لا ينفع ولا بأي حال من الأحوال وضع نقطة واحدة من السم في برميل العسل، الذي بذلت الكثير من الجهود المتراكمة والصبر والتكتيك والانتظار حتى نجح النحّال في جمع هذا العسل.
نقول ذلك إزاء عدم مشاورة الرئيس عباس تعيين محمد مصطفى رئيسا لحكومة التكنوقراط الجديدة، التي لن تضم أحدا من الفصائل بما فيها فتح نفسها، لأن المشاورة بحد ذاتها هي افشال للمشروع بكليته، او نقطة السم في العسل، رغم معرفتنا المؤكدة ان المشروع امريكي مئة بالمئة، منذ مكوكيات وزير الخارجية انطوني بلينكن ومطالبته بتحسين أداء السلطة كي يتسنى لها إعادة تسلم غزة بعد وقف "الحرب" ، ورغم ان حماس وضعت في الصورة، صورة التكنوقراط، من خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس لقطر بدعوة من أميرها، وأعربت حماس عن عدم معارضتها لأي مقترح يتفق عليه الآخرون لأنها كما قالت لا تطمع في الحكم.
منذ ترسيم محمد مصطفى، خرجت الأمور عن السيطرة بين فتح وحماس، حالة من الردح الإعلامي والسياسي، لا يستطيع أي فلسطيني غيور ان يتقبلها او يستوعبها في ظل كل هذه الدماء الزكية التي تهرق يوميا في غزة مجبولة بالتجويع الممنهج والألم والحزن والخوف والدمار، وكأن هذا الدم ليس دمنا والأطفال ليسوا أطفالنا والمنازل ليست منازلنا والشوارع ليست شوارعنا والاحلام ليست أحلامنا والكرامة التي أريقت عند مراكز توزيع الطعام ليست كرامتنا. كان يجب ان نضبط ايقاعنا واداءنا وأفواهنا وألسنتنا وغرائزنا وأوساخ ملابسنا الداخلية قليلا ، الى ان ينتهي العدوان الابادي على شعبنا المنكوب في غزة الجميلة الصابرة الفقيرة المحاصرة المكافحة. ولقد زاد الطين بلة كما يقال، ان هناك فضائيات عربية كبيرة تتلقف ما يقوله هذا عن ذاك وذاك عن هذا، ليس حبا لهذا ولا لذاك ، بل نزولا عند خدمة الأمريكي والإسرائيلي. لقد استمعت مؤخرا لأحد الرداحين يعتبر كل من يتعاطى مع رواية السابع من أكتوبر بأنه عميل، رغم ان العديد من قياداته اعتبروها مأثرة، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة امام مجلس الامن قال انها لم تأت من فراغ.
كان يفترض ان نأخذ الأمور عند حجمها وظروفها التي تخلّقت في داخلها، دون ان نسقط الفروق بين الفصيلين الكبيرين الحاكمين في الضفة وفي القطاع. قام الرئيس بترسيم مصطفى، وتقوم حماس برفض التعاطي معه ، كما كان الحال مع محمد اشتية، الى ان يتم اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، مع العلم ان حكومة التكنوقراط المزمعة هي أصلا ضد التعاطي الرسمي مع حماس وفتح من قبلها .
كان يجب ان يكون السؤال الجوهري الأول، ان كان النحّال يريد تسميم العسل الذي يأكله أولاده وأحفاده، أم للدب الذي يتهدد حياتهم صباحا ومساء منذ نحو سبعين سنة. كان يكفي ان يكتب عليه كلمة "مسموم"، لأن الدب لم يتعلم القراءة بعد.