عواصم - وكالات: تعددت خلال الأشهر الماضية صور التضامن الفنية مع قطاع غزة. في هذا السياق، يحضر فن الجداريات (الغرافيتي)، الذي حمل كل معاني الدعم الإنساني لشعب أعزل يقف وحيداً أمام آلة عسكرية جبارة تدعمها أكبر حكومات العالم.
من بلفاست في أيرلندا، جاء آخر المشاريع الفنية لتلك الجداريات، إذ بدأ في 19 الجاري المشروع الفني الذي كان مخططاً أن يقام في فلسطين بالتعاون مع عدد من الفنانين الفلسطينيين.
برزت الفكرة حين شاهدت الفنانة رنا حمودة الجدار الدولي في شارع ديفيس في بلفاست، الذي يخصص كل عام لتناول قضية سياسية متعلقة بالصراعات الدائرة حول العالم، فأعجبت بالفكرة واقترحت تنفيذها في بلدها.
جعل العدوان على قطاع غزة تنفيذ العمل الفني بفلسطين مستحيلاً، لذلك سيشرع فنانون أيرلنديون في تنفيذ المشروع على الجدار الدولي، كما صرح بذلك لصحيفة "أيريش نيوز"، بِل رولستون، الذي وثّق الجداريات السنوية في بلفاست منذ العام 1981.
من المفترض أن الجداريات التي جرى البدء في تنفيذها ستقوم على أعمال لفنانين فلسطينيين، منهم هبة زقوت التي استشهدت في تشرين الأول مع اثنين من أبنائها الأربعة، بغارة لجيش الاحتلال.
في إنكلترا، وتحديداً في مدينة بريستول، وعلى جدار أحد المباني في حديقة غريفيل سميث، أقام اثنان من أبرز فناني الشوارع، هما أسيرون وآندي كاونسل، معرضاً مستوحى من عنوان كتاب الحكايات الشعبية "قول يا طير" للكاتبَين الفلسطينيين شريف كناعنة وإبراهيم مهوي.
يضم المعرض رسومات لعصافير الشمس، وهو نوع من الطيور اعتمدته السلطة الفلسطينية العام 2015 طائراً وطنياً.
وقال أسيرون وآندي كاونسل عبر "إنستغرام": "نقدم هذه اللوحة التعاونية تضامناً مع شعب فلسطين، لتكريم التراث الثقافي الغني لأمة تمر بأزمة، ولأننا أردنا فقط أن نحاول فعل شيء ما".
من إنكلترا أيضاً، وعلى جدار خارج محطة مترو أنفاق إدغوير رود وسط لندن، ظهر رسم غرافيتي يصور ذراعاً يسحبها ثلاثة أشخاص، مصحوباً بعبارة تقول: "عالم آخر ممكن"، ليجذب العمل العديد من الناس لمشاهدته والتقاط الصور له، بعد أن رجح كثيرون أنه رمزية لما يحدث في غزة، ويعود لفنان الغرافيتي الأشهر بانكسي.
الفنان الذي يُبقي هويته حتى اليوم مجهولة دعم هذا الترجيح بتاريخه التضامني مع الفلسطينيين، ففي آب 2005، سافر بانكسي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. هناك، رسم سلسلة من اللوحات على الجانب الفلسطيني من جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، لتجذب السياح من جميع أنحاء العالم، وإن كانت أقدم لوحاته في فلسطين تعود إلى العام 2003، تحت عنوان "قاذف الزهور"، وقد رسمها في مدينة القدس المحتلة، وله عمل شهير آخر في بيت لحم، هو عبارة عن حمامة ترتدي سترة مضادة للرصاص.
