يبحث تشرين ياغي بين أنقاض عدة منازل مدمرة عن جثمان ابنه الصحفي محمد، بعد يومين من غارة إسرائيلية عنيفة، أسفرت عن مقتل العشرات من أقاربه.
كل ما استطاع الأب العثور عليه هو جثمان دانية زوجة محمد، وحفيدته أيلول، بالإضافة إلى قميص محمد وكاميرته التي طالما وثّق بها الأحداث، لكنه لم يعثر على جثمانه بعد.
وتسببت الغارة التي نفذتها طائرة حربية إسرائيلية، مساء الخميس، على منزل لآل ياغي ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، بتدميره بشكل كامل ومنازل مجاورة له، مما أسفر عن استشهاد نحو 36 شخصا، لا يزال العديد منهم تحت الأنقاض.
وكان الصحفي ياغي (30 عاما) يعمل مصورا محترفا مع العديد من وسائل الإعلام الدولية، كما اشتهر بمهاراته العالية في المونتاج، وتصوير الأعمال الوثائقية.
حلم الصحافة
وعلى أنقاض المنزل، يقول الأب المكلوم إن نجله أحب الصحافة منذ صغره، ولذلك قرر دراستها، وحصل على شهادة جامعية في الإعلام، وتمكّن من تحقيق حلمه، وعمل مصورا محترفا مع العديد من وسائل الإعلام العالمية، ويضيف "الحمد لله، قدره اليوم أنه شهيد مع زوجته وابنته، وعمّاته وأولاد عمّاته و36 من أفراد العائلة، الحمد لله".
ويكمل الأب الذي يقيم في رفح بأقصى جنوب قطاع غزة، وقد سمع بتعرض المنزل للقصف من خلال وسائل الإعلام "الحدث وقع قرابة الساعة الثامنة مساء، سمعتُ أن هناك ضربة في دار ياغي في الزوايدة وأنا في رفح، البيت فيه حوالي 40 شخصا، استشهد 36 ونجا 5، بينهم 3 أطفال ورجل كبير وشاب". ويتابع "ربنا يصبرنا على فراقهم، لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه هي أهداف إسرائيل".
ويصف الأب نجله الصحفي بأنه من النوع الذي يحب عمله، ويمتلك مهارات عالية في مونتاج الفيديو، ويشير إلى أن محمد كان يعمل على إنتاج فيلم وثائقي حول عمل رجال الدفاع المدني أثناء الحرب، معربا عن أمنيته في أن يكون قد أنجزه وانتهى من تصويره.
قميص وكاميرا
بينما كان يحمل قميصا وكاميرا، يقول عبد الله العثامنة، شقيق زوجة الصحفي ياغي وصديقه "لم يبق من محمد إلا هذا"، ويضيف:"بحثنا تحت الأنقاض عن محمد، ولم نعثر إلا على هذا القميص وهذه الكاميرا، ولم نعثر على جثمانه حتى الآن، ربما يكون من ضمن الأشلاء، لا نعرف".
ويشير العثامنة إلى كاميرا ياغي، ويقول "بهذه وثّق كل أحداث الحرب، وكل شيء عمله في حياته، تعب كثيرا وهو يصور ويعمل مونتاج عن الحرب".
وبشأن شقيقته دانية التي استشهدت برفقة زوجها محمد قال "كانوا أقرب شيء لي، هي قلبي وحياتي، وحمادة (محمد) لم يكن زوج أختي فقط بل أخي، دائما نخرج سويا، نصور مع بعض، أساعده، كل حياته كانت معي".
إبادة عائلة كاملة
وبينما ينظر إلى الدمار الواسع الذي خلفته الغارة الإسرائيلية، أبدى الدكتور أيمن ياغي، عمّ الشهيد محمد، صدمته الكبيرة من استهداف منزل العائلة.
وقال "نحن كنا في رفح حين سمعنا خبر استهداف منزل ياغي هنا (وسط القطاع)، استغربنا فنحن مدنيون، لا علاقة لنا بأي تنظيم سياسي، وحينما جئنا هنا، ورأينا هذا الدمار الهائل، وجدنا شيئا لا يصدقه العقل، لقد ألقوا برميلا من المتفجرات حوّل منزلا مكونا من 3 طوابق إلى بسكويت".
وقال ياغي إنهم استخرجوا من تحت الأنقاض 18 جثة كاملة، استطاعوا التعرف عليها، ثم أصبحوا يخرجون أشلاء، "أيدي وأرجلا وأكواما من لحم، لا نعرف لمن؟" وأضاف "هناك 12 شهيدا تحت الأنقاض، بينهم الصحفي محمد، ابن شقيقي تشرين، لا نعرف كيف نخرجها، الناجون فقط كانوا 5 أشخاص".
وذكر ياغي أن من بين الناجين طفلة تدعى رهف، تبلغ من العمر 7 سنوات، بقيت ليلة كاملة تحت الركام، وقالت لهم عقب إخراجها إنها لم تكن قادرة على فتح عينيها من الغبار والرمال والكبريت، حيث كانت تأكل وتشرب من الرمل، وقال إن هذه الطفلة، فقدت كل عائلتها، والدها ووالدتها وجميع إخوتها.
ونقل عنها قولها له في المستشفى "يا عمو أنا نمت في البرد ليلة كاملة"، ويضيف "هذه الطفلة ستعيش مع حالة الصدمة كل حياتها"، ويختم حديثه قائلا "عائلة كاملة أبيدت، قتلوا 36 شخصا، كل أولاد عمي استشهدوا، كنا نحسد أنفسنا من كثرتنا، وفي لحظة كل هؤلاء مُسحوا عن الوجود".
أشلاء طفل
وتروي شذا ياغي شهادتها لجريمة قصف الاحتلال لمنزل العائلة، إذ تقول إنها كانت صائمة يوم الخميس برفقة عدد من الموجودين، وأضافت: "بعدما أفطرنا، وكل شخص أخذ مكانه تجهيزا للنوم، وجدنا أنفسنا نطير، ثم تحت الركام، لم نسمع صوتا، فقط كن نتطاير وسط ظلام كامل، لا نرى شيئا"، وتابعت "وجدتُ نفسي في حفرة والخزانة فوقي، ومعي طفل رضيع، وتحت الركام كل زوجات إخوتي".
وقدِمت شذا ياغي، صباح السبت، بهدف أخذ بعض الأغراض التي قد تجدها بين الأنقاض، لكنها فوجئت بالعثور على أشلاء طفل من أقاربها، وتقول "جئت لأخذ أغراض، ولقيت أشلاء وعظام طفل صغير، لا أعرف لمن، ربما ابن مشعل أو محمد، لا أعرف، حسبي الله ونعم الوكيل".
وأدان مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، استشهاد الصحفي ياغي على يد جيش الاحتلال، وقال "ارتكب جيش الاحتلال جريمة جديدة بقتل الصحفي محمد تشرين ياغي، هو وابنته الطفلة وزوجته وعدد كبير من عائلتهم، حيث قصف الاحتلال منزلهم بالطائرات الحربية والمقاتلة، وقضت على العائلة بأكملها".
وأضاف "لا يتأخر جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولو للحظة واحدة عن استهداف الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين كلما لاحت له الفرصة، ذلك لأن الصحفيين الفلسطينيين نجحوا باقتدار في تصدير الرواية الفلسطينية وفضح جرائم الاحتلال المتواصلة".
المصدر: الجزيرة نت