محاولات تصفية الوكالة وأبعاد الهجوم على المنظمات الدولية بغزة

تنزيل (9).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

لا يمكن الفصل بين القرار الذي صدر عن محكمة العدل الدولية أمس الأول من جهة والهجوم الذي تشنه اسرائيل  وأمريكا ضد الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" من جهة أخرى ، في محاولة لتنفيذ المخطط القديم الجديد وهو مخطط تصفية وكالة الغوث، لأن تصفية الوكالة وإلغاء وجودها تعني بالنسبة لهم تصفية قضية اللاجئين باعتبار أن وجود الوكالة كجسم منبثق عن الأمم المتحدة يشكل اعترافا ً دوليا باستمرار وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واستمرار مسؤولية المجتمع الدولي عن وجود هذه المشكلة لأن دولا ً رئيسية من بين أعضائه مثل بريطانيا وأمريكا ساهمت في خلق هذه المشكلة سواء من خلال التواطؤ والتآمر ضد الشعب الفلسطيني وإتاحة طرده من بلاده ، أو عرقلة الجهود لإيجاد حل لهذه المشكلة وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في العودة الى وطنهم.

فالقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة وتبعتها كندا وايطاليا وبعض الدول الأوروبية الأخرى بوقف تقديم المساعدات للوكالة بالتزامن مع صدور قرار محكمة العدل الدولية يؤكد الترابط بين الحالتين، لا سيما وأن قرار تلك الدول جاء استجابة لادعاءات إسرائيل بأن لديها معلومات تؤكد تورط 12 عاملا ً من موظفي وكالة الغوث في هجوم السابع من تشرين أول (أكتوبر) واتهام الوكالة بالتواطؤ مع حركة حماس.

والغريب أن قيام إسرائيل خلال حربها على غزة منذ السابع من تشرين حتى اليوم بهدم مئات المدارس والعيادات الصحية التابعة لوكالة الغوث والمركز الصناعي في خان يونس قبل أيام والذي كان يُشكل ملاذا ً ومأوى لمئات العائلات التي تم تهجيرها تحت وابل القصف الصاروخي والمدفعي من منازلها وتدميرها،  وقتل أكثر من 150 موظفا ً من موظفي الوكالة، وتدمير البنية التحتية للعديد من مخيمات اللاجئين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، كل ذلك لم يحرك ساكنا ً لدى هذه الدول ولم يُثر لديها أية مشاعر غضب أو احتجاج بينما بادرت فورا ً للتعامل مع الادعاءات الإسرائيلية ووقف مساهمتها في ميزانية الوكالة. وهذا يُثبت دون أدنى شك انحياز هذه الدول الى جانب إسرائيل واتخاذها وبشكل نمطي المواقف العدائية ضد الشعب الفلسطيني في كل المناسبات والمحافل ارضاءً لاسرائيل.

فوكالة الغوث الدولية هي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة ولديها آلاف الموظفين في قطاع غزة بما في ذلك المعلمين، وهي ليست جهازا ً أمنيا ً وليست مسؤولة عما يمكن أن يقوم به أي موظف وبشكل سري وفي وقته الخاص من عمل أو نشاط لم يحصل منها على إذن أو تصريح للقيام به.

ومع ذلك فإن علينا أن نتفهم القرار الذي قام به المفوض العام لوكالة الغوث فيليب لازريني بوقف 12 موظفا ً مؤقتا ً عن العمل للتحقق من صحة ما تنسبه اليهم الجهات الإسرائيلية لأنه بعمله هذا انما يريد حمأيه الوكالة ودرء التهم عنها، ولكننا نرفض تعميم المسؤولية ومحاولة استغلال ذلك لتمرير المخطط، المرفوض أصلا ً، وهو مخطط تصفية أعمال وكالة الغوث والذي حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب تنفيذه ولكنه فشل.

ولا بد من الإشارة الى أن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد وكالة الغوث ومحاولة تصفيتها لا تقتصر هذه الأيام على قطاع غزة وإنما حملت لنا الأيام الأخيرة أباء مفادها أن هناك مخططا إسرائيلياً للاستيلاء على الأرض المقام عليها مركز التدريب المهني الموجود في مخيم قلنديا شمال مدينة القدس ومساحتها حوالي مائة وعشرة دونمات وكانت مسجلة قبل عام 1967 باسم الخزينة الأردنية وقدمتها الحكومة الأردنية لوكالة الغوث لبناء المركز عليها. واليوم يقوم عضو مجلس بلدية الاحتلال بالقدس اليميني المتطرف أرييه كينج بقيادة حملة للاستيلاء على الأرض بحجة أنها كانت مملوكة لليهود قبل عام 1948.

وبالتزامن مع الحملة لتصفية وجود وكالة الغوث الدولية هناك حملة منظمة من قبل إسرائيل ضد عدد من المؤسسات الدولية من بينها منظمة الصحة العالمية التي هاجمتها سفيرة إسرائيل في جنيف في اجتماع حضرته بجنيف أمس وادعت فيه بأن المنظمة لا تقوم بواجبها تجاه المختطفين الإسرائيليين لدى حماس وقد رد عليها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أوهانوم غيبريسيوس بقوله أن منظمة الصحة العالمية ترفض الادعاءات الإسرائيلية بأن المنظمة متواطئة مع حماس وتغض الطرف عن معاناة الرهائن الإسرائيليين في غزة مؤكدا ً بأن هذه الاتهامات تُعرض موظفي المنظمة للخطر. ولا يقتصر الهجوم الإسرائيلي على منظمة الصحة العالمية بل ان إسرائيل توجه نفس الاتهامات لمنظمة الصليب الأحمر الدولي لعدم قيامها بزيارة الرهائن الإسرائيليين، إضافة الى الهجوم الذي تشنه بعض الجهات الإسرائيلية على محكمة العدل الدولية بعد صدور قرارها الأخير يوم الجمعة الماضية.

وفي المحصلة فإن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد شعبنا في قطاع غزة هي حرب إبادة بكل المعايير وتهدف الى تدمير كل مقومات الحياة الصحية والاجتماعية والتعليمية والمرافق العامة من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرق وحقول زراعية ومصانع لجعل الحياة في القطاع مستحيلة. والجهة الوحيدة التي تحاول تقديم العون الإنساني للجرحى والمشردين المحرومين من أبسط متطلبات الحياة هي وكالة الغوث الدولية ومنظمة الصحة العالمية ويبدو أن إسرائيل تعتقد بأنهما يقفان عائقا ً أمام تسريع تنفيذ مخطط طرد سكان قطاع غزة الى سيناء.

والمطلوب اليوم هو الوقوف بكل حزم أمام أية محاولات لتصفية الوكالة بما في ذلك الاستيلاء على مركز التدريب المهني قي قلنديا، وعلى أمريكا وكندا راعية ملف اللاجئين في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وكافة الدول أن تعمل لحل مشكلة اللاجئين من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بخصوص قضيتهم بدلا ً من الانسياق وراء المخططات الإسرائيلية لتذويب المشكلة وتكريس تشريد الشعب الفلسطيني من وطنه، لأن تجاهل حقوق شعبنا في العودة والحياة الحرة الكريمة في دولته المستقلة على ترابه الوطني لن يؤدي الا الى زرع المزيد من بذور العنف الدموي الى أن يعود الحق الى أصحابه الشرعيين.