ومن أعماله أيضاً، لوحة تُظهر طفلين مبتهجين يحملان دلواً من الرمل ومجرفة أسفل فتحة في الجدار، تُفتح على منظر لشاطئ بحر. بينما تصور أخرى فتاة صغيرة تطير بمساعدة بالونات، فيما تجسّد لوحة ثالثة صبياً صغيراً يجلس عند أسفل سُلّم يصل إلى أعلى الجدار، وترمز هذه الأعمال إلى صورة لنمط حياة طبيعي من المفترض أن يعيشه الأطفال في فلسطين، لكنه اليوم بعيد المنال إلى درجة كبيرة.
الفنان المتضامن مع فلسطين له مقطع فيديو شهير في العام 2015 عن غزة يدعو فيه إلى زيارتها، قائلاً: "اجعل هذا العام هو العام الذي تستكشف فيه وجهة جديدة. مرحباً بك في غزة".
إذا غادرنا القارة العجوز إلى أفريقيا، دولة جنوب أفريقيا تحديداً، ربما يصادف زائرها معرضاً مفتوحاً أقامه عدد من الفنانين المحليين في منطقة بوكاب، المقامة على تلة مطلة على كيب تاون.
منطقة بوكاب من أكثر الأحياء التي يجري تصويرها في المدينة، حيث يشهد الحي التاريخي، بمنازله الملونة وشوارعه الحجرية المرصوفة بالحصى، تدفقاً منتظماً للسياح من جميع أنحاء العالم.
وفي الأسابيع الأخيرة، سيكون من الصعب على الزائرين عدم التقاط صور للجداريات والأعمال الفنية المؤيدة لفلسطين التي تزين جدران المنازل. تصور بعض الجداريات الأحداث المأساوية التي وقعت في قطاع غزة مثل استشهاد الأطفال الخدّج في مستشفى الشفاء، عندما انقطعت إمدادات الكهرباء، إذ رُسمت إحدى الأمهات وهي تحمل طفلها الشهيد.
إحدى الجداريات التي توفر فرصة تعليمية، هي الجدول الزمني الذي يشير إلى تاريخ الأرض المحتلة، بدءاً من "ولادة الصهيونية"، وحتى وعد بلفور، والنكبة، والانتفاضتين، وحتى يومنا هذا.
المعرض من تنظيم عبيد الله جيردين الذي وصفه بأنه "شكل آخر من أشكال الاحتجاج" تضامناً مع الشعب الفلسطيني، مؤكداً أنه كان متحمساً للقيام بـ"عمل فني يدوم ويشاهده الجميع".
من عالمنا العربي، كانت هناك مساهمات لهواة في فن الجداريات، لاقت استحساناً واسعاً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل لوحات معتز محمد المرسومة على جدران مباني حي الدرب الأحمر الشعبي في القاهرة. حرص معتز محمد على توزيع رسوماته على جدران الحارات المعروفة في حيّه، التي تعتبر واجهة سياحية لقربها من القلعة ومسجدَي السلطان حسن والرفاعي، وغيرها من الأماكن الأثرية.
ومن محافظة الدقهلية انتشرت، على "فيسبوك"، صورة جدارية لأحمد جابر، يظهر فيها وائل الدحدوح وهو يحمل طفلته الشهيدة، وخلفه جملته الشهيرة "بينتقموا منا في الولاد... معلش".
في تونس وعلى جدار مدرسة ابتدائية بحيّ الزهروني الشعبي، أقام فنان الغرافيتي حسان الورغي بالتعاون مع أبناء الحي معرضاً احتفى فيه بالمقاومة الفلسطينية. وفي تونس أيضاً، رسم الفنان عبد الواحد بن مسعود عدداً من الجداريات تضامناً مع فلسطين. وتظهر إحدى لوحاته الجدارية صبياً صغيراً يرتدي كوفية فلسطينية، ويحمل دلواً مملوءاً بالدم، وبجانبه مكتوب: Enjoy your Life (استمتع بحياتك) مع تظليل حرف F لتصبح Enjoy your Lie (استمتع بكذبتك).
صحة غزة: نناشد العالم أن يرسل أكفاناً لنستر أجساد الشهداء
23 أكتوبر 2024