بعد 172 يوم امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض "الفيتو" على قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق نار في قطاع غزة، موقف قد يراه البعض الرسمي العربي أو من يبحث "تجميلا" لموقف إدارة بايدن ممن يرونها "وسيط شريكا" للعمل على وقف الحرب العدوانية الشاملة.
تصويت أمريكا الامتناعي على قرار مجلس الأمن رقم 2728 يوم 25 مارس 2024، كان محكوما ببعض عناصر لا ترتقي أبدا الى ما يراه البعض "تغيرا جوهريا" في موقفها من دولة الكيان، كشكل من أشكال العقاب السياسي على سلوك رئيس حكومة التحالف الفاشي نتنياهو، على ضوء حركة "التمرد" التي أعلنها في الأسابيع الأخيرة.
وتدقيقا في موقف إدارة بايدن، يمكن اعتباره شكلا من أشكال "قرصة إذن" طفل سياسي يبحث دور البطولة الشكلية، لكنها بالمقابل قرارها الامتناعي هو أحد أهم "الجدر الواقية" لجوهر الموقف الإسرائيلي المرتكز على استمرار احتلال قطاع غزة، وعدم ربطه بأي إجراء يمس ذلك التغيير الأخطر.
ولم يكن شكليا رفض واشنطن التعديل الروسي بربط وقف إطلاق النار بالاستدامة، وليس بأيام تمتد الى "بقايا شهر رمضان"، في مناورة ستكشف أبعادها لاحقا، وخاصة أنه لم يرتبط بأي عملية "إعادة انتشار" لقوات الاحتلال داخل قطاع غزة، بل أشار فقط الى المساعدات الإنسانية وما يمكن تسهيلها، فأمريكا تدرك جيدا أن تصويتها الامتناعي سيكون عامل استخدامي لاحقا مفاوضات الدوحة الموازية، والتي لم يعلن عن توقفها، أو وضعها في إطار جديد وفقا لما كان.
قرار مجلس الأمن 2728، قزم كليا مطالب حركة حماس التي قدمتها يوم 14 مارس 2024 في "لقاء الدوحة"، والتي تم اختزالها بـ "وقف إطلاق نار مقابل رهائن وتسهيل المساعدات"، ما أسقط قضايا جوهرية استخدمتها حماس سابقا كإطلاق سراح أسرى، الى جانب عودة المشردين – النازحين وخروج قوات الاحتلال من مناطق في قطاع غزة (إعادة انتشار).
أمريكا تمكنت من استخدام "التنازل عن الفيتو" لتضع ما أقدمت علية دولة العدو من تدمير وجرائم حرب وإبادة في قطاع غزة بالتوازي مع إدانة الارهاب ضد المدنيين، دون خط فاصل بينها، كإشارة غير مباشرة لحادث 7 أكتوبر 2023.
ثغرات أساسية تجاهلها القرار الأممي، وهو ما أدركته حركة حماس في بيانها الثاني، بعدما سقطت بشكل ساذج في الترحيب بالقرار دون تدقيق كاف، كشف أنه كان مطلوبا منها ذلك "الترحيب" ليقدم مسبقا لأمريكا، شرطا لتصويتها الامتناعي، وبذلك وقعت في مطب كبير، كشف أنها غير مدركة لتبعات المسار الذي أدى الى القرار وما نتج عنه، وبذلك أوقعت ذاتها في دائرة اتهامية، بأنها لم توافق على القرار، في تناقض لا يمكن أن يشير الى "رؤية سياسية سوية"، من حركة تخوض "مفاوضات معقدة" مع عدو ودولة حامية له.
ترحيب حماس المتسرع بالقرار سقطة سياسية كبيرة، وتراجعها اللاحق سقطة أكبر، سيضعها تحت ضغط مضاعف، وأن هناك خلاقات تناقضية بداخلها، ما سيؤثر على صورتها ومكانتها اللاحقة، بأن القرار ليس مع الطرف المفاوض، بل مع آخر.
كان لحماس أن تصمت تماما عن الترحيب بقرار قزم جوهر مطالبها الخاصة بصفقة التبادل والتهدئة، وكان الأفضل القول بأنها تدرس وتتشاور فيما سيكون، ويرتبط موقفها بموقف دولة الكيان ومدى التزامها بتنفيذه دون أي اشتراطات لاحقة.
بعد قرار مجلس الأمن، وارتباك موقف حركة حماس، عله بات فرضا وطنيا أن تعيد الحركة جوهر تعاملها مع التفاوض في قضية الصفقة وكيفية مواجهة ما سيلي بعد قرار مجلس الأمن 2728، لو أرادت حصار الضرر الكبير الذي حدث كي لا يتحول المشهد استخداميا معاكسا، خاصة وأن أهل قطاع غزة موضوعيا أولويتهم المطلقة راهنا وقف الموت دون غيره.
حماس لم تدرك مخاطر بيانها "مطلوب الدفع السياسي مسبقا"، ما يشير إلى غياب أي رؤية بالعملية التفاوضية، أو وجود رؤية استراتيجية واضحة أو متكاملة، فكانت "السقطة السياسية مرتين"...وذلك "أبو الدروس".
ملاحظة: الرئيس الكولومبي بشحمه ولحمه كتب في تغريدة "إكسية" بأنه القصة ذاتها بين هيروشيما الأمس وغزة اليوم..مع تمييز أكبر لأنه غزة أصغر..ومش بس هيك وطالب بقطع كل العلاقات مع دولة الكيان الفاشي..بالكو في أي حاكم عربي حكى اللي حكاه..حزروا وفزروا مع بقايا رمضان!
تنويه خاص: غالانت وزير حرب الفاشية المحدثة حكى للأمريكاني سوليفان، بأن نتائج الحرب سيكون تأثيرها على المنطقة كلها...وهيك صار عنا اعتراف أول مرة بحقيقة الهدف منها...لا قصة ثأر ولا انتقام لحدث 7 أكتوبر بل استخدامه كجسر عبور للصيد الكبير..هاي هو صح الصح!