جاء الأسبوع المنصرم حافلاً بالتحركات ذات العلاقة بـ"خطّة ترامب"، التي تعمل دولة الاحتلال على عدم انتقالها إلى المرحلة الثانية، بذريعة الحديث عن تعمّد حركة حماس التباطؤ في البحث عن جثث المختطفين وتسليمها.
لا بدّ أن الإدارة الأميركية قد أدركت محاولات نتنياهو المطلوب لـ"الجنائية الدولية" لتعطيل الخطة والعودة إلى الحرب الهمجية، عَبر جملة من الخروقات التي لم تتوقّف.
منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، لم تتوقف غارات الاحتلال الهمجية، والقصف العدواني بذريعة الاقتراب من "الخطّ الأصفر" الذي تقف عنده قوات الاحتلال، فلقد سقط حوالى 120 شهيداً وعدد كبير من الجرحى، وآخرها قصف استهدف عضواً في "الجهاد الإسلامي"، حسب زعم المصادر الإسرائيلية، وسط النصيرات جنوب غربي غزّة.
المعابر، خصوصاً معبر رفح، أغلقته الدولة العبرية إلى أجل غير محدود بعد إعلانات متكرّرة عن موعد لفتحه، وعدد الشاحنات التي تدخل إلى القطاع لا يلبي الاحتياجات أو العدد المتفق عليه.
ولم تسمح بدخول المعدّات الثقيلة لرفع الركام، وفتح الطرق، وتشغيل آبار المياه، أو أيّ معدّات لها علاقة بإصلاح البنية التحتية.
ولم تسمح، كذلك حتى الآن، بإدخال النقد للبنوك، أو إدخال الكثير من الاحتياجات المنقذة للحياة، أو المعدّات الطبّية، فضلاً عن الخيام والكثير من أنواع الأدوية، والمواد الغذائية التي افتقدها الناس لسنتين كاللحوم والأسماك والدواجن.
مع ذلك، تتراوح التصريحات الأميركية بالنسبة لـ"حماس" بين التفهّم أحياناً وبين مواصلة التهديد في حال أظهرت أي تلكُّؤ، أو أقدمت على أي انتهاك، بما في ذلك، التصرّف إزاء الجماعات الخارجة عن القانون.
ربما لا يتضح علنياً، الدور الذي يقوم به الوسطاء العرب في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لكنهم بالتأكيد، يمارسون هذا الدور بصمت نسبي مع الإدارة الأميركية.
الأخيرة ألقت بثقل غير عادي، لضبط السلوك الإسرائيلي المتمرّد، لمنع انهيار "الخطّة" التي حملت هدية ترامب، ومراهناته، خاصة أن التصريحات التي تتحدث عن الإصرار على تحقيق الانتصار الكامل لا تزال تصدر عن نتنياهو وفريقه "اليميني الفاشي".
أرادت الإدارة الأميركية أن تنقل رسالة حازمة وقوية لدولة الاحتلال أنها لا يمكنها التلاعب بترامب وإدارته، التي تسعى من موقعها لتحقيق المصالح الأميركية، وإنقاذ دولة الاحتلال من نفسها.
لسان حال ترامب وإدارته كأنه يقول: لقد منحناكم وقتاً أكثر من كافٍ، وقدمنا لكم أكثر مما يلزم من دعم، لإنجاز المهمّة ولكنكم فشلتم، وأوقعتمونا وأوقعتم أنفسكم في عزلة دولية، وقد حان الوقت لأن تتركوا لنا المهمّة.
دأب نتنياهو على تقديم رسالة ظهرت جليّاً من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقول إن كيانه يدافع عن الحضارة "الغربية"، وعن قيم الديمقراطية، بل إنه يدافع عن أميركا، ولكن الرد الأميركي جاء عملياً ليقول له: إن كنت تفعل ذلك فقد فشلت ولذلك نحن من سيتسلّم زمام المبادرة.
جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وجي دي فانس، في الوقت ذاته في الدولة العبرية، لحق بهم ماركو روبيو، لتوصيل رسالة لا مجال لسوء فهمها، بأن ترامب جاد وحازم في إلزام دولة الاحتلال بضرورة الانصياع للتعليمات الأميركية.
