هل تلفظ إسرائيل التطرف قبل فوات الأوان ؟

WptCE.jpg
حجم الخط

الكاتب: رجب أبو سرية

 

لم يبتعد الرئيس الأميركي جو بايدن عن الصواب كثيرا، حين قال إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها، وقد قال بايدن ذلك بوصفه صهيونيا، وإن لم يكن يهوديا، كما يصف هو نفسه بنفسه، كما أنه لم يقل ذلك بدافع انتخابي، فهو أكد للوبي اليهودي الأميركي أنه صديق من طراز خاص جدا لإسرائيل، وإن لم يكن صديقا لنتنياهو، بل إنه أكثر من ذلك وهو في ذروة دعمه ودفاعه عن إسرائيل وهي ترتكب جريمة الإبادة الجماعية، يبدي قلقه على مستقبل إسرائيل، ذلك المستقبل الذي بات على كف عفريت حقا، وكما لم يكن كذلك من قبل، وذلك لا يعود إلى تهديد الدول المعادية لإسرائيل، ولا لأن أحدا من جيرانها سيلقي بها في البحر، أو أنه يمتلك ما تمتلكه من سلاح نووي، ولا من دعم غربي من قبل أقوى دولة في العالم، يساندها الغرب أيضا، ولكن لأن إسرائيل بقيادة التطرف الفاشي، باتت عدوة نفسها بنفسها، وباتت مصابة بفيروس الاستبداد، ومظاهر الشرق البعيد عن العالم الديمقراطي الغربي.
ولأن نتنياهو في «المقلاة» ولا يرى أبعد من أنفه السياسي المهدد بالسقوط، لحظة توقف الحرب، فإنه لا يرى التحولات الدولية التي يراها جو بايدن ومؤسسات الدولة الأقوى في العالم، والحقيقة أن ما قاله بايدن لم يقع من السماء، فالرجل أصلا يقف على يمين الحزب الديمقراطي، كذلك هو محافظ ويكاد يكون أقرب للحزب الجمهوري منه للحزب الديمقراطي، وهذا ما أكده تقرير المخابرات المركزية الأميركية الذي جاء تحت عنوان «التقييم السنوي للتهديدات» وهو الذي أغضب نتنياهو أكثر مما فعلت كلمات بايدن، وهذه المرة رد مكتب نتنياهو بانفعال، عكس رده على ما كان قاله بايدن قبل ذلك، وجاء في الرد أن إسرائيل دولة مستقلة وليست محمية أميركية، حقا ؟! فلو كانت إسرائيل حقا كذلك، لما بقيت يوما واحدا واقفة على قدميها، دون الدعم العسكري والسياسي الأميركي، وأوضح تجليات ذلك ما تعرضت له يوم السابع من أكتوبر الماضي، ومن احتمال توسع الحرب ضدها لتشمل خمس أو ست جبهات في وقت واحد.
وبدلا من أن يأخذ نتنياهو الغضب الأميركي بعين الاعتبار، قرر خوض مواجهة قوية مع بايدن، وفق ما قالته القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي، وهذا يؤكد أن نتنياهو قد بات ظهره للحائط، وهو وإن كان قد تراجع ميدانيا، إلا أنه ما زال يبقي على موقفه من مواصلة الحرب وبنفس الوتيرة من القتل والتدمير اليومي، وذلك إن كان بعدم التجاوب مع جهود الوسطاء للتوصل لصفقة تبادل الأسرى، أو لجهة السماح للمساعدات الإغاثية بالوصول إلى قطاع غزة، حيث آلاف الشاحنات تنتظر ما بين العريش ورفح، وإن كان قد استجاب نسبيا لضغوط أجهزة الأمن الإسرائيلية فيما يخص عدم التوافق التام مع ايتمار بن غفير بما يخص عدد المسموح لهم بالصلاة في القدس خلال شهر رمضان.
وبات واضحا أن بايدن عاجز عن الفصل بين تأييده لإسرائيل وبين علاقته مع نتنياهو، فهو ميدانيا غير قادر على رفع يده عن الجيش الإسرائيلي، فما زالت قواته تشن الغارات العسكرية ضد مواقع الحوثي في اليمن، وما زال حتى اللحظة، لم يتخذ القرار الدراماتيكي بوقف مد إسرائيل بالسلاح والذخائر، وحتى فيما يخص إدخال المساعدات الإغاثية الأميركية إلى غزة، لم يقدم على الخطوة الحاسمة بفتح معبر رفح رغم أنف إسرائيل وإدخال الشاحنات، بل لا يقوم بأكثر مما قامت به الأردن من إنزال رمزي عبر الجو لمواد إغاثية، فيما قصة إنشاء الميناء، وإضافة إلى ما تحتمله من مخاطر أن تتحول إلى منفذ تهجير، فإنها تحتاج وقتا، والأهم من كل هذا، أن بايدن لم يسمح حتى اللحظة لمجلس الأمن الدولي بإصدار القرار الخاص بوقف إطلاق النار، وكان آخر ما قامت به واشنطن قبل نحو أسبوعين هو إحباط مشروع القرار الجزائري بهذا الخصوص، بحجة أن ذلك يشوش على مفاوضات وقف النار التي يقوم بها الوسطاء، وقد تأكد أن ذلك لم يكن أكثر من حجة واهية للتضليل وكسب الوقت.
