في رائعة ( قصة مدينتين ) للروائي الإنجليزي الكبير تشارلز ديكنز ، يذهب بذكاء وابداع للمقارنة بين مدينتي باريس ولندن فترة الحرب بينهما وكيف تكون الثورة على حق ولكنها تظلم الطيبين وتطحن احلامهم الصغيرة على مذبح الفكرة المطلقة .
ماذا ستقول الأجيال عن هاتين المدينتين ؟ وماذا تحمل خوافي الأيام تجاه المواطنين العاديين الذين وجدوا أنفسهم في أتون الثورات والخيانات والبطولات والتخاذليات ؟
ماذا يقول المواطن الذي فقد بيته واطفاله ؟ وماذا يقول المواطن الذي فقد كرامته وشغفه ؟
في جميع المعارك هناك ضحايا لم يفعلوا أي ذنب سوى انهم تواجدوا في نفس مكان وزمان الثورة الفرنسية والنتيجة ان الثورة داست عليهم وقتلتهم ( الذي يقع ضحية للثورة العمياء التي لم تميز بين الخير والشر برغم شخصيته الطيبة)
. وفي مدينة أخرى هناك ثوار ولدوا في زمن لا ثورة فيه وعاشوا الضياع الرهيب .
الثورة الفرنسية اعدمت الرجل الارستقراطي الطيب الذي يساعد الفقراء ويهب ممتلكاته للتخفيف عنهم ومساعدتهم . هذا الرجل الطيب الذي قاتل من اجل الخير جاءت ثورة " الخير " وقامت بإعدامه شنقا .
وفي لندن مدينة أخرى متناقضة ، يجري اعدام رجل قاتل لانقاذ امرأة . تحت اعواد المشنقة وفي نفس الزمان لكن في مكان مختلف تماما يجري اعدام رجلين : رجل ارستقراطي طيب ومحترم . ورجل امضى حياته في انقاذ حياة امرأة .
قبل تنفيذ الإعدام برجلين متناقضين مختلفين . قال الكاتب على لسانهما وهما لا يبديان الندم :
كان أحسن الأزمان ,و كان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة ,و كان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط.
العبرة لا تكون في الإجابة بل في السؤال نفسه . وكل واحد فينا يسأل السؤال الخاطئ للشخص غير المعني بالأمر . ولو سألنا السؤال نفسه في لندن لشخص مختلف في باريس لحصلنا على نفس الإجابة !!
من يسأل هذا السؤال ؟ ومن يرد بالإجابة ؟
الرجل الارستقراطي الطيب الذي امضى عمره في عمل الخير ولكنه يجب ان يموت شنقا لأنه ولد لعائلة ارستقراطية ؟ ام المحامي الذي التحق بفكر بالثورة ؟
في لحظة ما نقف جميعنا امام سؤال واحد: هل نحن نحن ؟ ام اننا الاخر في زمن اخر وفي مكان مختلف؟
هل الطير حر؟ هل المواطن بطل؟ هل القائد هو نفسه مواطن محبط هناك ؟
قبل تنفيذ الشنق قال المتهم ( المواطن ) : ان ما فعلته أفضل بكثير جدا مما فعلته على الاطلاق . وانها لرحلة افضل بكثير مما عرفت على الاطلاق .