدد المجموعة الواحدة على 30 طفلاً".

ووضعت المدرّسة الفلسطينية جدولاً يومياً لتعليم الأطفال وللقصص التي ترويها لهم، بحيث تحتوي المدرسة على 4 طبقات وجناحين منفصلين في الطبقة الأرضية. وشملت مبادرتها 1200 طفل، تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و13 عاماً.

وواجهت مصطفى صعوبة أخرى تتمثّل بتعدد المراحل العمرية في الجلسة التعليمية نفسها، الأمر الذي تترتّب عليه صعوبات في اختيار القصص والمحتوى التعليمي، مؤكدة أنها تسعى للتغلب على ذلك بالتعامل مع كل فئة، وفق إدراكها العقلي.

وتؤكد أنّ مبادرتها لقيت قبولاً من جميع العائلات، كما أنّ الأمهات دفعن أطفالهن إلى المشاركة في الجلسات، مضيفةً: "في بعض الأحيان، تكون هناك جلسات للأمهات من أجل تزويدهنّ بالمعرفة اللازمة لتعليم أبنائهنّ".