جدولة ديون وقروض جديدة وصعوبات في السداد ومخاطر مرتفعة، هكذا تبدو معاناة سوق العقارات بمصر، رغم بلوغ أسعار الوحدات السكنية والتجارية مستويات قياسية، وسط مخاوف من حدوث فقاعة عقارية.
ما جذور معاناة قطاع العقارات بمصر؟
شهد قطاع العقارات منذ بدء الأزمة الاقتصادية الأخيرة بمصر قبل نحو عامين نشاطا كبيرا بعد أن جذب رؤوس أموال المستثمرين والمدخرين من أجل التحوط من انخفاض قيمة الجنيه باعتباره مخزنا تقليديا للثروة إلى جانب الذهب والعملات الأجنبية.
وتسابق المشترون على حجز وحدات عقارية بالتقسيط من خلال دفعات مقدمة تتراوح ما بين 5% و10% من قيمتها، وعلى فترات سداد متنوعة تتراوح ما بين 5 سنوات و7 سنوات إلى 10 سنوات، لكن تقلبات سعر صرف الدولار كانت أكبر من المتوقع، وربما تجاوزت دراسات الجدوى للكثير من الشركات.
وأدى انخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل متسارع إلى قفزات كبيرة في التكاليف وتآكل أرباح بعض المطورين وخسارة البعض الآخر، مما يهدد بتوقف عدد من المشروعات وخروج مطورين عقاريين من السوق.
الملياردير المصري نجيب ساويرس أحد أكثر المنزعجين من تقلبات سعر الصرف وارتفاع التكاليف، ويعمل على تنفيذ مشروعات عقارية ضخمة باستثمارات تصل إلى 55 مليار جنيه (1.8 مليار دولار)، وصف السوق بأنه "قنبلة موقوتة" بسبب ارتفاع تكلفة البناء خاصة أن نحو 35% من هذه التكلفة هو مكون عقاري.
وحذر ساويرس في تصريحات صحفية، نهاية العام الماضي، من أن كل مطور عقاري تأخر في البناء سيواجه مشكلة كبيرة، مشيرا إلى أنه لا ينام الليل بسبب قطاع العقارات، ولم يربح جنيها واحدا من أحد مشروعاته العقارية الضخمة نتيجة ارتفاع الأسعار مقارنة بما تم التعاقد عليه مع العملاء قبل 3 سنوات.
ما وضع المطورين العقاريين بمصر مع القروض؟
ينقسم وضع المطورين العقاريين في مصر مع القروض إلى عدة أقسام:
- شركات عقارية كبرى اتجهت لتدبير قروض بمليارات الجنيهات لصالح مشروعاتها الاستثمارية.
- شركات تطوير عقاري تسعى للوصول إلى اتفاق مع البنوك الدائنة لتعديل مواعيد سداد أقساط المديونيات.
- شركات تعتزم التقدم بمذكرة لجدولة أقساط الأراضي التي حصلت عليها خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة.
- شركات تحاول مد فترة تنفيذ المشروعات العقارية الخاصة بها، لكن التأجيل قد يفاقم الأزمة.
شركات أخرى لم تستطع مواكبة الارتفاعات الجديدة والمرتفعة والمفاجئة، وتوقفت أو خرجت من السوق.
كيف نفهم أزمة المطورين العقاريين في مصر؟
تكمن الأزمة التي تواجه المطورين العقاريين وشركات التطوير في 3 نقاط أساسية، هي:
ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من مستوى 18 جنيها قبل عامين إلى 65 جنيها في السوق الموازي، ووجود أكثر من سعر صرف وشح الدولار. ارتفاع معدلات الفائدة من نحو 10% في مارس/آذار 2022 إلى أكثر من 21%، مما يشكل تكلفة إضافية على سعر الوحدة. معضلة التسعير القديمة أثناء التعاقد بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء وقيود الاستيراد وزيادة الطلب.
ورغم حصول شركات عقارية كبيرة ومتوسطة على مليارات الجنيهات كقروض لتمويل مشروعاتهم الاستثمارية، فإنه لا توجد بيانات رسمية بشأن قيمة تلك القروض أو نسبة التخلف أو التعثر فيها، أو بيان بأعداد الشركات التي خرجت من السوق نتيجة عجزها عن الوفاء بالتزاماتها أو إفلاسها.
ما الحلول أمام المطورين العقاريين بمصر؟
فطنت بعض شركات التطوير العقاري الكبرى مبكرا إلى أزمة تقلب أسعار الصرف، ودشنت مشروعات كبرى بنظام الشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (حكومية)، للحصول على مميزات أو مرونة أكبر في التعاطي مع أي أزمة مستقبلية.
