أفردت نشرة «المشهد الإسرائيلي» (العدد 375 في 16 شباط) تغطية خاصة من صفحتين لخطة سياسية مرحلية أقرها مؤتمر حزب العمل في 7 شباط، وكان زعيم الحزب و»المعسكر الصهيوني» اسحاق هيرتسوغ قد عرضها على معهد دراسات الأمن القومي في 19 كانون الثاني، وعقدت الكنيست جلسة خاصة يوم 14 شباط للاستماع إلى مداخلات رؤساء ونواب الكتل الحزبية. هذا تعريف وتقديم مسهب، لأن المواقف منها تبنى على الترجمة الحرفية والكاملة التي توفرت.
ما يميز الخطة هذه أنها موجهة إلى النخبة المشاركة في معهد دراسات الأمن، وإلى أحزاب الكنيست، والرأي العام الإسرائيلي، وهي أشبه بـ»خارطة طريق» إسرائيلية للوصول إلى «حل الدولتين لشعبين».
السلطة الفلسطينية تفهم من مشروع «الحل بدولتين» أنها بين دولة الشعب الفلسطيني، ودولة الشعب الإسرائيلي.
الحكومة الحالية اليمينية تفهم من «الحل بدولتين» أنها دولة قومية للشعب الفلسطيني، وأخرى قومية للشعب اليهودي في إسرائيل، حيث يشترط نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل، ودولة فلسطينية منزوعة السلاح، وأن يتم ذلك بمفاوضات مباشرة، وليس عَبر حل دولي مفروض، أو مؤتمر دولي للحلّ، كما في المشروع الفرنسي وقوامه: «إما مؤتمر دولي وإما دولة فلسطينية».
قوام خطة هيرتسوغ ليس جديداً، فهو الفصل الديمغرافي الذي يختلف تطبيقه الإسرائيلي في الضفة عن الفصل الأمني ـ الجغرافي كما فعل شارون في الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، وليس عن «خطة الانطواء» التي طبقها جزئياً في إخلاء أربع مستوطنات قرب جنين.
تلتقي خطة هيرتسوغ، التي أقرها حزبه بالإجماع، مع مشروع نتنياهو لتسوير دولة إسرائيل بالجدران في حدودها الدولية، وكذا حدودها مع الديمغرافيا الفلسطينية، لكنها تقترح إنقاذ القدس كعاصمة لإسرائيل من مستقبل يراه غير بعيد، أي غالبية فلسطينية في إطار القدس الموحدة ـ الموسعة، ومن احتمال رئيس بلدية فلسطيني للقدس، كما حذر عمير بيرتس.
المقصود هو إخراج 28 حياً وقرية فلسطينية من الحدود الحالية للقدس المُكَبَّرة، تحوي 200 ألف فلسطيني، ونقل الأحياء والقرى هذه إلى المنطقة B حيث السيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية.
لكن، حتى بعد الانفصال الديمغرافي، وإلى حين التسوية النهائية على أساس مبادئ كلينتون في كانون الأول 2000، ومبادئ حزب العمل، أيضاً، فإن الجيش الإسرائيلي سيكون صاحب السيطرة الأمنية الوحيدة بين نهر الأردن والبحر.
ما المعنى السياسي الإسرائيلي للخطة؟ صار لحزب العمل والمعسكر الصهيوني زعيم سياسي «وكاريزما» سياسية تتحدى الكاريزما الزعامية لنتنياهو. لماذا؟ نقاش الكنيست للخطة أبرز غالبية حاسمة للانفصال الديمغرافي الأحادي، واستطلاعات الرأي الإسرائيلي، بعد نشر الخطة، أشارت إلى تأييد 65% من الإسرائيليين لها.
لم يعد هناك «أجنحة» في حزب العمل، بعضها، مثل زعيمة الحزب السابقة، شيلي يحيموفيتش، يفضل برنامجاً انتخابياً اجتماعياً، في ضوء مظاهرات جبنة الكوتيدج مثلاً، أو برنامجاً انتخابياً سياسياً، كما في أفكار زعيم الحزب الأسبق ـ زعيم الهستدروت الأسبق، عمير بيرتس. في المقابل، لا يمكن القول إن سياسة زعيم الليكود مقبولة من بعض أجنحته، وبعض أحزاب الائتلاف، مثل «إسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي».
الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من أي منطقة بين النهر والبحر، وستبقى حدود الأمن هي حدود سيطرة الجيش، لكن بعد إحاطة الكتل الاستيطانية بالجدران، وإخراج معظم الأحياء الفلسطينية من نطاق بلدية القدس، على الحكومة الامتناع عن البناء خارج الكتل، وتطبيق قرارها في آذار 2001 لإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية.
ليس في هذا المشروع السياسي ـ الانتخابي سوى هدف عودة حزب العمل إلى الحكم برئاسة اسحق هيرتسوغ، ولا يتطرق إلى ترسيم حدود سياسية بين دولتين، ولا إلى المبادلات الجغرافية في ترسيمها، فهذا جزء من تسوية نهائية متفاوض عليها، على أساس مبادئ كلينتون. لأسباب مختلفة يعارض رئيس بلدية القدس، ومحافظ القدس في السلطة الفلسطينية مشروع هيرتسوغ.
إذا قبلت السلطة هذا المشروع سوف يتفكك الائتلاف اليميني الحاكم بين دعاة دولة إسرائيل ودعاة أرض إسرائيل. تقول المعطيات إن أصوات المستوطنين هي التي رجّحت وترجّح فوز اليمين، لكن معظم أصوات الناخبين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر ترجّح فوز ائتلاف يقوده حزب العمل.
من دهاء شارون أنه قال «لعم» مشروطة لمشروع «الحل بدولتين» وارفقها بـ14 شرطاً إسرائيلياً، وافقت أميركا على بعضها مثل بقاء كتل استيطانية تحت سيادة إسرائيل.
عماد شقور، كتب في «القدس العربي» أنه كان على السلطة الفلسطينية أن تقول «لعم» لشرط نتنياهو حول «دولة يهودية ـ ديمقراطية» لكن مع وضع شروط. ربما كان على أبو مازن أن يقول لايهود أولمرت: هات موافقة الكنيست والحكومة على مشروعك أوّلاً، ثم نتفاوض عليه.
على الفلسطينيين أن يخرجوا من قفص المشاريع الإسرائيلية التي تعتمد «لنعرض نحن وليرفضوا هم بالنيابة عنّا». المسألة في إسرائيل هي علاقة الانفصال الديمغرافي بالحفاظ على دولة إسرائيل يهودية ـ ديمقراطية ومكانة أمن إسرائيل من هذا وذاك.
حسن البطل