من الطبيعي أن يزداد ويعلو اللغط كلما اقتربنا من صيغة هدنة أو صفقة، خصوصاً عندما تكون أوارق الحرب ما تزال مشتعلة، يزداد الابتزاز لكي يحقق كل طرف أقصى ما يستطيع، ولكي يقلل أقصى ما يمكن من أثمان وتنازلات واستحقاقات، بغض النظر عن حقيقة موقعه في الحرب، إن كان قد انتصر فيها أم هزم.
لا وجه للمقارنة بين إسرائيل والمقاومة، "الاحتلال والثورة"، ومن يحاول نصب عدة المقارنة بينهما، فهو كمن يريد معرفة الأكفأ بين الطبيب (س) والمهندس (ص)، لكن هذا لا يمنع تسجيل النقاط لصالح أو ضد كل طرف.
لقد ثبت بالملموس أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، بل لربما تكون قد خسرت ما اعتقدت يوماً أنه قد طواه الإهمال والنسيان والزمن، زمن السلطة الفلسطينية واتفاقيات "أبراهام"، ألا وهو إقامة الدولة الفلسطينة المستقلة، ناهيك عن العزلة الشعبية والدولية والحضيض الأخلاقي الذي وصلت إليه، والذي سيحتاج ردحاً طويلاً من الزمن لكي تتعافى منه.
نقطة ضعف إسرائيل مأسوروها لدى حماس، وعددهم أحياء وأموات حوالي 136 شخصاً، وهي نفسها نقطة قوة حماس، تسليمهم يعني انتهاء نقطة قوتهم، وعليه فمن المفروض عدم المغامرة بذلك تحت أي ضغط كان، بما في ذلك استخدام نقطة ضعف حماس المتمثلة في تجويع الناس، وقتلهم وتدمير منازلهم، ومؤسساتهم، وبالتحديد مستشفياتهم ومدارسهم.
في الآونة الأخيرة، بدأت الكثير من وسائل الإعلام الكبيرة في النظام العربي تلغط بهذه المسألة، تحميل حماس هذه المسؤولية، مقدمة للوصول معهم إلى ضرورة تقديم تنازلات أوسع وأسرع لكي يتم إنقاذ الناس من مصائب جوعهم وتشردهم وبؤسهم.
إنه إلى جانب ذلك، فإنه يجب عدم جواز خروج العديد من قيادات حماس إلى الملأ في مقابلات ملغومة من هذا القبيل، وأهمية الاعتذار عنها، خاصة في وقت الصياغات الممتدة من باريس إلى القاهرة إلى الدوحة، فإن على هذه القيادة المقاتلة أن لا تثق بأحد إلا بنفسها وبشعبها ومحورها وطريق الكفاح الطويل.
إن كل من يحاول التباكي على غزة وأطفالها وجوعها بالفصل بينها وبين غزة، إنما هو مخطئ إن لم يكن مغرض، فالشعب هو المقاومة، ومنه تغترف التضحيات والمقاومين على مدار السبعين سنة الماضية.
إذا كان هذا النظام العربي أو ذاك صديقاً وصادقاً في حرصه على غزة، فليقم بطرد سفير إسرائيل من عاصمته العروبية الكاذبة، وذلك أضعف الإيمان الذي قامت به بعض دول أمريكا اللاتينية اللا عربية واللا إسلامية.
غزة لم يعد عندها ما يمكن أن يبتزها أكثر، وهي اليوم تنتظر أن تقطف ثمرة صمودها وتضحياتها، ثمرة ناضجة صالحة، حتى لو انتظرت وقتاً أطول أفضل عشرات المرات من قطفها عجرة، فالدولة العربية التي استقلت قبل عدة عقود، ما يزال مواطنها يشعر انه بحاجة إلى الاستقلال والحرية.