ويدرس مطورون عقاريون بعض الطرق الجديدة للتعامل مع المتغيرات الاقتصادية مثل تضمين العقود شروطا تلزم العملاء تحمل جانبا من زيادة التكلفة للتحوط من أي ارتفاعات كبيرة في أسعار مواد البناء، لكن البعض يشكك في قبولها وتطبيقها بسبب مخاوف العملاء من استغلال الشركات.
وذهب البعض الآخر من بينهم الملياردير المصري ساويرس إلى دعوة الحكومة لفتح الباب أمام بيع الوحدات بالدولار لضمان استقرار السوق وتوفير سيولة مالية والالتزام بالعقود الموقعة بين الشركة والعملاء.
يعد قطاع التشييد والبناء أحد أكبر القطاعات الإنتاجية في مصر، ويسهم بنحو 18.7% من الناتج المحلي، ويضم 6 ملايين عامل يعملون في أكثر من 25 ألف شركة، وفقا لوزارة العمل المصرية.
كيف يضغط ضعف الجنيه على سوق العقارات؟
أرجع فتح الله فوزي نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التشييد والبناء بالجمعية، لجوء المطورين للاقتراض أو جدولة الديون إلى "ارتفاع التكلفة أكثر من الضعف بعد تغيير سعر صرف الجنيه العام الماضي منذ مارس/آذار 2022، مشيرا إلى أن كثيرا من الشركات تعاقدت على أسعار أصبحت الآن أقل من أسعار التكلفة، وبالتالي أصبحت الشركات بحاجة إلى تمويل لسد تلك الفجوة.
وعما إذا ما كانت هذه الضغوط ستخفض من الشهية لشراء العقارات والاستثمار فيها، أوضح فوزي في تصريحات للجزيرة نت، أنها لن تؤثر بشكل كبير، لأن الطلب لا يزال أعلى من العرض.
وأشار إلى أن الطلب نوعان، الأول للسكن والثاني للاستثمار كوعاء ادخاري، وقال إن "التحدي موجود لدى الشركات نفسها، ومن هنا يجب الحذر عند التعاقد وعدم الاندفاع وراء شركات لا تملك رصيدا كبيرا من الثقة والأعمال السابقة".
وبشأن السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تواجه المطورين العقاريين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، اعتبر فوزي أن أكثر المتضررين هم المطورون العقاريون الذين لا يتمتعون بملاءة مالية قوية، أو يواجهون صعوبات في الاقتراض، مشيرا إلى أن توقف بعض المشاريع وارد، كما أن هناك شركات تخرج من السوق كل فترة، وأن كل سوق يقوم بعملية تصفية والبقاء للأصلح والأجدر ماليا، وفق تعبيره.
هل نحن أمام فقاعة العقارات؟
إزاء الرياح التي تهب بقوة على السوق العقاري يتوقع رجل الأعمال المصري ياسين منصور -أحد أكبر المطورين العقاريين في البلاد- أن ترتفع أسعار العقارات بحوالي 60% في 2024، وأوضح أن شركته رفعت أسعارها في 2023 بقيم تراوحت بين 70% و80%.
من جهته، يرى رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة أحمد الزيني أن استمرار ارتفاع الأسعار أدى إلى تراجع نشاط بيع مواد البناء، وهو ما يعتبره مؤشرا على تراجع وتيرة التشييد والبناء لدى الشركات العقارية بسبب زيادة التكلفة.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن أي ظواهر ناتجة عن تلك المعطيات مثل الاقتراض أو جدولة الديون أو مد فترات التنفيذ هي طبيعية نتيجة تأثرها بارتفاع سعر الدولار والفائدة وقيود الاستيراد، مضيفا أن هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار مواد البناء ما بين 100% و300% خلال العامين الماضيين.
وأعرب الزيني عن مخاوفه من حدوث فقاعة عقارية، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، ورهن عودة الاستقرار إلى سوق العقارات بتوحيد سعر الجنيه.
وقال "إن عدم استقرار سوق العقارات يعني استمرار اضطراب الأسواق كلها".
ومن المتوقع أن ينمو حجم سوق العقارات السكنية في مصر من 18.04 مليار دولار عام 2023 إلى 30.34 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11% خلال الفترة المتوقعة (2023- 2028)، مدفوعا بطلب متزايد على الوحدات السكنية في المدن الرئيسة في مصر، وفقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء نقلا عن موقع موردر "إنتليجنس" (Mordor intelligence).
المصدر : الجزيرة