شكل هذا العام الأكثر دموية بحق الفلسطينيات على مدار تاريخ سنوات الاحتلال، وذلك في ضوء العدوان الشامل والإبادة الجماعية المستمرة بحق سكان قطاع غزة، هذا إلى جانب جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضن لها، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني، والاعتقالات الممنهجة، وما رافقها كذلك من انتهاكات مروعة، منها اعتداءات جنسية.
وبمناسبة يوم المرأة الذي يوافق الثامن من مارس/آذار من كل عام، قالت مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) -في تقرير لها- إن تاريخ استهداف الفلسطينيات شكل إحدى أبرز السياسات الثابتة والممنهجة منذ سنوات الاحتلال الأولى، لا سيما مع التصاعد غير المسبوق في مستوى وكثافة الجرائم التي تشهدها الفلسطينيات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
اعتقالات واختفاء قسري
وشكلت عمليات الاعتقال للنساء ومنهن القاصرات، أبرز السياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء نحو 240، ويتضمن هذا المعطى اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، بينما لا يوجد تقدير واضح لأعداد اللواتي اعتقلن من غزة، حيث أفرج عن عدد منهن لاحقا، إلا أنه من المؤكد أن هناك نساء ما زلن معتقلات في معسكرات الاحتلال، وهن رهن الإخفاء القسري.
وبينت هذه المؤسسات أنه وحتى إصدار هذا التقرير، فإن عدد الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال، وغالبيتهن محتجزات في سجن الدامون بلغ 60 أسيرة، بينهن اثنتان من غزة. ومن بين الأسيرات قاصرتان، و24 أما، و12 معتقلة إداريا، ومن بين الأسيرات محامية وصحفية، و12 من الطالبات، و11 يواجهن أمراضا ومشاكل صحية من بينهن جريحتان، إضافة إلى من هن زوجات أسرى، وأمهات لأسرى، وشقيقات لشهداء، عدا وجود أم شهيد بين الأسيرات.
يُذكر أنه تبقى 3 أسيرات معتقلات منذ ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول يرفض الاحتلال أن تشملهن ضمن صفقات التبادل التي أبرمت مع المقاومة الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقد رافق عمليات احتجاز الأسيرات رهائن عمليات تنكيل وتهديدات وصلت إلى حد التهديد بقتل النجل المستهدف أو الزوج، هذا عدا الاعتداءات التي تعرضن لها خلال عملية الاعتقال، إضافة إلى عمليات التخريب التي طالت منازلهن، وترويع أطفالهن، وأبنائهن، ومصادرة أموالهن والمصاغ الذهبي.
الاعتداءات الجنسية بحق الفلسطينيات
ووفق التقارير، فإن إحدى أبرز الجرائم التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيات، الاعتداءات الجنسية، والتي تضمنت التحرش، والتفتيش العاري، إضافة إلى التهديد بالاغتصاب، وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب.
وقد تمكنت المؤسسات المذكورة من جمع شهادات لأسيرات أفرج عنهن تحديدا خلال دفعات الإفراج التي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وشهادات أسيرات داخل السجون، ونساء واجه أقارب لهن عمليات اعتقال وملاحقة، وأكدن فيها تعرضهن لجملة من الاعتداءات الجنسية.
وشكل سجن هشارون محطة مؤقتة لاحتجاز الأسيرات، قبل نقلهن إلى سجن الدامون، شاهدا على عمليات التفتيش العاري التي تعرضن لها غالبية الأسيرات، بحسب عشرات الشهادات التي وثقتها المؤسسات، عدا ظروف الاحتجاز المذلة والمهينة التي تعرضن لها، والاعتداءات، ومنها اعتداءات بالضرب المبرح.
وفي شهادة وثقتها هذه المؤسسات لإحدى الأسيرات اللواتي اعتقلن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أكدت أنها تعرضت أثناء عملية الاعتقال والتحقيق لاعتداءات وتحرش جنسي ولفظي، وشتمها بمصطلحات بذيئة وتهديدها أكثر من مرة، وكان الجنود يرمون عليها أعقاب السجائر، وبواقي الطعام لإهانتها، كما تعرضت الأسيرة للضرب أكثر من مرة من قبل جنود الاحتلال مما سبب لها أوجاعًا في أنحاء جسدها، ولم يقدم لها أي علاج.
