العمل الغرائزي "... غزة نموذجا

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

ما يزال العمل الغرائزي "الحيواني" يطغى على المشهد في غزة ، وهو غير مقتصر على الإسرائيليين، بل يمتد ليشمل الأميركيين و البريطانيين والعرب والمسلمين ، بدرجات مختلفة ومتفاوته ، كلهم تقريبا متوافقون على عدم وقف الحرب الابادية التدميرية على غزة، رغم الاثمان الباهظة التي تدفع عند مذبحها ، فلسطينيا واسرائيليا وأميركيا وعربيا واسلاميا على أكثر من صعيد، وبالمناسبة ، ستخسر إسرائيل هذه الحرب استراتيجيا، حتى لو قتلت السنوار والضيف واعادت محتجزيها بدون صفقة تبادل .
بعد نحو أربعة أشهر على هذه الحرب الابادية ، بدأت تظهر أصوات إسرائيلية ، تنحى منحى عقليا اكثر منه غرائزيا ، فقد ظهرت افتتاحية لجريدة "هآرتس" مؤخرا تحت عنوان "فلندفع الثمن ونعيدهم" ، ربما لم تستطع القول بعد : يجب وقف الحرب واعادتهم ، مقدمة لاعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة ، وأقلها الانسحاب الكامل من ارضه التي احتليناها عام 1967 .
بعد الطوفان في السابع من أكتوبر، كانت معظم أوروبا الغربية ومعها أميركا، لتفتح حوارا معك، تسألك : هل انت تدين الطوفان والقسام وحماس ، وظل الغرائزيون الإسرائيليون – حتى اليوم – يحمّلون مسؤولية إبادة غزة وتدميرها وتجويعها لغزة كلها ، ثم لحركة "حماس" ثم لجناحها العسكري كتائب القسام ثم للسنوار وخمسة من ربعه يطالبونهم اليوم بالخروج من غزة لكي يتوقف اطلاق النار .
لو لم يكن هؤلاء غرائزيون ، لسألوا انفسهم سؤالا واحدا : لماذا كان الطوفان . لو لم يكن هؤلاء غرائزيون ، لتوقفوا قليلا "هنيهة" قبل ان يهرعوا "يدشعوا" الى غزة لينتقموا من حماس "فيجتثوها" ومعها الشعب ليبيدوه ويقطعوا عنه الغذاء والماء و الكهرباء والدواء حتى على الاطفال الرضّع والخدّج والمستشفيات والمدارس ودور العبادة، وبالطبع إعادة المحتجزين سالمين بدون أي صفقة تبادل مع "المخربين" الذين مضى على بعضهم في السجون ثلاثين وأربعين سنة .
وحتى لا تكون افتتاحية "هآرتس" غرائزية ، مهتمة فقط بالمحتجزين الـ 136 مقابل الاسرى الفلسطينيين ، بل بداية عمل عقلاني يبحث بحكمة عن أسباب هذا الصراع الطويل الذي امتد لثلاثة أجيال ، قابل اليوم لأن يمتد لثلاثة أجيال أخرى بعد تجاوز خيوطه غزة الى الضفة الغربية والجنوب اللبناني، بمعنى انه لو لم يكن هناك اسرى لدى "حماس"، لكنا ربما شهدنا ما هو أكثر غرائزية وبهائمية لاشباع شهوة القتل و التدمير ، وما شهدناه مؤخرا عند معبر كرم أبو سالم من انقضاض ذوي محتجزين على بعض شاحنات المساعدات لمنع إدخالها ، هو نموذج لهذه الغرائزية ، المعبر عنها في المأثور الإنساني التهكمي "مئة ام تبكي و لا أمي تبكي" . ما فعله نتنياهو و اقطاب حكومته الفاشية ، ان ضاعف عدد الأمهات الباكيات ، ليس الفلسطينيات فقط ، بل آلاف الأمهات الاسرائيليات اللواتي فقدن فلذات اكبادهن من الجنود قتلى و جرحى ومعوقين ، متماثلا بذلك مع الأخت التي ذهبت للانتقام من قتلة أخيها ، فعادت حبلى . أما والد احد المحتجزين فقال : "لدينا أسود تحت قيادة حمير" .