أحوال المعلمين: معضلة التربية والتعليم

145
حجم الخط

أمس أضرب المعلمون أو قسم منهم واعتصموا أمام مقر مجلس الوزراء، وكان المشهد مأساوياً، ليس فقط من ناحية ظروف معيشة المعلمين ومطالبهم المحقة التي تقول الحكومة إنها لبت الجزء الأكبر منها والباقي قيد التنفيذ في غضون شهور قليلة، ولكنه يعكس كذلك حالة من الترهل وسوء الوضع علماً أن المعلمين يشكلون قدوة لتلاميذهم خصوصاً في المراحل الأولى للتعليم.

وهذا المشهد يعبر بطريقة فظة عن معضلة التربية والتعليم لدينا التي لا تنحصر فقط في تدني رواتب العاملين في هذا السلك بل تتعداه إلى النظام التعليمي والمناهج، وربما تكون مناسبة هذا الإضراب المختلف عليه بين الاتحاد العام وبين المعارضة الممثلة بمؤيدي «حماس» فرصة لبحث ملف التربية والتعليم بصورة جذرية وشاملة للارتقاء بإحدى أهم قضايا بناء الإنسان الفلسطيني الذي يمثل ربما ثروتنا الوحيدة على هذه الأرض. 

بغض النظر عن الخلاف حول الإضراب والاتحاد وهذه التفاصيل، هناك مشكلة في رواتب ومخصصات المعلمين، بل حتى في مستواهم التعليمي والتربوي، فليس معنى أن يحصل المدرس على شهادة جامعية في احد التخصصات ليكون معلماً مؤهلاً وكفؤاً، هناك تخصصات تربية وهناك علوم، ومن المهم فحص المناهج الجامعية وخاصة في مجالات التربية للتأكد من أنها ملائمة بما يكفي للتعليم، كما أن تخصص العلوم دون تربية أي تعلم أساليب التدريس وعلم النفس التربوي وغيرها لا يمكن أن يكون كافياً للبدء بعملية التعليم.

الأمر الآخر المهم في عملية التدريس هو ثقافة المعلم ورؤيته للنظام والمجتمع وموقفه العام، فكما هو معروف لدينا أن جزءاً كبيراً من المعلمين الفلسطينيين ينتمون للتيار الإسلامي الذي لا يؤمن بوثيقة الاستقلال وبالقيم والمبادئ الرائعة التي تحتوي عليها ولا بأهداف العملية التربوية والتعليمية.

من هنا ليس غريباً أن نسمع عن قيام مدير مدرسة بإخراج الطلاب والمدرسين ليقيموا صلاة الجماعة في باحة المدرسة على حساب الحصص التعليمية. 

وهناك عملية خلق جيل يكفر بالكثير من المبادئ والقيم التي نمت عليها الأجيال السابقة والتي ساهمت في إنتاج هذا الإرث الوطني القائم على فكر علماني - ديمقراطي - عصري ومتحضر. 

ولا يوجد اهتمام حقيقي بتأهيل المدرسين وبالرسائل التي ينقلونها لطلابهم خارج المادة التعليمية. المشكلة الثانية في التعليم الفلسطيني هي في مناهج التعليم، وينبغي القول هنا إن المناهج التي أعدت بعد قيام السلطة الوطنية والتي بدأ العمل بها في العام 2001 كانت مخيبة للآمال من حيث الجودة كماً ومحتوى واشتملت في بعض المواد على كم كبير على حساب المحتوى العلمي والتراث الإنساني الحضاري بما في ذلك تاريخنا وحضارتنا المغروسة عميقاً في هذا الوطن منذ آلاف السنين، كما غابت عن مدارسنا النشاطات اللامنهجية. 

وقد استبدلت في عهد حكومة «حماس» بحصص الدين لاستيعاب عدد كبير من خريجي الشريعة الذين ينتمون في غالبيتهم لحركة «حماس»، فلا توجد دروس حقيقية ومناسبة للموسيقى والفن بأنواعه المختلفة. 

أما نظام التعليم فهو قديم ولا يتناسب مع التطور الذي حصل في معظم بلدان العالم، بحيث لم يعد التلقين هو الأسلوب المناسب للتعليم العصري وهناك أساليب جديدة متطورة تعتمد التقنيات الحديثة وآخر ما وصل إليه العلم.

وقسم كبير من التعليم أصبح مبنياً على أساس البحث باستخدام شبكات الاتصالات والمكتبات العادية والإلكترونية التي باتت في متناول الجميع، وهذه الأساليب تساعد على تنمية مواهب الابتكار والإبداع. 

وبما أننا كشعب نفخر بنسبة المتعلمين لدينا وعدد الخريجين الكبير على اعتبار أن الإنسان الفلسطيني هو جوهر مقدراتنا، لا بد وأن يتناسب هذا القول مع مضمون وجودة مخرجات العملية التعليمية، فالتغني بالماضي ومساهمة شعبنا في بناء دول وحضارات لم يعد يكفي في عصرنا، ومهمتنا الأولى هي بناء وطن متطور وحضاري بكل معنى الكلمة وهذا يتم فقط من خلال بناء الإنسان الفلسطيني الذي يبدأ بالتربية والتعليم ويمر بكل منظومة القوانين والقيم والمبادئ التي يبنى عليها المواطن. 

ما تقدم يمثل مهمة كبيرة وثقيلة على القائمين الآن على وزارة التربية والتعليم وهي التحدي الأكبر لوزير التربية والتعليم الحالي الذي هو ربما ليس صدفة ينتمي لجيل الشباب.

والوزير سبق وأعلن عن نواياه بتطوير التعليم وتحديثه بما ينسجم مع روح العصر، وهذه المهمة ليست سهلة حيث سيجد الكثير من المعيقات الداخلية القائمة في المؤسسة نفسها وفي النظام السياسي وفي المجتمع. فهناك نظام تقليدي متكلس يقاوم أي تغيير جدي وهذا يبدأ أولاً من طاقم الموظفين وخاصة الكبار في وزارة التربية والتعليم ومن ثم قطاع كبير من المدرسين الذين تعودوا على نظام معين لسنوات طويلة وسيجدون صعوبة في الانتقال نحو أساليب جديدة.

وهناك مشكلات تتعلق بموازنة الحكومة ونسبة التربية والتعليم فيها، وأخرى لدى المجتمع والأهالي وقدرتهم على التكيف مع عملية التطوير.

فهل يتبنى الوزير فكرة التطوير بكل ما تحمل من معنى ويكون قادراً على مواجهة المعيقات وينجح في تغيير المناهج وتحديثها في الإطار الذي يخدم بناء وطن عصري ويدمج بين المنهجي واللامنهجي، ويعدل أساليب التعليم لتتناسب مع هذا التغيير؟