تذكّرنا قرارات بعض الدول "الغربية" بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والتي صدرت تباعاً بالطريقة الهستيرية التي تعامل بها "الغرب" مع الدولة الروسية بُعيد اجتياح القوات الروسية للأراضي الأوكرانية.
أقصد من ناحية اتخاذ القرار من البيت الأبيض الأميركي، والاستجابة الفورية من "الغرب"، غريب وعجيب أمر هذا "الغرب".
ما هو ذنب أكثر من مليونين من الفلسطينيين ممّن يتلّقون دعماً من هذه الوكالة، أو ما هو الذنب الذي اقترفوه حتى يُصار إلى معاقبتهم بهذه الصورة الجماعية، بسبب ما قيل إن (سبعة) من موظفي الوكالة قد شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل؟
وأين قد وقع بالفعل ومتى حصل أن أُخذ بجريرة سبعة أفراد مليونان من الناس في وقت يحتاج فيه هؤلاء الناس إلى المساعدة التي تقدمها "الأونروا"، في ظروف الحرمان والعوز والجوع والتشريد الذي يعاني منه مئات الآلاف منهم، في ظروف من القصف المتواصل، والمجازر المتواصلة، وفي ظروف مناخية غاية في الصعوبة والقسوة، وفي ظروف انعدام كامل لكل مقومات الحياة، والافتقار إلى أيّ خدمات صحية وتعليمية، وتدمير المساكن، ومواصلة قتلهم وملاحقة أطفالهم في مراكز الإيواء التابعة لهذه الوكالة؟
ماذا تعني هذه القرارات غير الوجه الآخر للإبادة الجماعية والتطهير العرقي؟
أليست قرارات "الغرب" هنا أحد أشكال "مساهمته في التهجير القسري الذي يراهنون عليه، أو التهجير الطوعي الذي هو أحد أكثر الأشكال القسرية بشاعة وبطشاً؟
هل يستطيع "الغرب" أن يدلّنا على هدف إنساني يريد أن يصل إليه عندما يتم قطع التمويل والمساعدات عن "الأونروا"؟
وماذا فعلت "الأونروا" عندما قرّر الرئيس الأميركي السابق قطع كل المساعدات عنها آنذاك؟ الرئيس دونالد ترامب ما غيره!
ألم تطالب إسرائيل بطرد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من المنظمة ؟!
هل شارك السيد غوتيريس في هجوم 7 أكتوبر مثلاً؟
ألا تعمل إسرائيل منذ سنوات وسنوات على تصفية "الأونروا" في كل مناسبة تلوح لهاـ ولماذا تناصب دولة الاحتلال هذا العداء المباشر لهذه الوكالة قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل، وقبل حصار قطاع غزة، وقبل تأسيس حركة حماس نفسها؟
ألا تعلن إسرائيل جهاراً نهاراً أنّ "الأونروا" عنوان من عناوين حقّ العودة، ومن عناوين بقاء القضية الفلسطينية حيّة في ذاكرة العالم؟
عندما يتدافع "الغرب" بهذه الطريقة الوقحة ليقطع المساعدات عن مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعانون من التشريد الناتج عن القتل الجماعي المباشر، وعندما يعانون من نقص وانعدام للغذاء والدواء، وعندما يلاحقون وهم شبه أحياء في مراكز الإيواء التابعة لـ"الأونروا" فهذا يعني أن هذا "الغرب" قد تجاوز كلّ الحدود.