ثمّة ما يشبه الانتداب الأميركي على دولة الاحتلال، فالمبعوثون الأميركيون لم يتوقفوا عن اللقاءات بنتنياهو، ووزراء، وجنرالات عسكريون وأمنيون لشرح ما عليهم فعله والالتزام به.
وعملياً فإن مركز التنسيق العسكري المدني الذي أقامته أميركا في كريات غات، وبوجود 200 جندي، سيتكفّل علنياً بمراقبة تنفيذ الاتفاق وتدفق المساعدات، ولكنه عملياً يقوم بمهمة ضبط السلوك الإسرائيلي بالتواصل المباشر مع كافّة الجهات المعنية.
يقول المثل الشعبي: "دجاجة حفرت على راسها عفرت"، هكذا هو حال دولة الاحتلال، وحكومتها الفاشية، التي لا تتوقّف عن البحث عن/ أو خلق ثقوب سوداء، لتعطيل "الخطة".
كان من غير المعقول أن ينعقد "الكنيست"، خلال وجود فانس، ويقرّ بالقراءة التمهيدية، ضمّ الضفة الغربية و"معاليه أدوميم".
هذه كانت لعبة مكشوفة تماماً، وحتى لو أنها لا تعني شيئاً على المستوى التشريعي والعملي، فإنها تنطوي على تمرّد وإهانة للإدارة الأميركية تحت أعين نائب رئيسها.
تملّص نتنياهو، وألقى بالمسؤولية على حلفائه المتطرفين لكن وزيراً من "الليكود" هو من رجّح كفّة المشروع، ما يعني أن المناورة لم تكن فقط من قبل "المعارضة" لإحراج نتنياهو كما يدّعي وإنّما هو، أيضاً، منخرط في تلك المناورة.
وحين لا تفلح هذه المناورة المكشوفة، التي استفزّت ليس فقط ترامب ونائبه وإدارته، وإنّما، أيضاً، الدول العربية والإسلامية وعديد دول العالم التي تلتزم "رؤية الدولتين"، نقول حين لا تفلح هذه المناورة، يلجأ نتنياهو إلى مناورة أخرى، تتصل برفضه القاطع لمشاركة تركيا في أي قوّة لحفظ السلام في غزّة، وأتبعها بتصريح آخر برفض مشاركة أي دولة تعترف بدولة فلسطين.
حين عفرت الدجاجة الإسرائيلية على رأسها جاءها الردّ سريعاً على لسان ترامب، بعد أن أبدى نائبه الرفض والذهول من تصويت "الكنيست".
هي أوّل مرّة في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، أن يخرج ترامب ليطلق تهديداً علنياً حازماً وقوياً، يحذّر دولة الاحتلال من أنها ستفقد كل الدعم، في حال أقدمت على بسط السيادة على الضفة، بعد أن تعهّد ترامب للعرب والمسلمين بأنه لن يسمح بذلك.
أكثر من هذا عاد ترامب ليتحدث عن أن صورة دولة الاحتلال في العالم سيئة، وأنه لا يستطيع أن يحارب العالم. وقد فاجأ الجميع، حين تحدث عن أنه قد يتخذ قراراً بالإفراج عن المناضل مروان البرغوثي، الأفضل من وجهة نظره لإدارة قطاع غزّة، وهو ما أحدث صدمة في دولة الاحتلال كلّها.
هذه الفعاليات والتصريحات، تركت لدى الكثير من السياسيين الإسرائيليين انطباعاً بأن دولة الاحتلال لم تعد وهي ليست دولة مستقلة، وأن نتنياهو ليس أكثر من حاكم ولاية، كما أنها أنعشت المخاوف الوجودية بالنسبة لدولة الاحتلال.
في مقالٍ سابق تحدثتُ عن خيارات وتفضيلات صاحب الصفقات العقارية الذي يحكم الدولة الأقوى في العالم حتى الآن، فإذا كان شعار حركته "أميركا أوّلاً"، و"أميركا الأقوى"، فإن المال العربي يلعب دوراً هائلاً ووحده الموقف العربي حين يدخل معادلات الفعل بإرادة صلبة.
أليس ما يجري مؤشّر على أن أميركا، تنحاز لمصالحها حتى لو لم تكن في مصلحة دولة الاحتلال كما يراها الإسرائيليون؟
إنجاح اتفاق غزة بين الوصاية على غزة وخطوط إسرائيل الحمراء
23 أكتوبر 2025
