فقد المشهد الثقافي الفلسطيني عدداً كبيراً من المبدعين في مجالات ثقافية وفنية عدة العام 2023، إلا أن عددهم سجّل رقماً قياسياً في الأشهر الأخيرة، بدءاً من السابع من تشرين الأول، جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل.
أول الراحلين كان المؤرّخ والكاتب الفلسطيني جهاد صالح، صاحب الإنجازات المهمة، لا سيما موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين"، وذلك في التاسع والعشرين من كانون الثاني في العاصمة الأردنية عمّان، هو الحائز على جوائز عدّة، بينها جائزة دولة فلسطين للدراسات الاجتماعية والعلوم الإنسانية للعام 2018.
وفي العشرين من نيسان، رحلت في العاصمة الأردنية عمّان الشاعرة والمترجمة سلمى الخضراء الجيوسي عن 95 عاماً، تاركة خلفها إرثاً مؤثراً، يتجسد بالدرجة الأولى بتأسيسها العام 1980 مشروع "بروتا" لنقل الأدب والثقافة العربية إلى العالم الأنكلوسكسوني، ضمن مسيرة شهدت الفوز بعدد من أهم الجوائز العربية والفلسطينية، وتوّجت بفوزها بجائزة محمود درويش للإبداع في دورتها الأخيرة، قبل شهر من رحيلها.
وغيّب الموت، في الخامس والعشرين من أيار، في العاصمة السورية دمشق، الموسيقار الفلسطيني حسين نازك (81 عاماً)، مؤسس فرقة "العاشقين"، والمعروف أيضاً بإعادة توزيع النشيد الوطني الفلسطيني "فدائي" (2005)، تاركاً بصمات واضحة في مجال حفظ التراث الفلسطيني وتجديده، واختير شخصية العام الثقافية للعام 2023 من قبل وزارة الثقافة.
وفي الثاني من حزيران، رحلت الفنانة التشكيلية نتاشا المعاني (64 عاماً) في العاصمة الأردنية عمّان، بعد صراع مع المرض، وحياة فنّية ونضالية رافقت خلالها مسيرة الثورة الفلسطينية في محطات عديدة، منها حصار بيروت في العام 1982، الذي شهد ميلاد موهبتها، وابنها الأكبر الفنان الفلسطيني شادي زقطان، وهي ابنة الكاتبة زهرة عمر، التي كانت ملهمة ابنتها، خاصة أن نتاشا فقدت والدها حين كانت في سن السادسة.
وكان صادماً رحيل الشاعر والكاتب والباحث زكريا محمد، في رام الله، في اليوم الثاني من شهر آب، عن عمر ناهز 73 عاماً، هو المولود في قرية "الزاوية" قرب نابلس في العام 1950.
ودرس زكريا محمد الأدب العربي في جامعة بغداد، وبعد تخرجه في العام 1975 انتقل إلى بيروت وعمل في الصحافة، كما كرّس نفسه كاتباً وصحافياً منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومن المنابر الإعلامية والثقافية الفلسطينية التي عمل بها في كل من بيروت وعمّان، مجلتا "الحريّة" و"الفكر الديمقراطي"، وعند عودته إلى فلسطين في العام 1994، بدأ بكتابة عمود صحافي بشكل منتظم في جريدة "الأيام" اليومية، كما تولى منصب سكرتير تحرير مجلة "الكرمل" التي أسسها محمود درويش وكان يترأس تحريرها، وقبلها ضمن فريق تحرير مجلة "دفاتر ثقافية" التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة.
وله في الشعر تسع مجموعات، هي: "قصائد أخيرة" (1981)، و"أشغال يدوية" (1990)، و"الجواد يجتاز أسكدار" (1994)، و"ضربة شمس" (2003)، و"حجر البهت" (2008)، و"كشتبان" (2014)، و"علندي" (2016)، و"زرواند" (2021)، و"تمرة الغراب" (2022).
وفي الميثولوجيا والأديان القديمة ألّف زكريا محمد عديد الكتب منها: "نخلة طيء: كتب سرّ الفلسطينيين القدماء"، و"عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية"، و"ديانة مكّة في الجاهلية: كتاب الميسر والقداح"، و"ديانة مكّة في الجاهلية: الحمس والطلس والحلّة"، و"ذات النحيين: الأمثال الجاهليّة بين الطقس والأسطورة"، و"نقوش عربية قبل الإسلام"، و"مضرب الحجارة: كتاب اللقب والأسطورة"، و"اللغز والمفتاح" رُقم دير علا ونقوش سيناء المبكّرة"، و"عندما سحقت حيّة موسى"، وآخرها، العام الماضي، بعنوان "سنة الحيّة: روزنامات العصور الحجرية"، وله في أدب الأطفال: "أول زهرة في الأرض" (2008)، و"مغنّي المطر" (2010)، و"أميرة" (2013)، وجميعها صادرة عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله.
