لم تدرك الحكومة الاردنية في غمرة انشغالاتها بمعالجة الوضع الاقتصادي، الذي يرزح تحت وطأته ازدياد المديونية والعجز في الموازنة وتآكل الدخل الوطني، واتساع فجوات الفقر والجريمة وتدني الخدمات، ومحاولاتها توفير المتطلبات الأساسية من المال والدعم والإشفاء، في غمرة هذه الانشغالات لم تدرك أهمية الخطوات الإصلاحية والاستخلاصات التي تم التوصل إليها ومخرجات ثلاث لجان تشكلت من قبل رأس الدولة جلالة الملك، إثر انفجار ثورة الربيع العربي العام 2011 وهي لجنة التعديلات الدستورية برئاسة الراحل أحمد اللوزي، ولجنة الحوار الوطني برئاسة طاهر المصري، واللجنة الاقتصادية برئاسة هاني الملقي.
وإذا كان المجال لا يتسع للحديث عن كامل مخرجات اللجان الثلاث باعتبارها تحولات تدريجية تستهدف تحقيق الغرض السياسي المطلوب وهو ولادة حكومات برلمانية حزبية، في نهاية المطاف تعتمد على نتائج صناديق الاقتراع وتداول سلطة اتخاذ القرار، وليس مجرد ديكور لحكومات لا تملك صلاحية الولاية العامة وفق النظام الدستوري.
سبق لمجلس النواب أن شرع قانوناً للانتخاب يستجيب نسبياً لمخرجات لجنة الحوار الوطني يحوي لأول مرة قائمة وطنية يُوحد كل الأردنيين في خوض الانتخابات، في قائمة وطنية موحدة مركزية على مستوى الأردن، وكان خيار الحكومة للقائمة الوطنية في مشروع القانون آنذاك متواضعاً 17 نائباً، وزادها جلالة الملك إلى 27 نائباً، وكانت توصيته قراره ذاك بمثابة رسالة سياسية تحمل رؤية الضرورة بتوسيع شكل وحجم المشاركة عبر القائمة الوطنية، وأهمية إعلاء الهوية الوطنية على الهويات الفرعية والجهوية، وتبرز أهمية ذلك وضرورته في مواجهة المشهد العربي الذي نرى فيه التفسخ والانقسام والشرذمة.
وتشكلت الهيئة المستقلة للانتخابات كخطوة في سبيل وضع حد لتدخل الحكومة في الإجراءات وفي سير العملية الانتخابية على مستوياتها الثلاث: التسجيل والترشيح والاقتراع وصولاً نحو احترام نتائج إفرازات صناديق الاقتراع بشكل شفاف ونزيه.
كما جاءت التعديلات الدستورية، لتعيد تصويب ما علق بالدستور الأردني من تشوهات فرضتها سياسات فترة الأحكام العرفية، والتقلبات السياسية على المستويين الوطني والإقليمي، ورغم أهمية التعديلات الدستورية التي تمت فقد وصفها جلالة الملك بأنها ليست نهائية ووصف قانون الانتخاب بأنه غير مثالي وكان ذلك في افتتاح مجلس النواب في 26/10/2011، رغم ذلك راهن الأردنيون على التعديلات الدستورية وصياغة قانون الانتخاب على أنهما بوابة لاستعادة الأردنيين لحقوقهم الدستورية بشكل تدريجي، وتصويب المعادلة التي تحكم نظامنا السياسي والقائمة على التوافق بين مضمون كلمتي «النيابي والملكي» وهي معادلة ارتضاها المشرع وعمل بها ومن خلالها، تعبيراً عن إرادة الأردنيين وخياراتهم في حفظ التوازن بين حقوقهم وواجباتهم في إطار منظومة من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي فتحت الحكومة واللجنة القانونية أبواب مناقشته الإجرائية والشكلية، إذا لم يتم تطويره وإجراء التعديلات عليه من قبل اللجنة القانونية ومن قبل مجلس النواب بما يستجيب لإقرار القائمة الوطنية وزيادة مقاعدها بدلاً من شطبها كما حصل في مشروع القانون، لن يكون ذلك سوى رسالة تراجع صارخة عن كل مخرجات لجنة الحوار الوطني، وقرار بعدم الاستجابة لمواصلة الخطوات الإصلاحية، وتكون نتائج الربيع العربي قد توقفت وتحولت في بلادنا من ربيع وأمل وتطلع إلى هزيمة سياسية فاقعة، وتسليم أن ما جرى في البلدان العربية المجاورة انعكس سلباً قاتماً علينا وعلى بلادنا وعلى شعبنا.
لم يكن الربيع العربي، حتى في نتائجه المدمرة الخربة، مجرد نزهة سياسية أو محطة عابرة، لقد ترك أثراً عميقاً في نفوس وواقع وحياة العرب جميعهم، وإذا لم يتم استثماره وتوظيفه بعيداً عن التشنج والتسلط والهزيمة، والاستفادة منه وتوظيفه كمحطة انتقالية لتعزيز قواعد وأشكال المشاركة الشعبية والسياسية والتعددية وتوسيعها، نكون قد وفرنا مرة أخرى ظروف وعوامل الانفجار اللاحق يوماً ما في المستقبل المنظور.