كذلك يبدو أن هناك موقفا يدعو للتساؤل، فقد مر نحو ثلاثة أسابيع على مهلة الشهر التي منحتها محكمة العدل الدولية لإسرائيل لترد بما يفيد بأنها تقوم بما يلزم لتبديد مخاوف المحكمة من قيام إسرائيل بحرب الإبادة الجماعية، ورغم الرد الإسرائيلي غير المعلن، إلا أن حرب التجويع ومتابعة القتل الجماعي والعشوائي، منذ ذلك الوقت تؤكد أن إسرائيل لم ترد على المحكمة إلا بالتجاهل، وقد يكون كل هذا رافعة لتواصل تظاهرات التنديد بالجرائم الإسرائيلية، وبالإسناد الأميركي لارتكاب تلك الجرائم، ولهذا فإن بايدن، بات يقول علنا إن نتنياهو بات يضر بإسرائيل، والحقيقة أن نتنياهو يقود ويمثل حكومة يمينية إسرائيلية فاشية، بعد أن وصلت لآخر حدود التطرف اليميني، بدخول حزبي القوة اليهودية والصهيونية الدينية الفاشيين إليها، بل وقيادتها تحت ضغط فرط عقدها في حال عدم تنفيذ سياساتهما العنصرية والفاشية.
ويمكن القول إن نتنياهو الذي قاد إسرائيل خلال عقدين ونصف العقد، هو من قاد ذلك التحول، من الوسط الذي كانت عليه أيام شارون/كاديما، إلى اليمين، ثم اليمين المتطرف، فالفاشية، وهكذا بات أخيراً يعلن بوضوح رغبته في تهجير الفلسطينيين ورفضه قيام دولتهم، وضم أرضهم، والتخلص منهم جميعا، ومثل هذه الدولة التي تذهب للتحول لتكون دولة تطهير عرقي علنا وبشكل صريح، تتحول في نهاية المطاف إلى عدو لمواطنيها، الذين يصبحون بدورهم أمام أحد خيارين، فإما التدين والتطرف اليميني، أو الرحيل، وهكذا سيجد العلمانيون واليساريون اليهود الإسرائيليون الذين أقاموا الدولة أنفسهم وقد صاروا مواطنين درجة ثانية في دولة قاموا بإنشائها!
والحقيقة أن خطر نتنياهو الذي بات عنوانا للفاشيين الإسرائيليين، متوجا بحرب إبادة جماعية، على إسرائيل قد بدأ بالظهور منذ نحو عام ونصف العام، أي منذ قام بتشكيل الحكومة الحالية، والتي ضم فيها لأول مرة كلا من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فيما تحول معهما الليكود نفسه نحو التطرف الفاشي، وقد بدأ خطر نتنياهو وحكومته على إسرائيل مع فتح الباب لمعركته ضد القضاء، ومن ثم ضد الجيش وأجهزة الدولة العميقة، حيث لم تعد إسرائيل محكومة بالمؤسسات، بل بالأحزاب السياسية، وبات نتنياهو أقرب إلى صورة الحاكم الشرقي المستبد، الذي يغامر بالدولة في سبيل البقاء في الحكم مستبدا، ورغم إطلاق المؤسسات الأمنية الإسرائيلية عقيرتها ليل نهار منذ وقت، قائلة بتآكل قوة الردع الإسرائيلية، وإن هناك خمس أو ست جبهات معادية لا يمكن لإسرائيل مواجهتها معا، إلا أن نتنياهو واصل إطلاق العنان لبن غفير للتصعيد في الضفة الفلسطينية، وسمح لسموتريتش بمواصلة الضغط على السلطة ماليا، إلى أن أظهر موقفه الحقيقي المعادي للسلطة، برفضه حل الدولتين علانية، بل ورفضه إدارة حتى «سلطة متجددة» لغزة، فيما ظهرت إسرائيل ضعيفة عسكريا واستخباراتيا يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي.
وليس فقط لأن إسرائيل ظهرت بحاجة إلى الحماية العسكرية الأميركية فورا، وحسب، بل إن إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة، فيما جيشه منهك، وبات بحاجة إلى أكثر من عشرة آلاف جندي إضافي حسب يائير لابيد زعيم المعارضة، وذلك فقط لأن إسرائيل اضطرت إلى الدفع بـ 15 ألف جندي إلى الضفة الفلسطينية خلال شهر رمضان، وهذا يعني أن إسرائيل لو تجندت كلها لما صمدت في وجه خمس أو ست جبهات تفتح عليها في وقت واحد، دون حماية أميركية - غربية، بل وما يزيد الطين بلة، هو ما ظهر من تناقض داخلي، مرتبط بالحريديم، الذين يقدم لهم نتنياهو رشوة بقائه في الحكم، باستمرار إعفائهم من الخدمة العسكرية، حيث وفق لابيد هناك 66 ألف شاب حريدي في سن الخدمة، باتت إسرائيل بحاجة لهم لمواجهة حالة التوتر في الشمال وحالة الاستنفار في الضفة الفلسطينية وحالة الحرب بالطبع في غزة، وفي ظل كل هذا ما زال نتنياهو يصر على الاستمرار في الحرب، ويحاول أن يخدع بايدن مجدداً بقوله إنه بحاجة إلى ستة أسابيع للقضاء على حماس في رفح، والسبب الحقيقي هو محاولته الإبقاء على الحرب إلى أن ينشغل بايدن تماماً في الانتخابات، ولا يعود أمام الأميركيين ومعهم الإسرائيليون من مفر سوى ربط مستقبل إسرائيل بمستقبل نتنياهو السياسي الشخصي.