ولنفترض جدلاً أنّ سبعة، أكثر أو أقلّ قد "شاركوا" فعلاً في تلك الأحداث، فهل كانت هذه المشاركة بقرار من "الأونروا" حتى يتمّ قطع التمويل عنها؟
هل يريد "الغرب" أن يقول لنا مثلاً إنّ وجود تاجر مخدّرات له بعض الصلات، أو حتى له صفة رسمية في أيّ حكومة من حكومات "الغرب" يعني أنّ هذه الحكومة أو تلك هي حكومة لتجارة المخدّرات، وأنّ على المجتمع الدولي كلّه قطع العلاقات بها ومقاطعتها، وفرض العقوبات عليها؟
متى اصطفّ "الغرب" على "الدور" لمعاقبة أحد في تلك الحكومات التي أُدينَ بعض أفرادها بجرائم لا تُحصى ولا تُعدّ؟ ولماذا لم تتم معاقبة كلّ تلك الحكومات؟
السبب معروف وهو أنّه لا يجوز أن تتم مقاطعة أو عقوبة تلك الحكومات لمجرّد أنّ أحداً من أعضائها قام بارتكاب جريمة من هذا القبيل.
لماذا في حالة "الأونروا" يجوز، ولماذا تعاقب الوكالة كلّها؟ ولماذا يتمّ التغاضي عن خدماتها لمئات آلاف الناس، بل وملايين الفلسطينيين من اللاجئين، هكذا وبكلّ بساطة؟
"الغرب" الذي شارك دولة الاحتلال في المذابح الجماعية لم يجد "أخيراً" سوى شبهة مشاركة سبعة موظفين ــ لا أحد يعرف على وجه الدقّة عن هذه المشاركة ــ كي يبرّر توجيه طعنة قاتلة في ظهر الشعب الفلسطيني في عزّ هذه الظروف بالذات، حتّى يعبّر لإسرائيل عن تضامنه معها بالمساهمة المباشرة في استكمال ذبح أهل غزة في وجهٍ موازٍ لما تقوم به إسرائيل من مذابح جماعية بالطائرات والمدافع والقنابل متعدّدة الأطنان التي تصل يومياً من "الغرب".
لو كان لهذه الأمّة من بقايا شرف ممثّلة في نظامها العربي، وما تسمّى الجامعة العربية لاعتبرت هذا الاصطفاف "الغربي" في استكمال ذبح أهل غزّة جريمة حربٍ متكاملة تثبت التورّط التامّ لهذا "الغرب" في كلّ الجرائم الأخرى.
ولو كان في النظام العربي من بقايا حياء أو ماء الوجه لأعلن في نفس الدقيقة أنّ فلساً واحداً لن ينقص من أموال "الأونروا"، وأنّ أموال "الغرب" كلّها لا تساوي حياة طفلٍ فلسطيني واحد.
أيُّها الفلسطينيون والفلسطينيات:
هذا نظام "غربي" شريك في قتلكم، ومتآمر عليكم، هو من أسّس المشروع الصهيوني، وهو الذي رعاه وحماه، وهو الذي يمدّه بالمال والسلاح، وبكلّ أنواع الدعم علّه ينتصر عليكم، أو علّه يتمكّن من الوقوف في وجهكم، وفي مواجهة إرادتكم ومَنَعتكم وتمسّككم بوطنكم وأهدافكم وحقوقكم.
لقد أبادوا ملايين الهنود الحُمْر قبل احتلال بلادكم بقرون، وقتلوا الملايين في ناميبيا، ومحوا أجناساً بشرية في إفريقيا، وقتلوا الملايين في أميركا اللاتينية، ونهبوا ثروات الشعوب، وحوّلوا الملايين إلى مجرّد عبيد، وتاجروا بهم بأسعار السلع الرخيصة، ليتمتعوا بكلّ الثراء الفاحش، ورؤوس الأموال التي تراكمت من حِرمان شعوب الأرض، وفقرها وعوزها، ومن محوها من الوجود، ومحو هويّتها، والتنكيل بها.
يكفيكم شرفاً أيُّها الغزّيون والغزّيات أنّ عالماً على هذا القدر من القوّة والغطرسة والجبروت والتجبُّر.. "غربٌ" بأكمله يصطفّ على الدور كالقطيع لكي ينتقم منكم.