ومن ضمن جملة الشهادات التي وثقت شهادة لإحدى الأسيرات قالت فيها "وصلنا أنا وأسيرات إلى سجن هشارون، أدخلونا إلى زنزانة أرضيتها مليئة بالماء، ويوجد فيها دورة مياه غير صالحة للاستخدام، ثم تم نقلنا إلى زنزانة أخرى فيها تعرضنا للتفتيش العاري على يد سجانات، وقامت إحدى السجانات بضربي على وجهي، بعد أن تعرضت للضرب المبرح خلال عملية اعتقالي".
وفي شهادة أخرى "حضرت 3 سجانات تعاملن معي بوحشية وبشكل مهين جدا، وشتموني بأسوأ الألفاظ طوال الوقت دون توقف، وأجبروني على المشي وأنا مقيدة الأطراف، والعصبة على عيني، وطوال الوقت خلال نقلي كانت السجانة تقول: هذه ليست بلادكم ارحلوا منها".
شهادات قاسية لتفاصيل اعتقالهن
ومع الإفراجات التي تمت للعشرات من أسيرات غزة، فقد نقلن شهادات قاسية عن عمليات اعتقالهن، ونقلهن إلى المعسكرات، وما تعرضنّ له من عمليات إذلال وتنكيل وحرمان من كافة حقوقهن، وتهديدهن بالاغتصاب، وإجبارهن على خلع الحجاب طول فترة الاحتجاز، بالإضافة لتعريتهن.
وتعاني الأسيرات اليوم سياسة التجويع التي مارستها إدارة السجون بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحرمان الأسرى من الحصول على مواد غذائية إضافية من (الكانتين) إضافة إلى الحرمان من العلاج، والذي يندرج في إطار الجرائم الطبية، كما ألقت حالة الاكتظاظ التي فرضتها إدارة السجون بثقلها على الأسيرات، الأمر الذي أدى إلى إفراز العديد من ظروف الاعتقال المأساوية داخل سجن الدامون، مما اضطرت العديد من الأسيرات النوم على الأرض، علاوة على النقص الحاد في الملابس، والأغطية والتي تعاظمت حدتها في ظل موجة البرد القاسية، فبعض الأسيرات بقيت في ملابسها التي اعتقلت فيها، ولم تتمكن من استبدالها.
كما عانت الأسيرات من تعمد إدارة السجون تزويدهن بمياه غير صالحة للشرب ومتسخة.
مواجهة تهم التحريض
استهدفت الفلسطينيات، كجميع فئات المجتمع الفلسطيني، بعمليات الاعتقال الإداري التي تصاعدت بشكل غير مسبوق تاريخيا، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية فبراير/شباط 3558، من بينهن 12 أسيرة معتقلة إداريا، منهن صحفية ومحامية، وطالبات جامعيات.
وإضافة إلى أن بقية الأسيرات والغالبية منهن وجهت لهن تهم تتعلق بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكلت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول أبرز الذرائع التي استخدمها الاحتلال لاعتقال الفلسطينيين في الضفة بما فيها القدس، وكذلك من الأراضي المحتلة عام 1948.
يُذكر أن من أبرز المحطات التي شكلت فارقا في تاريخ قضية الأسيرات صفقة التبادل التي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني حيث تم الإفراج في حينه عن 71 أسيرة، عدد منهن يقضين أحكاما لسنوات وصلت 16 عاما، وهن من بين 240 جرى تحريرهن خلال 7 مراحل تضمنتها صفقة التبادل التي تمت في حينه.
ومن الجدير ذكره أن الاحتلال أعاد اعتقال أسيرتين أفرج عنهما ضمن الصفقة، بينما استدعى أسيرتين مقدسيتين لمحاكم مدنية بادعاء وجود ملفات ضدهما وهما داخل الأسر.
ووفق تقارير حقوقية، فإن الاحتلال الإسرائيلي مستمر في انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في مراكز التوقيف والتّحقيق والسجون، وفي المستشفيات والعيادات الطبية والحواجز ونقاط التفتيش، وتطال تلك الانتهاكات كافة فئات الفلسطينيات من معلمات وطالبات وأمهات وأطفال.
المصدر : الجزيرة