ولزكريا محمد روايتان، أولهما "العين المعتمة" عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين (1997)، و"عصا الراعي" عن مؤسسة الأسوار في عكا (2003)، وأعيدت طباعتها عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان (2014)، ومن أبرز كتبه "ديك المنارة: مداخلات في الثقافة والمجتمع"، الصادر عن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) في العام 2003، فيما تُرجمت له مجموعة شعرية إلى الكورية بعنوان "سوف نسمع الحصان يخِبّ حتى الفجر".
وتوفي، مساء السابع عشر من أيلول، الفنان حسين منذر، أحد مؤسسي فرقة العاشقين الفلسطينية ومطربها الرئيس، هي التي اشتهرت بأغانيها النضالية والتراثية، بعد إصابته بعارضٍ صحي استدعى نقله إلى المستشفى.
وعُرف الفنان اللبناني الراحل، المولود في مدينة بعلبك شرق لبنان، بغنائه لفلسطين وعنها، من خلال فرقة العاشقين الموسيقية التي كان أحد مؤسّسيها العام 1978.
وسجّل الراحل مع فرقته أكثر من 300 أغنية عن فلسطين، من أبرزها: "اشهد يا عالم علينا وع بيروت" و"من سجن عكا طلعت جنازة"، و"يا طالع ع جبال النار"، و"هبت النار"، و"موّال فلسطين"، وغنى كلمات مجموعةٍ من أبرز شعراء فلسطين كالشاعر أحمد دحبور الذي ألف العديد من أغاني الفرقة، إضافةً إلى محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم.
وفي الحادي والعشرين من أيلول رحل المخرج المسرحي الأردني من أصول فلسطينية خالد الطريفي، الذي توفي عن عمر ناهز 68 عاماً، بعد حياة حافلة بالإنجاز الفني وتدريب أجيال على خشبة المسرح، في الدراما التلفزيونية، وفي الأفلام كتابة وتمثيلاً.
وفي السابع والعشرين من الشهر نفسه، رحل الفنان التشكيلي الفلسطيني إبراهيم هزيمة، في ألمانيا عن عمر ناهز التسعين عاماً، وهو من مواليد مدينة عكا العام 1933، قبل أن يلجأ وأسرته بعد نكبة فلسطين في العام 1948 إلى سورية، حيث استقر في مدينة اللاذقية، لتبدأ رحلة المعاناة والكد كبقية اللاجئين، هو الذي في العام 1960 مكّنته موهبته من الحصول على بعثة دراسية لمدينة لايبزيغ الألمانية، حيث درس فنون التصوير، حتى تخرج بتفوق في العام 1963، وعمل كمعيد في معهده لخمس سنوات، استوعب خلالها الفن الأوروبي، ما ساعده في تكوين أسلوبه وخطه الفني الخاص والمتميز. وفي العام 1979 انتخب عضواً في الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وبات مسؤولاً عن العلاقات الخارجية فيه، قبل أن ينتخب في العام 1988 رئيساً للجنة الوطنية التشكيلية الفلسطينية في اليونسكو، كما انتخب رئيساً فخرياً للاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين في أوروبا.
واستشهد في حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة عددٌ كبيرٌ من المبدعين في مختلف القطاعات، من أبرزهم: الشاعر سليم النفّار، والممثلة إيناس السقا، والشاعر والأكاديمي رفعت العرعير، والفنان الكوميدي والمدوّن الشهير علي نسمان، والفنانة التشكيلية هبة زقّوت، والفنان التشكيلي محمد سامي قريقع، والروائية الشابة هبة أبو الندى، والفنانة التشكيلية حليمة الكحلوت، والروائي الشاب نور الدين حجّاج، والفنان المسرحي محمد السلك، والممثل الشباب عمرو مروان، والفنان المسرحي الحارث البرّاوي، والفنان المسرحي الشاب عاهد أبو حمادة، والفنان المسرحي محمد زقزوق، وعازف الإيقاع أكرم العجلة، والحكواتي والمصوّر غازي طالب، والمغني محمد أبو ناجي، ورئيس منتدى الفن التشكيلي ثائر الطويل، والشابة تالا بعلوشة من فرقة "أصايل وطن" للفنون الشعبية، والشاعر والمخرج سويلم العبسي، والفنان طارق ضبان، والفنانة التشكيلية نسمة أبو شعيرة، والمخرج السينمائي سميح النادي، والشاعر شحدة البهبهاني، والشاعر والكاتب عمر أبو شاويش، وإلهام فرح أول مدرسة موسيقى في قطاع غزة، وغيرهم.
ورحلت، في الثامن من تشرين الأول، الفنانة التشكيلية والمصممة الفلسطينية ضياء البطل، المتخصصة في التصميم المكاني وتوظيف جمالية الخط العربي والفن التقليدي في أعمالها وتصاميمها، وعرضت أعمالها في معارض فنية في بيروت، والمنامة، وعمان، وباريس، وليفربول، ولندن، وغيرها، وهي ابنة الزميل الصحافي الراحل حسن البطل، والنحاتة الشهيرة الراحلة منى السعودي، كما رحل في مطلع الشهر نفسه الناشر عدنان أبو غوش، والشاعر حسين مهنا.