في تصريحات بدأت وكأنها "هبة سياسية" أعلن وزير خارجية بريطانيا، بأنه بلاده قد تعترف بالدولة الفلسطينية بما يشمل عضويتها في الأمم المتحدة، من أجل "الدفع لحل الدولتين".
تصريحات الوزير البريطاني يوم 30 مارس 2024، جاءت كشكل من أشكال "الرد" على أقوال رئيس "التحالف الفاشي الحاكم" في دولة الكيان نتنياهو، رافضا وجود دولة فلسطينية، في تحدي "فريد" لكل المنظومة الدولية، ما أدى لاعتبار أن هناك توجه قد يكون مختلفا في مسار البحث عن أشكال ضغط جديدة في التعامل مع الكيان.
وسريعا، تناغم وزير الخارجية الأمريكية بلينكن مع تصريحات كاميرون، وتم نشر خبر بأنه "أعطى تعليماته للوزارة ببحث الخيارات الممكنة للاعتراف بالدولة الفلسطينية"، دون أي توضيح لزمن أو طبيعة تلك الدولة المراد بحث الاعتراف بها.
توضيحا، أمريكا تحدث عن "دولة فلسطينية" ما قبل مؤتمر مدريد في حال أعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل، ومع إعلان الاستقلال الفلسطيني 1988 اعتبرته خطوة غير كافية للوفاء بوعدها، وبعد إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) وما نتج عنه من "اعتراف متبادل بين منظمة التحرير ودولة إسرائيل"، تجاهلت الإدارة الأمريكية تلك الوثيقة، ولم تتقدم بخطوة واحدة للاعتراف بالمنظمة، بل أنها لم تلغ الإجراءات القانونية الخاصة ضد المنظمة.
تصريحات كاميرون وبلينكن، ليست بمفاجأة سياسية كبرى، كما يمكن ترويج ذلك، فأمريكا هي من "صاغت تعبير حل الدولتين" يونيو 2002 عبر مبادرة بوش الابن، وقام رئيس وزراء بريطانيا في حينه طوني بلير، بالعمل على دور "السمسار السياسي" لترويج تلك "الفكرة الأمريكية"، وبعد تحقيق "هدف أمريكا" المركزي في حينه، بالتخلص من المؤسس الخالد ياسر عرفات، تجاهلت هي وبريطانيا وغالبية دول الغرب "الوعد الخاص"، ولم تتقدم خطوة سياسية واحدة لدعم ذلك، بل حدث اضعافا شاملا للسلطة وانهاكا للكيانية الوطنية، وصناعة أحد أخطر الأزمات الداخلية من خلال الانقسام فالانقلاب الذي قادته حماس عام 2007، ما سمح بقطار التهويد السير بسرعة قياسية.
عودة الحديث البريطاني والأمريكي، وربما سيتبعه دول أخرى، وخاصة بعد بيان الاتحاد الأوروبي الأخير الذي أكد ذلك دون القيام بخطوات محددة وعملية، لا يعني الاعتراف الحقيقي بالدولة الفلسطينية، بل هي شكل من أشكال الضغط على "التمرد الإسرائيلي"، خاصة وأن خطة ترتيبات المشهد الإقليمي تتطلب صياغة "حلول سياسية" لا تستبعد حل القضية الفلسطينية في سياقات محددة، ولعل قضية التطبيع السعودي الإسرائيلي أحد مرتكزات تلك الترتيبات المطلوبة.
أمريكا وبريطانيا، تدركان أن القفز عن القضية الفلسطينية لن يكون بسذاجة البعض داخل الكيان، وأيضا لن يكون بوقاحة نتنياهو وغطرسته، خاصة وأن مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة لم تعد سلسلة كما كانت في العهد الاستعماري السابق، ولذا كان البحث عن "شكل جديد" للتعامل بما يخدم رؤية مستقبلية تقوم على خدمة المصالح الكبرى.
النقاش لم يكن يوما هل تعترف بدولة فلسطينية أم لا، فالتسميات لا تمثل دلالة سياسية بالمعنى الجوهري، رغم قيمتها "العاطفية" في مرحلة ما، ولكنها لا قيمة لها في زمن اعتراف عالمي بدولة فلسطين وعضويتها في الأمم المتحدة، وفق حدود واضحة بأنها جميع الأراضي المحتلة عام 1967، وليس وفق حدود ما تراه أمريكا وبريطانيا، ودول غربية أخرى.
والسؤال، هل ما تم صحوة "أخلاقية" تصحيحا لمسار استعماري طويل، بدأ منذ نوفمبر 1917 بوعد بلفور البريطاني، ويراد العمل على وضع خريطة تؤكد على الحق الكياني الفلسطيني انطلاقا من قرار التقسيم كمبدأ، وقرار الأمم المتحدة 19/ 67 لعام 2002 كواقع، لو أن هذا هو المسار، فذلك لا يحتاج كثيرا للتفكير ودراسة الخيارات، وفقط بيان يعلن الاعتراف ورفع التمثيل وفتح الباب لوجود سفير فلسطيني بجوار السفراء العرب الآخرين.
ولكن، المؤشرات تقول إنها "مناورة سياسية" تريد استخدام شعار "الدولة الفلسطينية" كسلاح تهديدي في وجه نتنياهو وتحالفه الفاشي من جهة، ورسالة "ترضية" للأطراف العربية، بأنها تعمل على الاستجابة لبعض ما تريد وفقا للترتيبات المستقبلية، دون كسر المعادلة التاريخية في العلاقة مع أمريكا وغيرها دولا مستعمرة ومصالحا يراد لها البقاء.
ومن باب الاختبار السياسي، لما لا تبادر "الرسمية الفلسطينية" بطلب بريطانيا وأمريكا بتحديد مضمون الاعتراف، حدودا وطبيعة سيادية، كي يذهب النقاش في جوهر القضية وليس شكلها.
ومن باب "حسن النوايا" لتعمل واشنطن بالغاء الحظر المفروض على أعضاء منظمة التحرير من دخول الولايات المتحدة، والذي أعيد التصويت عليه مجددا يوم 31 يناير 2024 في النواب بما يشبه الاجماع (422 مقابل صوتين) مع إضافة حماس والجهاد والمشاركين في أحداث 7 أكتوبر 2023.
القيمة الحقيقية للشعارات السياسية ليس بلغتها بل بمضمونها، وهو ما يجب أن يكون شرطا في التعامل مع "الدولة الفلسطينية" المعرفة بقانون دولي المساس به جريمة سياسية.
ملاحظة: "نخوة لابيد لأن يكون وزير لو وافق نتنياهو على صفقة التبادل، مظهر مستحدث للانتهازية السياسية..بدوا يقول للأمريكان انه لا زال حيا وبلاش "ثنائية غانتس غالانت" ويدغدغ عواطف أسر الرهائن..زلمة عارف من وين تؤكل ..بس يمكن ما تزبط معاك لابليبو.
تنويه خاص: مش غريبة انه الرئيس محمود عباس ما يتصل بعيلة الطفل المشلول باسل غزاوي اللي تم إعدامه داخل مشفى جنين الحكومي...مرات في أشياء صغيرة قيمتها الكشفية اهم كتير من كلام مصفط في لقاء مصفط...مش هيك يا شبيبة فتح!