منذ بداية الحرب والعدوان الهمجي على قطاع غزة، وفي الضفة الغربية -رغم اختلاف الوتيرة- كان موقفنا واضحًا أن شكل ونطاق الحرب وشموليتها بل وعالميتها يحرم الطرف الضعيف من فرضية النصر العسكري أو النصر الكامل، فالاختلال بالقوى والتحالفات فظيع. ولكنه بالفعل يظهر المظلومية الفلسطينية، وبالمقابل سيتكبد المظلوم خسائر لاتُحتمل، ولا يمكن مقارنتها بما حدث بالنكبة الأولى عام 1948 وذلك لضخامة الحدث في 7/10/2023م الذي باغت الإسرائيليين وأربكهم، ووضعهم في صدمة وجودية شديدة، وحقق فيهم خلخلة عزّ نظيرها، بغض النظر عن النتائج المدمّرة فلسطينيًا والمأساوية اللاحقة.
إن ردّة الفعل الصهيونية الثأرية والانتقامية والإرهابية التي شابهت الفعل الإرهابي الانجليزي-الأمريكي حين دمّر طيران البلدين مدينة درسدن في ألمانيا بالحرب العالمية الثانية (عام 1945 وبعدد قتلى 35 ألفًا، وها نحن بغزة نقترب من الرقم الفظيع!؟) كان مفتاح الفهم للطريقة التي سيتعامل بها الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي مع الشعب الفلسطيني والذي بناء على عقلية الانتقام ومحاولة استرجاع الهيبة المفقودة مارس كل ما لا يتخيله العقل حتى الأمريكي-الأوربي الداعم بكل الطرق للاحتلال.
لقد مارس الاحتلال القتلَ بكافة أشكاله وبلا تمييز، ومارس الذبح والأسر، مرفوقًا بالإبادة الجماعية وسحق البشر، ومحو الأرض وما عليها وتحتها لتتكامل أفعال الإسرائيلي بين الإبادة البشرية الجماعية والإبادة المادية والإبادة لمقومات الحياة (الزراعة والصناعة والتجارة، والمياه، و...) عوضًا عن الإبادة الثقافية والنفسية الروحية.
بكل وضوح تعامل العدوان الإسرائيلي مع الفلسطيني بعقلية المستعمِر (المستخرِب) الذي رأي بإنسان المناطق التي احتلها واستخربها (كائنًا دون الإنسان أو حيوانًا ووحشًا) ولم يجد الإسرائيلي المعتدي من يرُدّه بل تم دعمه أمريكيًا بكل الثقل، وتم دعمه غربيًا أيضًا، لتتحول الحرب بالفعل الى حرب عالمية ضد فلسطين المظلومة وبرئتها الجنوبية قطاع غزة، لاسيما والأمة العربية والاسلامية رفعت يديها الى الأعلى وبدت بلا حول ولا قوة.
في الإطار الفلسطيني ومنذ بداية الحرب (أو العدوان الصهيوني الفاشي) والى الشهور الستة التي انقضت مع آلاف الشهداء والجرحي فإن عقلية إعادة النظر أو المراجعة، أو فهم أن المتوقع أو المخطط له لم يكن بمقدار الحدث، وما كان المفترض بقدر النتيجة الساحقة للشعب المكلوم، وما ارتبط بذلك من خُبوّ نجم القيادات سواء في السلطة الفلسطينية التي رآها الجمهور مقصرة أو باتجاه "حماس" ، التي لم تكن تعلم بالحدث كما قالت زعاماتها، ولم يكن يعلم بالحدث حتى شركاء (وحدة الساحات) فما بالك بالعالم العربي؟ وبدت "حماس" مترددة وغير متماسكة لأنها لم تفهم سقوط افتراضاتها الأولية، وتغير السياسة وضخامة المتغيرات.
تُركت "حماس" أو الجزء من "حماس" بغزة الذي قام بالفعل وحيدًا يجرّ أذيال الخيبة مما توقعه ولم يحصل بتاتًا، ضمن معركته الميدانية الخاسرة ضد التفوق الصهيوني، أو كما قال القيادي العقلاني في "حماس" د.أحمد يوسف أن " الكفَّة في الميدان تعمل في النهاية لصالح التفوق العسكري، وخاصة إذا ما طال زمن المعركة وغاب عنَّا المدد، وهدير عمقنا العربي ورديفه الإسلامي". فلا ثورة عربية أو إسلامية قد استنهضت، ولا عالم غربي أفاق على الصحوة، الا ما يتم الحديث فيه من الأحرار مؤخرًا.
الذي تحمل كل الأذى والدمار والكارثة من جراء المقتلة والمذابح الصهيونية الدامية فقط الشعب الفلسطيني في غزة أساسا وبالضفة. وحول ذلك علق الكاتب أكرم عطا الله قائلًا: "حين يكون ثمن الفعل أكبر من قيمته يجب إعادة الحسابات"، إلا أن مواقف القيادة السياسية خالفت الوعي ولم تأبه بإعادة حساباتها، ولم تتأثر ولم تتغير! وكأن الشعب ليس في حساب النصر والهزيمة!؟ وهذه القيادات أمام انسحاق الشعب ومقتلته الكارثية مهزومة.
القيادات السياسية عامة وفي "حماس" أساسًا ما قررت تغيير الاتجاه نحو الوحدة والخروج من عنق الزجاجة، ولا هي وعت الحاصل المدمر لشعبها ونظرت للأمام. ولا هي أصلًا توقعت الكارثة! ولما رأتها رأي العين تجمّدت وتكلّست، وخارت ركبها وقرّرت التمسك بالقائم؟! دون وعي لقوانين الحرب ومتغيرات القوة والمستجدات، فلم ترى شعبها لتعتذر له، ولم تراجع مخططاتها وما مدّت اليد للآخرالوطني، أوببساطة فهي مع تصاعد نتائج الأحداث المدمرة، لم تُحسن إدارة المعركة ومازالت في فشلها وتخبطها حتى اليوم، مادامت يدها اليمنى في الجيب.